عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Dec-2025

عندما تنفجر فقاعة الذكاء الاصطناعي قد يستعيد البشر السيطرة

 الغد

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة
رافاييل بير – (الغارديان) 23/12/2025
الاقتصاد الأميركي منتفخ بنرجسية وغرور أقطاب التكنولوجيا. ولا بدّ أن يقود التصحيح الحتمي إلى نقاش عالمي حول الآلات الذكية والتنظيم والمخاطر. وفي غياب حوكمة عالمية، سنعتمد على نزاهة أباطرة السلب والنهب وعلى بيروقراطيين سلطويين لوضع ضوابط أخلاقية حول أنظمة يجري دمجها فعليًا في الأدوات التي نستخدمها للعمل واللعب والتعليم
 
 
إذا لم يكن الذكاء الاصطناعي قد غيّر حياتك في العام 2025، فإنه سيفعل في العام المقبل. هذا أحد التوقعات القليلة التي يمكن طرحها بثقة في زمان غير قابل للتنبؤ بمجرياته. وليست هذه دعوة إلى تصديق الضجيج حول ما تستطيع هذه التكنولوجيا فعله اليوم، أو ما قد تحققه ذات يوم. الضجيج ليس في حاجة إلى تصديقك؛ وهو منتفخ بما يكفي من تمويل وادي السيليكون ليشوّه الاقتصاد العالمي ويشعل التنافسات الجيوسياسية، ويشكّل عالمك بغضّ النظر عمّا إذا كانت أكثر الادعاءات خيالًا حول قدرات الذكاء الاصطناعي ستتحقق في أي يوم من الأساس.
تم إطلاق "تشات جي بي تي" قبل ما يزيد قليلًا على ثلاث سنوات، وأصبح أسرع تطبيق استهلاكي نموًا في التاريخ. واليوم، يبلغ عدد مستخدميه نحو 800 مليون مستخدم أسبوعيا. وتُقدَّر قيمة شركته الأم، "أوبن إيه. آي"، بنحو 500 مليار دولار. وقد تفاوض سام ألتمان، الرئيس التنفيذي للشركة، على شبكة معقّدة -يراها البعض غامضة بطريقة تثير الريبة- من الصفقات مع لاعبين آخرين في القطاع لبناء البنية التحتية اللازمة لمستقبل أميركا القائم على الذكاء الاصطناعي. وتُقدَّر قيمة هذه الالتزامات بنحو 1.5 تريليون دولار. وليست هذه نقودًا حقيقيًة، ولكن ضع في ذهنك أن شخصًا ينفق دولارًا واحدًا في كل ثانية سيحتاج إلى 31.700 سنة لينفق رصيدًا نقديًا قدره تريليون دولار.
وتقوم شركة "ألفابت" (الشركة الأم لـ"غوغل")، و"أمازون"، و"آبل"، و"ميتا" (فيسبوك سابقًا)، و"مايكروسوفت"، التي تمتلك حصة بقيمة 135 مليار دولار في "أوبن إيه آي"، بضخ مئات المليارات من الدولارات في الرهان نفسه. ولولا هذه الاستثمارات كلّها لكان الاقتصاد الأميركي في حالة ركود شبه تام.
يطلق محللون اقتصاديون ومؤرخون لدورات الاندفاع الصناعي السابقة، من السكك الحديدية في القرن التاسع عشر إلى فقاعة شركات الإنترنت (الدوت كوم) وانفجارها عند مطلع الألفية، على الذكاء الاصطناعي وصف "الفقاعة".
ويقول ألتمان: "هناك أجزاء كثيرة من الذكاء الاصطناعي أعتقد أنها فقاعية نوعًا ما في الوقت الراهن". ولكن، ليس الجزء الخاص به، بطبيعة الحال. ووصف جيف بيزوس، مؤسس "أمازون"، الذكاء الاصطناعي بأنه فقاعة أيضًا، لكنها من "النوع الجيد" الذي يسرّع التقدم الاقتصادي. والفقاعة الجيدة، وفق هذا التحليل، تموّل البنية التحتية وتوسّع حدود المعرفة البشرية. وتبقى هذه الفوائد بعد انفجار الفقاعة، وتُبرِّر تدمير الناس (الناس الصغار، وليس ناس بيزوس) الذين يتضررون على الطريق.
