عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Oct-2025

تعارض المصالح يقع في صميم اتفاق غزة الذي توسط فيه كوشنر

 الغد- ترجمة: علاء الدين أبو زينة

أندرو روث* - (الغارديان) 19/10/2025
يقول المراقبون إن بصمة كوشنر على سياسة الشرق الأوسط كانت واضحة منذ بداية ولاية ترامب الثانية. وكان أحد أبرز مقترحاته -مشروع إعادة تطوير غزة لتصبح منطقة جذب ساحلية ضخمة- اقتراحًا طرحه كوشنر أول الأمر في فعالية بجامعة هارفارد في العام 2024. وقد اتُّهم ترامب في ذلك بالترويج لسياسة تطهير عرقي بعد أن صرّح بأنّ الفلسطينيين يمكن ترحيلهم قسرًا من غزة قبل بدء إعادة الإعمار -وهي فكرة كان كوشنر نفسه أوّل من طرحها.
 
 
بالنسبة لرجل لا يشغل أي منصب رسمي في البيت الأبيض، تصدّر جاريد كوشنر المشهد حرفيًا في الأسابيع الأخيرة بصفته مبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط.
بينما كانت الإدارة الأميركية تحتفل بـ"نصرها" المتمثل في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في الأسابيع الأخيرة، وقف كوشنر، صهر ترامب، في "ساحة الرهائن" في تل أبيب ليخاطب جمهورًا متحمسًا كان قد أطلق صيحات استهجان لجى ذكر اسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أن يهتف لاحقًا: "شكرًا ترامب"!
وقال كوشنر، الذي تخلى عن بدلة الأعمال الرسمية المعتادة وارتدى قميصًا أسود بسيطًا:
"كان يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) بالنسبة لي يومًا صادمًا ومفجعًا. ومنذ ذلك الحين، لم يتعافَ قلبي بعد". وأضاف أنه شعر بالالتزام "برؤية الرهائن الإسرائيليين وهم يعودون إلى منازلهم، وأن تنال عائلاتهم التئام الشمل الذي تستحقه، وأن ينتهي هذا الكابوس. وأيضًا رؤية المعاناة تنتهي بالنسبة لأهالي غزة الذين كان معظمهم يعيشون المعاناة من دون ذنب سوى أنهم وُلدوا في وضع مروّع".
كانت هذه مشاعر دبلوماسية قوية تصدر عن رجلٍ كان رئيسُه قد هدّد بـ"إطلاق الجحيم" في غزة. لكن هذا الوريث الهادئ لإمبراطورية والده العقارية أصبح بهدوء قناةً أساسية لتواصل ترامب مع الشرق الأوسط، مستفيدًا من شبكة علاقاته الواسعة مع قادة المنطقة، ومهيئًا نفسه لتحقيق أرباح طائلة إذا ما قُيض لمشروع إعادة إعمار غزة أن يتحقق ويثمر.
كانت هذه عودةً لافتة إلى المشهد السياسي بعد أن كان كوشنر وزوجته إيفانكا ترامب قد تخلّيا فعليًا عن السياسة عقب أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني (يناير)، التي تلت خسارة ترامب في انتخابات العام 2020.
لكن كوشنر، الذي يدير مليارات الدولارات من الاستثمارات -من بينها أموال من صناديق الثروة السيادية في السعودية وقطر- من خلال شركته الاستثمارية "أفينيتي بارتنرز"، عاد الآن ليقف في مركز السلطة في واشنطن العاصمة.
يقول مات دُس، نائب الرئيس التنفيذي في "مركز السياسات الدولية" الذي وصف المتاجرة بالنفوذ وتبادله داخل الإدارة بأنها فسادٌ علنيّ: "بطبيعة الحال، ثمة تضارب هائل في المصالح هنا".
لكنه أضاف: "جزء من المفارقة الغريبة هنا هو أن منظمة ترامب متداخلة بعمق من حيث مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط إلى درجة أن هذا الفساد نفسه يمكن أن يكون عنصرًا في إدامة وقف إطلاق النار. والسبب هو أن الجميع هناك يستعدون لجني الكثير جدًا من المال. ثمة مصلحة وحافز حقيقيين لوقف الحرب بطريقة ما".
في المقابل، نفت الإدارة الأميركية وجود أي تضارب في المصالح بين عمل كوشنر الدبلوماسي واستمراره في إدارة صندوق استثمار يدير مليارات الدولارات من الصناديق السيادية للسعودية والإمارات وقطر. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، ردًا على سؤال أحد الصحفيين خلال إيجاز صحفي مطلع الشهر:
