الغد-عزيزة علي
صدرت الطبعة الثانية من كتاب "المواطنة والهوية الوطنية في الأردن والوطن العربي" للأستاذ السابق في علم الاجتماع بالجامعة الأردنية، الدكتور مجد الدين خمش، عن دار فضاءات للنشر والتوزيع.
ويقدم الكتاب قراءة معمقة لمفهومي المواطنة والهوية الوطنية في السياق العربي المعاصر، مستعرضا التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تواجه المنطقة.
كما يسلط الضوء على تجارب الأردن ودول عربية أخرى في تعزيز الهوية الوطنية والمواطنة، ويعرض نماذج معاصرة للمواطنة القطرية والقومية والعالمية والمتعددة الثقافات.
ويحمل الكتاب قيمة مضافة باعتباره حاصلا على جائزة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين للإبداع في حقل الآداب والفنون، ما يعكس التقدير الرسمي للرؤية الثقافية والعلمية التي يقدمها.
وفي مقدمته للكتاب، يشير الدكتور خمش إلى أن المنطقة العربية تشهد في الوقت الراهن، بعد سنوات من التعافي من جائحة كوفيد-19، اضطرابات سياسية متعددة، وتحديات مناخية متفاقمة، بالإضافة إلى تداعيات مستمرة لنتائج الربيع العربي، وتصاعد العنف من قبل التنظيمات الإرهابية المسلحة مثل القاعدة وداعش.
ويشير المؤلف إلى أن النزاعات الأهلية الدامية ما زالت مستمرة في كل من سورية والعراق وليبيا واليمن والسودان، بالتوازي مع تصاعد الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، وازدياد مخاطر المواجهة الإسرائيلية–الإيرانية، وهو ما يهدد أمن الملاحة البحرية وسلاسل الإمداد عبر البحر الأحمر ومضيق هرمز.
ويرى المؤلف أن الفرق الإلكترونية للمنظمات الإرهابية سعت إلى استغلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لاستهداف عقول وقلوب الشباب، بهدف تجنيدهم أو تحويلهم إلى متعاطفين مع مزاعمها وأفكارها التكفيرية وأيديولوجيتها العنيفة.
وقد أسفر ذلك عن حراك سياسي وثقافي وإعلامي واسع في البلدان العربية، تمثل في تصميم برامج إعلامية، وتفعيل المنابر الدينية، وتطوير المناهج الدراسية والجامعية، بهدف تحصين الشباب فكريا، وتعزيز الهوية الوطنية وروح المواطنة، ومواجهة محاولات هذه المنظمات لنشر أفكارها المتطرفة وزعزعة الاستقرار الفكري والمجتمعي.
ويبين خمش أن الأردن ولبنان تأثرا اقتصاديا بتداعيات حرب غزة، وباضطراب الأوضاع الأمنية التي أعاقت حركة التجارة والتنقل مع سورية والعراق. كما شكّل استقبالهما لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري ضغطا كبيرا على البنية التحتية والموارد البيئية المحدودة أصلا، إلى جانب منافستهم للشباب المحلي على فرص العمل والخدمات الصحية والتعليمية.
وقد أسهم ذلك في إبطاء مسار التنمية، وإحداث تغيّرات ملموسة في البنية الديموغرافية والثقافية في البلدين، مع بدء عودة أعداد من اللاجئين إلى سورية عقب سقوط نظام بشار الأسد مؤخرا.
كما شهدت العديد من البلدان العربية تشكيل لجان ومجالس إعلامية وسياسية تضم سياسيين وبرلمانيين وإعلاميين وهيئات دينية وتربويين وأكاديميين، بهدف تطوير المناهج المدرسية والجامعية لمواكبة التحديات الأمنية والفكرية والاقتصادية الراهنة.
وقد جرى اعتماد سياسات التربية على المواطنة من خلال إدراج مواد متخصصة في التربية والثقافة الوطنية ضمن المناهج الدراسية. كما أُولي اهتمام متزايد بالتعليم المهني والتقني لربط الشباب بسوق العمل والحد من البطالة، مع توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي للانخراط في الثورة الصناعية الرابعة، عبر إنشاء جامعات تقنية وتعزيز هذا المسار في المدارس والجامعات العربية.
ويشير خمش إلى أن الكتاب يتناول بتحليل ومناقشة مفهومي المواطنة والهوية الوطنية في عدد من البلدان العربية، ضمن إطار عربي مقارن يراعي خصوصيات كل دولة، مع التركيز على الأردن والإمارات وتونس ومصر والجزائر.