تشكل حماسة مجتمع التكنولوجيا لهذه التقنية مزيجًا قويًا مسكرًا من الدجل عتيق الطراز، وجنون العظمة الطاغي للطبقة الثرية، والإيديولوجيا الطوباوية. وفي جوهرها تكمن رسالة تسويقية: النماذج الحالية للذكاء الاصطناعي تتفوق بالفعل على البشر في العديد من المهام. ومن المفترض أن تحقق هذه الآلات في القريب ما يُعرف بـ"الذكاء العام" –أي المرونة المعرفية المشابهة لقدراتنا البشرية– مما يقود إلى التحرر من الحاجة إلى أي تدخل بشري. وسيكون الذكاء الاصطناعي العام قادرًا على تعليم نفسه وتصميم نسله القادم، متقدمًا بمعدلات مذهلة من القدرات نحو أبعاد أعلى من الذكاء الفائق.
ولن تجد الشركة التي تعبر تلك العتبة صعوبة في سداد ديونها. والرجال الذين يحققون هذه الرؤية -والمبشّرون المهيمنون جميعهم رجال- سيكونون بالنسبة للذكاء الاصطناعي كلّي العِلم ما كانه الأنبياء القدماء لآلهتهم. وهذه وظيفة رائعة لهم. أما ما سيؤول إليه حال بقيتنا في هذا النظام "ما بعد السابيينز"، فيظل أقل وضوحًا.
ليست الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة التي لها مصلحة في الذكاء الاصطناعي، ولذلك، ثمة لاندفاعة وادي السيليكون نحو منتهى درجات الروعة تبعات جيوسياسية. وقد اتخذت الصين نهجًا مختلفًا، تمليه جزئيًا تقاليد الحزب الشيوعي في التخطيط الصناعي المركزي، وكذلك حقيقة بسيطة هي أن الصين تحتل المرتبة الثانية في سباق الابتكار. وتدفع بكين نحو تطبيق أسرع وأوسع لذكاء اصطناعي ذي مواصفات أقل -لكنه يظل قويًا- على كل مستويات الاقتصاد والمجتمع. وتراهن الصين على دفعة عامة من ذكاء اصطناعي اعتيادي. وفي المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق قفزة استثنائية في الذكاء الاصطناعي العام.
وبما أن الجائزة في هذا السباق هي الهيمنة العالمية، فثمة حوافز قليلة لدى أي من الطرفين للقلق بشأن المخاطر، أو للانضمام إلى بروتوكولات دولية تقيّد استخدامات الذكاء الاصطناعي وتُلزم بالشفافية في تطويره. وليست الولايات المتحدة ولا الصين مهتمتين بإخضاع صناعة ذات أهمية استراتيجية حيوية لمعايير تجري كتابتها بالاشتراك مع أجانب.
وهكذا، في غياب حوكمة عالمية، سنعتمد على نزاهة أباطرة السلب والنهب وعلى بيروقراطيين سلطويين لوضع ضوابط أخلاقية حول أنظمة يجري دمجها فعليًا في الأدوات التي نستخدمها للعمل واللعب والتعليم.
في وقت سابق من هذا العام، أعلن إيلون ماسك أن شركته تطوّر "بيبي غروك"، وهو روبوت محادثة يعمل بالذكاء الاصطناعي موجّه إلى الأطفال ابتداءً من سن الثالثة. وقد عبَّرت النسخة المخصّصة للبالغين من التطبيق عن آراء تنتمي إلى التفوقية البيضاء، وعرّفت نفسها بفخر على أنها "ميكا-هتلر" MechaHitler. ولهذه الفجاجة على الأقل فضيلة الصراحة؛ لتكون بذلك أسهل على الرصد من الترميزات الأكثر خفاءً للتحيز في روبوتات لم تُمنح ذلك النوع من التوجيه الأيديولوجي الصارم الذي يمنحه ماسك لخوارزمياته.