"أعتقد أنّه من المشين صراحةً أن تحاولوا الإيحاء بأنّه من غير اللائق أن يقوم جاريد كوشنر -وهو شخصية تحظى باحترام واسع حول العالم ويتمتع بثقة وعلاقات قوية مع شركائنا الأساسيين في تلك الدول- بوضع خطة شاملة من عشرين بندًا، دقيقة التفاصيل، والتي لا يمكن لأي إدارة أخرى أن تأتي بمثلها أبدًا".
وأضافت ليفيت: "إن جاريد يُكرّس طاقته ووقته لخدمة حكومتنا وخدمة رئيس الولايات المتحدة من أجل تحقيق السلام العالمي، وهذا شيء نبيل للغاية".
لم يكن كوشنر، الذي ولد في ولاية نيوجيرسي لعائلة يهودية أرثوذكسية، يملك أي خبرة دبلوماسية قبل أن يرشّحه والده، رجل العقارات في نيويورك تشارلز كوشنر، للانضمام إلى إدارة ترامب الأولى. وقد تعرّض للسخرية بعد مقابلة مبكرة في فترة ولاية ترامب الأولى حين قال:
"كنتُ أدرس هذا الملف منذ ثلاث سنوات الآن. قرأت 25 كتابًا عنه. تحدثت إلى كل زعيم في المنطقة، وتحدثتُ إلى كل شخص كان قد انخرط في هذا الشأن".
واليوم، يعيد نائب الرئيس جيه. دي. فانس وآخرون من داعمي الإدارة نشر تلك التصريحات كنوع من التبرير وإعلان الانتصار.
عندما عاد ترامب إلى البيت الأبيض أول الأمر في كانون الثاني (يناير) من هذا العام، بقي كوشنر وإيفانكا في قصرهما الضخم والفاخر الذي تبلغ قيمته 24 مليون دولار في ميامي، ولم يتوليا أي دور رسمي في عملية الانتقال، محافظين على مسافةٍ أكبر من الإدارة مقارنة بفترة ترامب الأولى.
بالنسبة للكثيرين، ظل الدور المركزي لجاريد كوشنر في المفاوضات غير معروف إلى أن شارك هو وتوني بلير في اجتماع عقد في البيت الأبيض في شهر آب (أغسطس) لمناقشة التخطيط لإدارة الحكم في فترة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار في غزة.
ثم قال ترامب بعد وقت قصير من إعلان الصفقة الأخيرة: "لقد أوكلت الأمر إلى جاريد لأنه شخص ذكي جدًا، وهو يعرف المنطقة، ويعرف الناس، ويعرف الكثير من الأطراف الفاعلة".
وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، أوضح كوشنر المسألة ببساطة، وقال إنّه هو وستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس إلى الشرق الأوسط، هما "رجلا صفقات"، وهما من قدامى الناشطين في مشهد العقارات في نيويورك ومن الذي يفهمون ما الذي يُحرّك الناس.
وقال كوشنر: "الكثير من الذين يعملون في هذا المجال هم من أساتذة التاريخ لأن لديهم الكثير من الخبرة، أو دبلوماسيون. لكن الأمر يختلف تمامًا عندما تكون من رجال الصفقات -إنّها رياضة مختلفة كليًا".
وفقًا لمسؤولين أميركيين، منح ترامب كوشنر وويتكوف سلطة شبه مطلقة لدفع الجانبين نحو القبول بوقف لإطلاق النار: بدءًا من اجتماع مغلق عُقد بين ترامب وزعماء عرب على هامش اجتماعات "الجمعية العامة للأمم المتحدة" لاختبار خطة من 20 بندًا تخص غزة، مرورًا بإقناع نتنياهو بتقديم رسالة اعتذار إلى رئيس الوزراء القطري بعد الغارة الإسرائيلية التي شُنت على الدوحة الشهر الماضي، وصولًا إلى اجتماع غير مسبوق بين مسؤولين من البيت الأبيض وممثلي عن حركة "حماس"، والذي أفضى إلى توفير أفضل فرصة لإنهاء الحرب في غزة منذ اندلاعها في تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
يقول دبلوماسي أميركي سابق عن كوشنر: "إحدى نقاط قوته هي أنّه لم يكن رسميًا"، لكنه امتلك في الوقت نفسه قناة اتصال مباشرة مع ترامب. "كان يستطيع العمل خلف الكواليس، ومن خلال مصالحه التجارية، لإقامة جسور بين جميع الأطراف وبناء ما يكفي من المصداقية لتمرير الاتفاق".
منذ ولاية ترامب الأولى، كما قال دبلوماسيون ومقربون، كان كوشنر يدفع برؤيةٍ تقوم على أنّ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني يشكّل عقبة كأداء تحول دون حدوث تقارب واسع بين إسرائيل والدول العربية، وخصوصًا دول الخليج مثل السعودية والإمارات، والذي يمكن أن يحول المنطقة ويغيّر وجهها اقتصاديًا.
