عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Apr-2021

تذليل عقبة أخرى قبل إجراء الانتخابات العراقية

 الغد-صفوان الأمين، وبلال وهاب* – (معهد واشنطن) 1/4/2021

 
أسفر التوصل إلى تسوية معقدة اتخذها مجلس النواب العراقي إلى إعادة تنشيط بعض الآليات المطلوبة للانتخابات المقترحة المقرر إجراؤها في تشرين الأول (أكتوبر)، ولحل محتمل للنزاع حول الطاقة في إقليم كردستان، على الرغم من أن المؤسسات القانونية المتعثرة في البلاد ما تزال تعرقل عملية الإصلاح.
 
* *
في 19 آذار (مارس)، عدّل مجلس النواب العراقي القانون رقم 30 للعام 2005 الذي أنشأ “المحكمة الاتحادية العليا”، وهي أعلى محكمة دستورية في البلاد. وعلى الرغم من أن القرار نابع من تسوية سياسية شائكة وفشل في حل المشاكل القانونية الأعمق في العراق، إلا أنه سيساعد في التغلب على عقبة خطيرة أمام إجراء انتخابات مبكرة في تشرين الأول (أكتوبر). وقد ظلت “المحكمة الاتحادية العليا” معطلة منذ العام 2019 بسبب أزمة دستورية ذاتية، لكن بإمكانها الآن الوفاء بالواجب المنوط بها من خلال التصديق على نتائج الانتخابات. وقد تكون قادرة أيضا على “نفض الغبار” عن قضية تتعلق بالحقوق الوطنية لإدارة النفط والغاز الطبيعي -وهو موضوع نزاع مرير بين بغداد و”حكومة إقليم كردستان”. ومع ذلك، إذا استمر العراق في تأجيل التعامل مع مشكلة الإصلاحات التي يفرضها الدستور، فقد يؤدي ذلك إلى تعقيدات سياسية وقانونية أسوأ.
ركيزة ثالثة معطلة
منذ اعتماد الدستور العراقي الحالي في العام 2005، خضع الفرع القضائي لعدد من التحوّلات العشوائية والتغييرات السريعة التي كان تأثيرها النهائي هو إضعاف سيادة القانون. ومن بين هذه النتائج السلبية عملية سياسية تشوبها انتهاكات دستورية بشكل دوري.
نصت المادة 92 (2) من الدستور على إنشاء محكمة اتحادية عليا وكلفت الهيئة التشريعية بتحقيق هذه الغاية. ومع ذلك، وعلى الرغم من حملها هذا الاسم، لم يتم إنشاء “المحكمة الاتحادية العليا” الحالية من قبل مجلس النواب كما هو مطلوب بموجب الدستور -بل قامت بإنشائها الحكومة المؤقتة التي أشرفت على المرحلة الانتقالية في العراق قبل المصادقة على الدستور. وكان يتعين استبدال هذه “المحكمة الاتحادية العليا” التي يفترض أن تكون مؤقتة بعد وقت قصير جداً من وضع الدستور، ولكن بعد خمسة عشر عاماً، ما يزال يتعيّن على مجلس النواب إصدار التشريعات اللازمة -وهو الفشلْ الذي ما يزال ماثلاً من بين الخطايا التأسيسية للعراق بعد الحرب.
بالإضافة إلى سجل حافل من الأحكام المشكوك فيها للغاية التي اتخذتها “المحكمة الاتحادية العليا”، توقفت المحكمة كلياً عن القيام بمهامها في العام 2019 بعد تقاعد أحد أعضائها. وكانت قد أقدمت سابقاً على إلغاء مواد في القانون رقم 30 تسمح بتعيين قضاة في “المحكمة الاتحادية العليا”، لذلك تعذّر تعيين أي بديل عن العضو المتقاعد. وفي غياب النصاب القانوني الضروري لإصدار الأحكام، تعطل عمل المحكمة فعليا منذ ذلك الحين.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، شرع مجلس النواب أخيراً في الجهود التي طال انتظارها لتمرير التشريع المنصوص عليه دستورياً وإنشاء “محكمة اتحادية عليا” جديدة. غير أن مشروع القانون واجه عقبتين كبيرتين. أولاً، في ظل السياسات المتصدعة اليوم، يكاد يكون من المستحيل الحصول على أغلبية الثلثين اللازمة لتمرير مثل هذا القانون بالنظر إلى طبيعته الدستورية. ثانياً، اندلعت خلافات محتدمة بشأن تفسير اللغة الدستورية المبهمة حول دور رجال الدين في “المحكمة الاتحادية العليا”. وبعد مشاحنات مطولة، لجأ مجلس النواب إلى خيار أسهل، ولكنه يطرح إشكالية قانونية، وهي: الاستمرار في إرجاء إنشاء “محكمة اتحادية عليا” جديدة تتوافق مع الدستور واللجوء بدلا من ذلك إلى تعديل القانون رقم 30 بطريقة تعيد تفعيل دور “المحكمة الاتحادية العليا” الحالية، لأن هذه الخطوة تتطلب أغلبية بسيطة فقط.
