البريق.. لا يروي كامل القصة * رنا حداد
الدستور -
في أحد تلك اللقاءات التلفزيونية التي تتلألأ فيها هوليوود بكل ما فيها من سحرٍ مصقول بعناية، جلست جوليا روبرتس أمام الكاميرات بثقتها الهادئة. كانت ترتدي عقدًا يسرق العين قبل القلب؛ قطعة تلمع وكأنها خرجت للتو من خزانة تعجّ بالثروة والترف. لم يستطع المذيع مقاومة السؤال. فالبريق في عالمنا لا يمرّ بصمت.
سألها عن ثمن العقد سؤالٌ بدا بديهيًا أمام تلك اللمعة المغرية. طلبت منه أن يخمّن، فأجاب بثقة: «مليون دولار؟»
ضحكت. ضحكة خفيفة لكنها كفيلة بتغيير المشهد كله، ثم قالت ببساطة:
«كلا مائتا دولار فقط.»
صمت المذيع مذهولًا، فيما تابعت جوليا حديثها ببرودة من يعرف تمامًا ما يريد قوله: القطعة ليست ألماسًا، بل مجرد كريستال زجاجي. لكنها بدت – للعين المتعجلة – ككنز لا يُقدّر بثمن.
كان تعليقها عابرًا، لكنه يضرب في عمق السؤال الإنساني الذي نتهرب منه دائمًا:
لماذا يربط الناس القيمة بما يلمع؟ ولماذا نسمح نحن بأن تُختصر قيمتنا في انطباعات الآخرين عنا؟ وكيف تتحول ظنون البشر إلى معايير نقيس بها أنفسنا دون أن نسأل: هل هي صحيحة أصلًا؟
الحياة تعلمنا، كلما تقدّمنا فيها خطوة، أن هناك دائمًا هوّة خفيّة بين السعر و القيمة. هوّة لا نتعلمها من الكتب ولا نشرحها في دروس الأخلاق، بل نكتشفها في احتكاكنا اليومي بالناس والأشياء والمواقف التي تعرّينا أمام أنفسنا.
نكتشفها عندما نقترب من الأشخاص بعيدًا عن ضجيج الواجهة، فنكتشف أن ما يبدو ثمينًا قد يكون هشًا، وأن ما يبدو عاديًا قد يخفي ذهبًا داخليًا لا يراه إلا من يقترب بصدق.
نكتشفها حين نفهم أن القيمة ليست صدى لما يقوله الآخرون، بل ما نعرفه نحن ونتأكد منه حين تتعرى الحقائق.
ولعل أوضح مثال على ذلك طفل صغير يُخيّر بين قيراط ألماس ومصّاصة حلوى. سيأخذ الحلوى بلا تردد، ليس لأنه لا يفهم قيمة الألماس، بل لأنه يعرف قيمة ما يمنحه فرحًا في تلك اللحظة. القيمة هنا ، بالنسبة له ليست لامعة لكنها حقيقية.
وبالحديث عن البريق، لنتأمل الذهب الذي نطارده بشغف وأسعار لا تهدأ. هو معدن لا يحتاجه الجسد، ولا يتأثر به إن ارتفع سعره أو انخفض. بينما الحديد، هذا المعدن المتواضع، داخل جسدك، والذي لا يلتفت إليه أحد، هو الذي يصنع دمك. نقصه قد يُسقطك. ومع ذلك يظلّ الذهب في أعين الناس أغلى.
ربما لأن البريق يلفت النظر، أما القيمة فتكشف نفسها لمن يبحث. وربما لأننا كبشر نميل إلى الواجهة قبل الجوهر، وإلى الحكم قبل المعرفة.
القيمة الحقيقية لا تلمع دائمًا، ولا تحتاج إلى إعلان. والسعر لا يروي القصة كاملة، وربما يكون مجرد خدعة بصرية إن أحسنا النظر.
في النهاية، ما يجعل الأشياء، و حتى الأشخاص، ثمينين حقًا ليس ما يعتقده الناس عنهم، بل ما يضيفونه إلى حياتنا حين نعرف أصل حكاية البريق.