وبعد الضربة العسكرية التي وجهها نتنياهو لقطر في وقت سابق من هذا الشهر، يُقال إنّ كوشنر وويتكوف استشعرا وجود فرصة سانحة، مع ازدياد قلق القادة العرب من أن تشكل تلك الضربة سابقة وتفتح الباب أمام مزيد من الهجمات المماثلة في المنطقة.
وفي تفاعل نشرت عنه أولًا صحيفة "وول ستريت جورنال" ثم أكّده مسؤولون أميركيون، أملى كوشنر وويتكوف نصّ الاعتذار الذي قدّمه نتنياهو عبر الهاتف إلى رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قبل وقت قصير من ظهوره المشترك مع ترامب في قمة عقدت في البيت الأبيض في أواخر أيلول (سبتمبر).
وقال مسؤول أميركي مطّلع على جهود ويتكوف وكوشنر للتوصل إلى وقف إطلاق النار: "كان هذا من نوع التصرف الذي يقوم به أشخاص ناضجون. وقد منحنا ذلك بعض النفوذ".
يقول المراقبون إنّ بصمة كوشنر على سياسة الشرق الأوسط كانت واضحة منذ بداية ولاية ترامب الثانية. وكان أحد أبرز مقترحاته -مشروع إعادة تطوير غزة لتصبح منطقة جذب ساحلية ضخمة- اقتراحًا طرحه كوشنر أول الأمر في فعالية بجامعة هارفارد في العام 2024. وقد اتُّهم ترامب في ذلك بالترويج لسياسة تطهير عرقي بعد أن صرّح بأنّ الفلسطينيين يمكن ترحيلهم قسرًا من غزة قبل بدء إعادة الإعمار -وهي فكرة كان كوشنر نفسه أوّل من طرحها.
يتذكر آرون ديفيد ميلر، وهو دبلوماسي ومفاوض سابق في شؤون الشرق الأوسط وزميل أول في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي"، لقاءه بكوشنر خلال ولاية ترامب الأولى، ويصف نهجه غير العاطفي في التعامل مع الدبلوماسية في المنطقة.
قال ميلر: "[كوشنر] قال لي: ’لا تحدثني عن التاريخ. أنا غير مهتم بالتاريخ. نحن نفعل الأمور هنا بطريقة مختلفة‘".
كانت عائلة كوشنر قد حافظت على روابط وثيقة مع نتنياهو لعقود، خاصةً من خلال والده، تشارلز كوشنر، الذي كان من كبار المتبرعين للقضايا المؤيدة لإسرائيل. وكانت العلاقة وثيقة إلى درجة أن نتنياهو أقام ذات مرة في منزل عائلة كوشنر في نيوجيرسي، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
وعلى الرغم من ذلك، قال كوشنر لميلر إنّ أحد مفاتيح دبلوماسية ترامب في ولايته الأولى كان أنّه سيجعل "من المستحيل على أيّ رئيس وزراء إسرائيلي أن يقول له لا".
وقال ميلر: "لم أكن أدرك في ذلك الحين أنّ هذا المبدأ الأساسي سيخلق في الواقع وضعًا لم يشبه أيّ شيء عاصرته مع أيّ رئيس أميركي آخر عملت معه".
في وصفه للمحادثات التي أفضت إلى صفقة غزة، قال أحد المسؤولين الأميركيين إنّ الدعم العلني الذي أبداه ترامب لإسرائيل هو ما جعل من الممكن لكوشنر وويتكوف العمل عن قرب مع القادة العرب، بل واللقاء مباشرةً مع "حماس"، من دون أن يؤدي ذلك إلى توتير العلاقة مع حكومة نتنياهو أو تغريبها.
وقال مسؤول أميركي آخر: "لقد وقف ترامب، وكذلك كوشنر وويتكوف، كتفًا إلى كتف مع إسرائيل بنسبة 100 في المائة. لدى إسرائيل الكثير من الثقة في الرئيس ترامب، وهي تعلم أنّه لن يطلب منها أيّ شيء يمكن أن يعرض أمنها للخطر".
 
*أندرو روث Andrew Roth: صحفي بريطاني يعمل مراسلًا لصحيفة "الغارديان" في موسكو، متخصص في تغطية شؤون روسيا وأوروبا الشرقية. قبل انضمامه إلى الغارديان، عمل مراسلًا لصحيفتي "الواشطن بوست" و"نيويورك تايمز" في روسيا وأوكرانيا، حيث ركّز على القضايا السياسية والأمنية والتحولات الاجتماعية في المنطقة. يتميّز بتحليلاته الدقيقة لتطورات السياسة الروسية، والعلاقات بين موسكو والغرب، فضلًا عن تغطيته للنزاعات الإقليمية وتأثيرها على النظام الدولي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The ‘enormous conflict of interest’ at centre of Jared Kushner’s Gaza ceasefire deal