على وجه التحديد، ينص التعديل على عزل جميع القضاة الحاليين لـ”المحكمة الاتحادية العليا” وتعيين قضاة جدد. كما تم توسيع اختصاص المحكمة. ومن المفارقات، أن التعديل تم “نسخه ولصقه” بشكل انتقائي من الدستور -حيث تتكرر سلطات “المحكمة الاتحادية العليا” والاختصاصات المتوخاة منها والمتوافقة مع الدستور كلمة بعد أخرى، لكن البنود التي تحدد العملية والمتطلبات لإنشاء مثل هذه المحكمة يتم تجاهلها تماماً.
وهناك مشكلة أخرى هي أن عملية التعديل لترشيح القضاة تلفها الضبابية، كما أنها غير خاضعة للمساءلة. فهي تمكّن فقط بعض الهيئات القضائية من إعداد قائمة بقضاة مرشحين وإرسالها إلى الرئيس الأميركي من أجل التصديق عليها وأداء اليمين الدستورية، أو إلى مجلس النواب إذا رفض الرئيس استلامها. ويحاول التعديل أيضاً إدخال توازن عرقي في هيكلية “المحكمة الاتحادية العليا”، وترسيخ مكانة جديدة -بل غير واضحة- لأمين عام المحكمة.
بغض النظر عن كيفية تبلور هذه التغييرات، فقد فقدت “المحكمة الاتحادية العليا” أساساً الكثير من مصداقيتها على مر السنين من خلال إصدار أحكام غير ديمقراطية وذات دوافع سياسية بشأن قضايا مختلفة. وعلى سبيل المثال، عمدت إلى تقليص صلاحيات مجلس النواب، وأوقفت عمل لجان مستقلة لصالح السلطة التنفيذية. وأصدرت على عجل قراراً بشأن عدم دستورية استفتاء استقلال إقليم كردستان، لكنها التزمت الصمت عندما فوتت الحكومة العراقية الموعد النهائي لتنفيذ المادة 140 من الدستور في العام 2007، والتي تغطّي المناطق المتنازع عليها. وربما كان أكثر خطواتها ضرراً من حيث تأثيرها على السمعة هو تفسير المحكمة للمواد الدستورية بطرق فضلت الحزب الحاكم في ذلك الوقت -وهي صلاحية لم يمنحها إياها القانون رقم 30 على الإطلاق. وفي العام 2010، على سبيل المثال، فسَّرت معنى “الكتلة الفائزة” من المادة 76 (1) بطريقة فضّلت رئيس الوزراء نوري المالكي، على الرغم من تواجد أدلة واضحة على أنه كان يُقصد منها تفسير مختلف أثناء عملية صياغة الدستور.
الخلافات المتعلقة بالانتخابات والطاقة
ما إن يتولى قضاة “المحكمة الاتحادية العليا” الجدد مناصبهم، ستكون الانتخابات المقبلة والخلافات حول إدارة البترول بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية هي القضايا الأكثر إلحاحاً وأهمية التي ستتطلب اهتمامهم. وقد طالب الشعب بإجراء انتخابات مبكرة، والتزمت الحكومة بإجرائها خلال تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وإذا كان مجلس النواب الذي سيُنتخب في ذلك الحين صالحاً من الناحية القانونية، فعندئذ سيتعين على “المحكمة الاتحادية العليا” المصادقة على النتائج. وكبديل، قد تضع المحكمة العصي في دواليب الانتخابات من خلال الحكم بأن هناك أقساماً من قانون الانتخابات الجديد غير دستورية. أما القضايا السياسية الأخرى التي قد تنظر فيها “المحكمة الاتحادية العليا” على الفور فهي قانون الميزانية للعام 2021 وتصويت مجلس النواب المتنازع عليه قانونياً من كانون الثاني (يناير) 2020 حول طرد جميع القوات الأجنبية.
