الغد
بعد فض الدورة العادية لمجلس النواب بأيام، تعالت أصوات شعبية تطالب بعفو عام. قد يجد المرء عذرا لغير المختصين والعارفين بأن إصدار العفو العام يكون بقانون يقر من قبل مجلس النواب، قبل أن يوشّح بالإرادة الملكية السامية. لكن ماذا عن الكتلة النيابية لحزب جبهة العمل الإسلامي، التي بادرت إلى إعداد مشروع قانون للعفو العام، تمهيدا لتقديمه؟!
تعلم الكتلة النيابية أن المجلس من غير المرجح أن يعقد دورة استثنائية هذا الصيف، وبهذا المعنى فإن عرض أو مناقشة كهذا قانون، على فرض قبوله من المجلس، لن يكون متاحا قبل بدء الدورة العادية الثانية للمجلس، أواخر العام الحالي.
من حق أي كتلة نيابية أن تتقدم بطلب كهذا، لكن عليها أن تدرك بأنها خطوة تفتقر كليا للحس السياسي، في هذا التوقيت، إذ لم يمض عام على آخر قانون للعفو العام. ربما يكون الدافع وراء هذا التحرك من طرف كتلة العمل الإسلامي، الضغط لشمول المتهمين في قضية الخلايا الأربع بالعفو، وفي أحسن تقدير مجاراة الدعوات الشعبوية للعفو، دون مراعاة العواقب المترتبة عليه.
العفو العام، أمر دستوري طبعا، لكن وفق التقاليد السياسية للدولة الأردنية، ارتبط إصداره بمناسبات وطنية، وبكثير من الحذر في شموله، حفظا لحقوق الناس. أما تحويل العفو لتقليد سنوي، سيجعل منه محفزا قانونيا لانتهاك القانون، والإفلات من العقاب مع كل قانون عفو جديد، ناهيك عن الخسائر التي تتكبدها الخزينة جراء شمول المخالفات بالعفو. أمانة عمان على سبيل المثال خسرت عشرات الملايين العام الماضي بسبب قانون العفو العام.
وكان أحد مبررات العفو، الشكوى من اكتظاظ السجون، وتبين بالتجربة الحية أن خروج الآلاف من مراكز الإصلاح بعفو، ليس سوى انفراجة مؤقتة، إذ سرعان ما يدخل مقابلهم أو جزء ممن أفرج عنهم إلى السجون من جديد.
أحسن ما فعلت الحكومة لتخفيف زحام السجون، وإبطال الدعوات المتكررة لإصدار قوانين عفو، هو تعديل قانون العقوبات، لتوسيع نطاق تطبيق العقوبات البديلة على الجرائم التي تصل أحكامها لثلاث سنوات. وهذا حسب مختصين سيساهم بخفض كبير ومستدام في أعداد السجناء. إلى جانب ذلك بدأ العمل على بناء مركز إصلاح جديد، والعمل على زيادة القدرة الاستيعابية لمراكز علاج الإدمان، نظرا للارتفاع الملحوظ في عدد المحكومين والموقوفين بقضايا التعاطي والاتجار بالمخدرات.
طالما رأت فئات واسعة من الأردنيين بالعفو العام إهانة لها على التزامها بتطبيق القانون واحترامه، ومكافأة للمخالفين والمعتدين.
وفي الدعوات المتكررة لإصدار عفو عام، تعبير عن ثقافة عميقة تزدري سلطة القانون وسيادته على الجميع، ورغبة في قوننة انتهاكه، دون تحمل العواقب. هذه الثقافة ينبغي محاربتها، فلا معنى ولا قيمة لخطابنا عن سيادة القانون، وحقوق المواطنة المتساوية، فيما نسعى في الوقت ذاته، لتبني تشريع يتحدى هذا الخطاب، ويطعنه في الظهر.
الحكومة نفت قبل مدة بشكل قطاع نيتها تقديم قانون عفو عام، لكن هذا النفي زاد البعض إصرارا على مواصلة إطلاق الدعوات، وفي أحيان كثيرة ترديد الإشاعات، كوسيلة من وسائل الضغط. يبدو أن هذه الوسائل لن تجدي نفعا، فالقرار بهذا الخصوص نهائي وغير قابل للاستئناف.