جو 24 :
كتب د. محمد أبو بكر -
من قرية ماحص انتقل الوالد إلى منطقة المحطة في عمان ، أنشأ دكانا ، في الوقت الذي كانت في عمان تكبر رويدا رويدا ، غير أن المحطة كانت تعتبر الرئة التجارية للعاصمة، حيث شهدت إقامة العديد من المشاريع الاقتصادية ، أصحابها من أشخاص جاؤوا للبلاد من فلسطين والشام .
كان معروف البخيت الفتى، مجتهدا في دراسته، بل ومن المتفوقين، ورغم ذلك كان يساعد والده في عمل الدكان وخاصة الحسابات البسيطة ودفتر الديون لأهل الحارة، وكان عمه قد اشترى حافلة، فما كان من معروف إلا أن طلب من عمه أن يعمل عليها كنترول، حيث يجمع القروش البسيطة من الركاب ويأخذ نصيبه المتواضع.
طلب منه والده القيام بتوزيع السجائر على المحلات والدكاكين، ومازلت احتفظ بصورة له وهو على الدراجة (البسكليت) وهو يمارس هذا العمل، وكان مصرا على نشر هذه الصورة خلال مقابلة مطولة أجريتها معه قبل سنوات .
كان يعشق العمل العسكري، بعد أن أنهى الدراسة الجامعية الأولى، فانتسب للجيش العربي، وفي هذه المؤسسة كان دائما من المتفوقين، وكان في كثير من الأحيان يشعر بالغبن والظلم، فالدورات الخارجية تذهب لمن هم أقل منه كفاءة، كان كثيرا ما يعبر عن احتجاجه، دون جدوى، حتى جاء ذات يوم، حين قابل المرحوم الشريف زيد بن شاكر القائد العام للقوات المسلحة، حيث شرح له وضعه.
طلب منه الشريف أن يصبر قليلا ، ثم جاء الفرج ببعثة ماجستير للولايات المتحدة ، ثم أكمل الدكتوراه هناك ، ومن هنا بدأت مسيرة جديدة في حياة الدكتور معروف البخيت .
محطة هامة في حياته السياسية تمثلت في الطلب منه عام ٢٠٠٥ بأن يكون سفيرا للأردن لدى كيان الاحتلال، وفي هذا الشأن يقول ..كنت سفيرا في تركيا ، ثم جاء الأمر من عمان يوم جمعة بأن أغادر أنقرة وأعود للأردن، بحيث أسافر فورا لتل أبيب يوم الأحد، هي ساعات قليلة مكثفة قبل أن أكون ممثلا لبلادي في "اسرائيل".
يذكر البخيت تلك الفترة، وهو ينفث دخان سيجارة الروثمان، كم كان مدخنا شرها رحمه الله، غير أنه يشعر بالسعادة لتعرفه عن قرب على المجتمع الفلسطيني داخل مناطق ٤٨، ولكنه يلعن تلك الساعة التي التقى فيها وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، حيث كان دائم السؤال عن المعتقلين الأردنيين في سجون الاحتلال، فغضبت منه ليفني بشدة ، ولم يأبه لها ، فاستمر في عمله إلى حين عودته ، وانقلاب مسيرته بصورة كلية.
تولى رئاسة الوزراء في ظرف صعب ، بعد تفجيرات الفنادق في عمان ، وكانت الأولوية هي الحفاظ على الأمن والاستقرار ، ثم جاء التكليف الثاني بعد استقالة حكومة سمير الرفاعي بداية الحراك الشعبي ، حيث عمل البخيت على التواصل مع رموز الحراك والإلتقاء بهم مرات عديدة .
في التكليف الثاني عام ٢٠١١ ، اتصل به الملك عبدالله لتشكيل الحكومة ، لم يكن البخيت يرغب بذلك وخاطب الملك بالقول .. ياسيدي بلاش نزعل من بعض ، وقد تم تأكيد هذه العبارة طالبا مني ذكرها في حينه ، فهذا للتاريخ ولا يجوز إخفاء ذلك .
لمن يعرف البخيت عن قرب ، يدرك كم كان هذا الرجل بسيطا ، ودودا ، لم يغيره المنصب أبدا ، كان يمد يد العون لأكثر من مائة وثلاثين عائلة فقيرة شهريا ، ومن مخصصات مكتب رئيس الوزراء .
كان مصيبته كبيرة بوفاة نجله الوحيد سليمان ، ومنذ ذلك التاريخ ، لم يعد معروف ذلك الشخص الذي نعرفه ، بات شارد الذهن ، تشعر بأنه يحمل كل هموم الدنيا فوق أكتافه، إلى أن اختاره الله إلى جواره.