وفيما يتعلق بالنزاعات حول شؤون الطاقة، أقامت بغداد دعوى أمام “المحكمة الاتحادية العليا” ضد حكومة إقليم كردستان في العام 2012 بشأن صادرات النفط المستقلة في الإقليم. وتعثرت القضية لأسباب فنية وسياسية، لكن الحكومة قدمت في العام 2014 دعوى منفصلة ضد تركيا في “محكمة التحكيم الدولية التابعة لغرفة التجارة الدولية”، متهمةً إياها بالسماح بتصدير نفط حكومة إقليم كردستان عبر خط الأنابيب العراقي-التركي من دون الحصول على موافقة بغداد. وقد يكون مصير الدعوتين مرتبطاً ببعضهما البعض فقد تنخفض التوترات العراقية-التركية بشأن خط الأنابيب إذا أصدرت “المحكمة الاتحادية العليا” حكماً متعلقاً بالتصدير تلتزم به كل من حكومة إقليم كردستان وبغداد، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يتم ذلك. وتريد أنقرة أن تتخلى بغداد عن قضية التحكيم وتركز على إعادة النظام إلى السلطة القضائية في العراق فيما يتعلق بإدارة قطاع النفط. وقد حاولت الحكومة العراقية القيام بذلك في الماضي من خلال قانون “شركة النفط الوطنية العراقية”، إلّا أن “المحكمة الاتحادية العليا” اعتبرت ذلك غير دستوري.
توصيات في مجال السياسة العامة
على الرغم من أن العراق يمكن أن يفخر بعض الشيء بسياسته الدستورية والتنافسية، إلا أنه ما يزال يتعين ترسيخ ثقافة قانونية وسياسية في الدستور وسيادة القانون. وتشير المخاطر المحتملة في خطوة مجلس النواب بتعديل القانون رقم 30 إلى أن النظام السياسي ما يزال يواجه تحديات خطيرة تعترض مسؤوليته وشرعيته. وكما فعلت في الماضي، فإن “المحكمة الاتحادية العليا” المعاد تنشيطها قد تتجاوز دورها وتضع سوابق تؤثر على البلاد لسنوات قادمة. وتعمل الميليشيات والسياسيون الفاسدون على تقويض سيادة العراق من خلال التفاخر بسيادة القانون في العديد من القطاعات، ولا تُستثنى من ذلك السلطة القضائية. وعلى الولايات المتحدة أن تراقب هذا المجال.
عموماً، يجب أن يتمثل هدف واشنطن في الحرص على أن يحترم العراق وسلطته القضائية دستور البلاد. ومع اقتراب موعد الانتخابات الحاسمة، على إدارة بايدن (عبر مكتب وزارة العدل الأميركية في سفارة الولايات المتحدة في بغداد) العمل مع شركاء دوليين بشأن التعامل مع “المحكمة الاتحادية العليا”. ويشمل ذلك تقديم المساعدة التقنية والقانونية، وكذلك دعوة القضاة الجدد إلى واشنطن في المستقبل القريب (وإن كان ذلك بعد جائحة فيروس كورونا). وعلى المسؤولين الأميركيين الوقوف أيضاً على أهبة الاستعداد لإثارة القضايا المتعلقة بأي نتائج تسفر عن إجراء انتخابات مزيفة والحكومات التي تشكَّل في أعقابها. وإذا صادقت “المحكمة الاتحادية العليا” على إجراءات انتخابية أو نتائج غير خالية من التلاعب أو ليست ذات مصداقية، فإنها تخاطر بأن يُنظر إليها على أنها امتداد للطبقة السياسية ونظام المحسوبية الخاص بها. وفي المقابل، فإن تعزيز الثقة في النظام الانتخابي والمحكمة العليا يمكن أن يساعد في زيادة إقبال الناخبين على التصويت في الانتخابات القادمة في تشرين الأول (أكتوبر)
أخيراً، يُعد قيام محكمة اتحادية عليا شرعية وموقرة أمراً أساسياً لواشنطن لكي تدعو إلى حل الخلافات بين بغداد وحكومة إقليم كردستان بشأن الطاقة والمسائل الأخرى وفقاً لسيادة القانون، وليس حسب ما تمليه الوقائع السياسية على الأرض.
*صفوان الأمين: محام دولي يدرس في كلية الحقوق بجامعة ييل. وبلال وهاب: هو زميل “واغنر” في معهد واشنطن.