ليست جميع أنظمة الذكاء الاصطناعي نماذج لغوية كبيرة مثل "غروك"، لكن جميع هذه النماذج عرضة للهلوسات والأوهام الناتجة عن المواد التي تم تدريبها عليها. إنها لا "تفهم" السؤال ولا "تفكر" فيه كما يفعل العقل الواعي. إنها تأخذ المدخل، وتختبر احتمال تكرار مصطلحاته الأساسية معًا في بيانات التدريب، ثم تُركّب إجابة تبدو معقولة. وغالبًا ما تكون النتيجة دقيقة، وعادة ما تكون مقنعة، لكنها قد تكون أيضًا بلا قيمة. ومع ازدياد حجم المحتوى الذي يجري إنتاجه عبر الذكاء الاصطناعي على الإنترنت، تتغير نسبة الخردة إلى الجودة في "غذاء" هذه النماذج تبعًا لذلك. فإذا تمت تغذيتها بالخردة، لا يمكن الوثوق بها لتقديم معلومات نافعة ومغذية.
ثمة بالسير في هذا المسار وجهة قاتمة تظهر أمامنا: واقع زائف مصنَّع تديره الأنسال الآلية المتملقة لأولئك الأوليغارشيين النرجسيين في وادي السيليكون. لكن هذا ليس المسار الوحيد المتاح، ولا هو بالضرورة الأكثر احتمالًا. إن الحماسة غير العقلانية لمروّجي الذكاء الاصطناعي، وربطهم المبتذل بإدارة ترامب، هي قصة مألوفة عن جشع البشر وقصر نظرهم، وليست مرحلة جديدة في التطور. والمنتج رائع حقًا، لكنه معيب بطرق تكشف عن الطبيعة المشوهة لمبدعيه، الذين تكمن مواهبهم في البيع والهندسة المالية. وقد بنوا محركات مذهلة تعطي أولوية للأداء الباهر للذكاء على حساب الذكاء الحقيقي نفسه.
لا تكمن الفقاعة الحقيقية في تقييمات الأسهم، بل في الأنا المنتفخة لصناعة تعتقد أنها على بعد مجرد مركز بيانات إضافي من الوصول إلى الألوهية الحاسوبية. وعندما يأتي التصحيح، وعندما تصطدم اقتصاديات الولايات المتحدة بالبحر البارد على غرار إيكاروس، سوف تتوفر فرصة لسماع أصوات أخرى حول موضوع المخاطر والتنظيم. وقد لا يحدث ذلك في العام 2026، لكن اللحظة تقترب حين يصبح وضوح الاختيار المطروح وضرورة مواجهته أمراً لا مفر منه. هل سنبني عالماً يتم فيه توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسانية، أم أنه سيكون العكس؟ لن نحتاج إلى "تشات جي. بي. تي" ليخبرنا بالإجابة.
 
*رافاييل بير Rafael Behr: كاتب وصحفي بريطاني، يكتب عمودًا سياسيًا في صحيفة "الغارديان". يُعد من أبرز المعلقين على الشأنين البريطاني والدولي. عمل سابقًا محررًا سياسيًا في مجلة "نيو ستيتسمان"، كما كتب لعدد من الصحف والمجلات البريطانية الكبرى. يشتهر بأسلوبه التحليلي النقدي الذي يربط السياسة بالسياقات الفكرية والثقافية الأوسع. صدر له كتاب بعنوان "السياسة: دليل للمبتدئين" Politics: A Beginner’s Guide، الذي يقدّم فيه قراءة مبسطة وعميقة لطبيعة السلطة والممارسة السياسية في العالم المعاصر.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: When the AI bubble bursts, humans will finally have their chance to take back control