الدستور - أنا أعتقد أنها فوق 90 % لدى العامة، وتزيد عن 75 % لدى النخبة من خارج مواقع المسؤولية، هذه تقديراتي الشخصية بناء على ما أعرفه بحكم مهنتي وتواصلي مع المجتمع، فأنا لا أتواصل معهم تقريبا الا بحكم مهنتي ككاتب وصحفي معني بالمعلومة وبالحقيقة..ومثلي زملاء مهنيون كثر، يشعرون بالصدمة من قناعات وثقافة الناس ومعلوماتهم الخاطئة حول كثير من الشؤون العامة لا سيما السياسية المتعلقة بالشأن المحلي، فهم لا يتلقون المعلومة من جهات مهنية مختصة، علاوة على النزعة المقيمة لدى الناس، والتي تفضح ميولهم الثاوية بشيطنة السلطة - أي سلطة من أي نوع كانت - ومؤسساتها والتهجم عليها والتشكيك بكل ما يصدر عنها من قول أو فعل.
قبل يومين؛ لاحظت مثلكم، انتشار صورة لشاب انتقل الى رحمة الله تعالى على فيسبوك وترحمت عليه، كانت قد وافته المنية وهو على سرير الشفاء في مستشفى الجامعة الأردنية، بعد رحلة مع سيرة مرضية حسب بيان المستشفى، الذي طالب الناس أن يتحروا الدقة حين يتحدثوا عن وفاة الشاب بسبب خطأ طبي.
المحكمة نفسها؛ لا يمكنها القول بوجود خطأ طبي إلا بعد شهادات وخبرات استشارية وإحاطة شاملة بمعلومات وتفاصيل أية قضية تردها بهذا الخصوص، بينما يسهل على ذوي مريض أن يقولوا هذا، ويسهل على الآخرين أكثر أن ينقلوا هذا الاستنتاج ويضخموه كل على طريقته، ليبلغ حدا لا يطاق، يشعر البسطاء والغرباء معه بأن هذه المستشفيات ما هي الا محلات جزارة، تقتل الناس ولا تأبه بأرواحهم !..استنتاجات ظالمة تنتفي معها كل الانجازات التي حققتها هذه الصروح الطبية الأردنية، علاوة على إساءتها لنا جميعا ولبلدنا الصابر المثابر الصامد، ولا يتوقف هؤلاء ولو للحظة واحدة عند المنطق والموضوعية، فهم لا يجيدون هذه الطريقة «العلمية» المتحضرة من التفكير والاستنتاج والتصرف.
ليش يعني يقوم مستشفى بقتل المرضى؟ هل يفهم المريض أو ذووه أو الآخرون أكثر من الأطباء؟ لماذا إذا تمرضوا أو تذهبوا الى المستشفيات..أسئلة بسيطة لهؤلاء البسطاء الذين امتلأت عقولهم سوادا، بسبب هذه الثقافة السوداوية المتنامية.
ظهر بيان مستشفى الجامعة الأردنية، وحمل معلومات مختصة، تبين السيرة المرضية للمرحوم حتى يوم وفاته، وهو بيان موجود لكل مختص، يمكنه التعليق عليه برأيه العلمي الطبي، وليس خاضعا لتحليلات واستنتاجات العوام من الناس بغض النظر عن موقفهم ورأيهم من تلك الحادثة، فالطب لأهله، وهم لا يتحدثون عنه حسما لو رغبوا الحديث عن هذه الحادثة، دون الرجوع الى تقارير وصور فوق البيان الذي نشرته مستشفى الجامعة، فالانسان الذي يحترم نفسه واختصاصه ويحترم الآخرين وعقولهم، لا يتحدث شططا ولا يسوق استنتاجاته على أساس أنها حقائق.. بل يبحث في القضية بناء على تقارير وتحاليل مختبرات وصور إشعاعية وآراء استشاريين مختصين، ثم يقدم رأيه الذي قد نجد رأيا آخر يعارضه، فهذه عقول مختصة، تتحمل أعباء مهنة إنسانية سامية ولا يمكنها أن تقول ما ليس منطقيا أو حقيقيا.. «شو بينهم وبين أي مواطن حتى يتاجروا أو يقامروا بحياته!!».
نعاني كل الوقت من رواج الجهالة والاشاعة ورداءة الفكرة والاسلوب، فثمة كائنات كثيرة بيننا، لا يؤمنون بشيء سوى رأيهم الخاص وما تتفتق عنه عبقرياتهم السوداوية، ولا يمكنهم التحدث إلا بشكل حاسم لا يقبل تشكيكا ولا رأيا آخر.
الله يحمي هالبلد؛ ويحمي عقول الناس من هذه الفجاجة والانحطاط والتخلف ورواج الاشاعة والكذب والاستعراض الوبائي المعدي.