ويستعرض الكتاب نماذج معاصرة للمواطنة تشمل القطرية والقومية والعالمية والمتعددة الثقافات، مع التأكيد على أن المواطنة والهوية الوطنية القطرية تشكلان الركيزة الأساسية لتمكين الدولة العربية من حشد مواطنيها لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
كما يبرز الكتاب أهمية توفير الترتيبات المؤسسية التي تكفل حقوق المواطنين وحرياتهم وفق الدساتير والقوانين، بما يضمن المساواة في الحقوق والواجبات، ويعزز مشاركتهم السياسية، ويضمن استدامة هذه الترتيبات الحيوية.
ويأتي الكتاب في ستة فصول، يعرض الفصل الأول منها مفهوم المواطنة ويقارنه بالجنسية والتجنيس، موضحا أن المواطنة تتجاوز العلاقة القانونية لتشمل الانتماء إلى الوطن، والولاء للقيادة، والمشاركة الفاعلة اجتماعيا وسياسيا، بما يضمن استقرار المؤسسات وبناء المجتمع والدولة، وتطويرهما لمواجهة التحديات.
يتناول الفصل الثاني نشوء وتطور المواطنة الحديثة والهوية العربية المعاصرة منذ عصر النهضة العربية في أوائل القرن التاسع عشر، مسلطا الضوء على دور رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وعبد الرحمن الكواكبي في نشر مفهوم المواطنة وتعزيز الانتماء والولاء للوطن. كما يبرز مساهمة ساطع الحصري في ترسيخ المواطنة، مع التركيز على الوطنية كحب للوطن والقومية كحب للأمة.
يعرض الفصل الثالث مقوّمات المواطنة الأساسية، وهي الحريات والحقوق الفردية، الخدمات العامة، الواجبات، المساواة، والمشاركة الاجتماعية والسياسية.
ويؤكد الفصل على العلاقة المتبادلة بين الفرد والدولة، حيث يلتزم المواطن بأداء واجباته قانونيا وأخلاقيا، بينما تلتزم الدولة بحماية حقوقه وضمان حرياته ضمن إطار القانون والدستور.
يتناول الفصل الرابع العولمة والمواطنة العالمية، موضحا تأثيراتها على الهوية الوطنية والمواطنة. ويشير إلى أن المواطنة العالمية لا ترتبط بعضوية سياسية في دولة معينة، بل تعكس ارتباط الفرد بالقضايا العالمية مثل الصراعات السياسية، التغير المناخي، حماية البيئة، أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، مكافحة الإرهاب، والشركات متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى الانتماء للمجتمعات الافتراضية، ما يؤدي إلى هويات سيبرانية عابرة للحدود.
يركز الفصل الخامس على التربية للمواطنة ودور المناهج المدرسية والجامعية في إعداد مواطن صالح وفاعل. وتعد التربية للمواطنة من الوظائف الأساسية لنظام التعليم، بجانب التعليم الأكاديمي والمهني والثقافي، من خلال مواد مثل التربية الاجتماعية والوطنية والمدنية، التي تهدف إلى وعي النشء بحقوقهم وحرياتهم، وفهم واجباتهم والتزاماتهم، وتعزيز مشاركتهم المجتمعية والسياسية.
يستعرض الفصل السادس التحديات التي تواجه المواطنة والهوية الوطنية الجامعة في البلدان العربية، مثل سلوكيات المجتمع التقليدية (الثأر، الواسطة، إطلاق العيارات النارية)، ضعف المشاركة السياسية والمدنية، تراجع دور المرأة، البطالة والفقر، الكثافة السكانية، تباطؤ التنمية، واستنزاف الموارد البيئية. وتشير التحليلات إلى أن هذه العوامل تقلل من فاعلية المواطنة وتضعف ترسخ الهوية الوطنية.
ويقول خمش إن هذا الكتاب كان قد حصل على جائزة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين للإبداع في حقل الآداب والفنون (الدورة التاسعة 2017-2018). وتكتسب الجائزة أهميتها من حملها اسم جلالة الملك عبد الله الثاني، راعي العلم والثقافة والإبداع وحامي المواطنة الفاعلة والهوية الوطنية الجامعة. كما تمثل الجائزة منصة ثقافية وعلمية شاملة على المستويين الأردني والعربي، تعمل على تحفيز التميز وتوطين الإبداع محليا وعربيا تحت الرعاية الملكية السامية.