الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967 مدين جدا لرئيس محكمة العدل العليا الأسبق، مائير شمغار، الذي توفّى أخيراً. لولا إسهامه لما كان الاحتلال سيعيش فترة طويلة جدا. ولولا الشرعية التي منحها، ربما كانت هذه الجريمة سيتم القضاء عليها منذ زمن. في «ارئيل» و»ايتمار» يجب أن تسمى شوارع على اسمه. ومن جنين حتى رفح يجب اعتباره وصمة عار مدى الحياة.
كان شمغار طبق الفضة الذي قدم عليه الاحتلال لإسرائيل والعالم: باردا، نزيها، مغلفا بالسولفان اللامع، مع مظهر قانوني مزيف، جميل ومتنور، مغسول ومكوي. بدون هذا الغلاف كان كثير من الإسرائيليين سيلفهم خجل كبير، ويكرهون الاحتلال ويحاربونه. لولا شمغار والمحكمة العليا لكان العالم أيضا سيعترف بشكل ابكر بالانحلال الأخلاقي الذي يختبئ خلف مغسلة شمغار.
ليس من المدهش أن إسرائيليين كثيرين، من جميع الاطياف، قدروه واحترموه بهذا الشكل. لقد فعل من اجلنا العمل الأهم بعد العمل العسكري للاحتلال. لقد مكن من تخليد الاحتلال. شمغار والمحكمة العليا التي تشكلت بروحه، منحا الاحتلال الأمر الوحيد الذي كان ينقصه وهو الشرعية. بفضل شمغار يمكن أن تكون مع الاحتلال وأن تشعر بأنه غير موجود؛ منذ بداية ايامه قضى بأن الامر لا يتعلق باحتلال، وأن ميثاق جنيف الرابع لا يسري عليه، بالضبط مثلما يدعي الآن المتطرفون من اليمين. لا يوجد تقريبا أي رجل قانون جدي في العالم اشترى هذا الغباء.
شمغار ايضا توقع الاحتلال: في بداية الستينيات أعد المدعي العسكري شمغار البنية التحتية القانونية لاحتلال متوقع، دون أن ينكر شرعيته. وهو ايضا منح المناطق الاسم الخالد: المناطق المسيطر عليها. غير محتلة وغير حرة. شيء ما في الوسط. هكذا أحببناها، مؤقتة، وأوراقا للمساومة، فقط إلى أن يتم إيجاد الشريك الفلسطيني المأمول، بعد لحظة أو لحظتين وربما ثلاث لحظات. حتى ذلك الحين مسموح لنا السيطرة عليها كما نشاء. شمغار سمح بذلك. خلف التعبير الذي صكه اختفى احد التحايلات الكبرى للاحتلال: احتيال المؤقتية. بعد لحظة سينتهي. مسيطر عليها.
شمغار لم يكن مستوطنا فظا أو عنصريا وحشيا. لقد كان «بن غوريون الجهاز القضائي»، مثلما قام بتأبينه افضل ورثته، اهارون براك. بالضبط مثل دافيد بن غوريون عرف كيف يضع بصماته دون أن يترك آثارا على جوانبه الظلامية. عبقريته الحقيقية كانت في تشكيل الصورة الليبرالية والمتنورة له وللمحكمة. ها هو شمغار يمكن الفلسطينيين من التوجه للمحكمة العليا، وهو امر غير مسبوق في العالم. الجميع أسروا بسحره هذا، يوجد للشعب الواقع تحت الاحتلال الحق في المقاضاة في محكمة العدل العليا. اجل «العدل» ايضا هنا اختفى بتحايل كبير. ساعدت هذه العملية في طمس الخط الأخضر. الجميع متساوون أمام المحكمة وجميعهم لهم حق في المقاضاة، سكان الخضيرة وسكان مخيم جباليا.
بماذا أفاد حق المقاضاة الفلسطينيين؟ كم مرة وقفت المحكمة العليا الى جانبهم ودافعت عن حقوقهم؟ وكم مرة وقفت الى جانب المستوطنين؟ متى لم تكن خاتما مطاطيا تلقائيا أمام جهاز الأمن؟ حتى الطرد المشين لـ 414 شخصا من أعضاء «حماس» الى لبنان في العام 1992 صادقت عليه المحكمة العليا بالاجماع، برئاسة شمغار. هذا هو شمغار الذي قال ذات مرة، إنه قرر تكريس حياته للقضاء العام، بعد اعتقاله اداريا من قبل البريطانيين وتم ابعاده الى اريتريا. منذ ذلك الحين اعتقلت إسرائيل، بتشريع من محكمة العدل العليا، عشرات آلاف الفلسطينيين اعتقالا اداريا، بالضبط مثل البريطانيين الذين اعتقلوا شمغار، لكن كيف يمكن المقارنة؟!
اسهام شمغار في حماية حرية التعبير والدفاع عن حقوق المواطن والنشاط والقيم المهمة الأخرى لن ينسى له بالطبع. ولكن في يوم الحساب لا يمكننا عدم ذكر الشخص الذي شرعن المظالم وعرف كيفية تغليفها بكلمات قانونية سامية، العدل والمساواة، قيم لم تكن ولن توجد في الفناء الخلفي المظلم لإسرائيل، التي دافع عنها شمغار، بروحه وشخصيته.
«هآرتس»