عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Jun-2022

قتل إيمان إرشيد ومخزون العنف في الأردن* نضال منصور

 الغد

ما يزال المجتمع الأردني مصدوما، ومشغولا في متابعة جريمة قتل الطالبة إيمان إرشيد في جامعة العلوم التطبيقية.
أعلن بيان الأمن العام تحديد هوية الجاني، وتعهد بملاحقته حتى القبض عليه لينال العقاب على جريمته البشعة، ونثق أن الأجهزة الأمنية لن تدخر جهدا في الوصول للجاني بأسرع وقت ممكن ليشعر الناس بالأمان، ويعم السلم المجتمعي.
لا أريد مناقشة تفاصيل الجريمة النكراء، ولكنها تؤشر إلى مخزون الغضب، والعنف داخل أسوار المجتمع، وتدلل مجددا على استسهال العنف ضد النساء.
أكثر ما أوجعني أنها جريمة قتل تحدث داخل الحرم الجامعي، ولا أتذكر جريمة شبيهة لها، كلنا كنا نرى، ونتابع مشاهد العنف داخل الجامعات، وكنا نرى «القناوي» تُستخدم، والأسلحة البيضاء، وأحيانا إطلاق نار للتهويش، ولكن اليوم جريمة قتل مكتملة الأركان ترتكب داخل الحرم الجامعي، بما يثير ذلك من أسئلة مقلقة عن البيئات الآمنة للطلبة والطالبات، وهو ما يستدعي تدخلات، وجراحات عاجلة لبث الطمأنينة بين الأهالي الذين يدرس أولادهم، وبناتهن في الجامعات الحكومية، والخاصة.
ما زاد من غصتي حديث والدها الإنساني والعاطفي عن علاقته بابنته، وتفاصيل مرتبطة بحياتها اليومية، وكيف يوصلها للجامعة، ويعيدها، وما بين الكلمات تشعر بفاجعة أن أهل الضحية المكلومين يحاولون تبيض سمعة ابنتهم مع أنها الضحية، وهذا كله نتاج ثقافة مجتمعية ذكورية تدين النساء غالبا.
أسئلة مخزية تقرأها على السوشال ميديا، وتسمعها هنا وهناك، كلها تغمز وتلمز من طرف المرأة، وتبدأ بأسئلة تافهة مشككة بسلوك المرأة، بدءا من لباسها، مرورا بأنها «أعطته عين»، أو «الله أعلم شو في بينهم»، وكل هذه الأسئلة المبطنة بالاتهام تريد لف حبل المشنقة حول رأس الضحايا النساء، ولا تُطرح أبدا عندما يتعلق الأمر بالذكور.
إذن العنف ضد النساء مستمر، مع الإقرار أن هناك تحسنا في البيئة القانونية لحمايتهن، والتدابير المتخذة لمواجهة العنف أصبحت أفضل، والقضاء بات يتشدد في أحكامه في الجرائم الواقعة على النساء، دون تقديم الأعذار المخففة، والمحلة.
المشكلة في بيئة مجتمعية تقدم الذكور على الإناث مهما كانوا، وفي تربية البنات على خدمة الذكور داخل العائلة، والتفاصيل التي نتعايش معها، ولا نتذمر منها، أو نرفضها، تصنع النماذج التي تُسلع المرأة، وتمارس العنف ضدها بدم بارد، وتقتلها لأنها لم تستجب لرغباته.
هل يمكن أن يُمحى من ذاكرة أجيال مسلسل «سي سيد» بامتهانه للمرأة؟؛ وحين يصطدم المجتمع بمسلسل مثل «فاتن أمل حربي» الذي يسلط الضوء على معاناة النساء في قضايا الطلاق، وحضانة الأطفال، والعنف ضدهن، ترى دهشة على الوجوه تصل حد الإنكار، ومحاولات مستميتة لبث الذرائع والأعذار، وآخر هم القوى السائدة تغيير الوضع القائم لتحقيق العدالة، والمساواة بين البشر (المرأة والرجل) بما يحفظ كرامتهم.
لست متفائلا كثيرا في التغيير، وتفاعل الناس، واستنكارهم للجريمة المروعة بحق إيمان لا ينعكس إلى أفعال تحمي النساء، ويوقف سيل ممارسات التمييز، ولا تشعر أن السلطة في بلادنا حاسمة لإنهاء حالة الإقصاء والتهميش المتعلقة بحقوق المرأة، وهي تناور، وتجامل المنظومة الاجتماعية، وتحافظ على علاقة مصالحية بينهما على حساب الحقوق الدستورية، وحقوق المواطنة.
مقتل إيمان إرشيد يجب أن يكون نقطة تحول في البحث بأسباب ما يحدث، علينا أن ننبش فيما هو مسكوت عنه، ولا نقبل ان تظل المرأة عورة حتى وهي تقتل، وتموت.
مطلوب أن نتوقف عند مسؤولية الأسرة، ودور الحكومة، والعبء المُلقى على التعليم، والمناهج التي تكرس الأمر الواقع، وأن ننطلق لمعاينة تأثير ثورة التكنولوجيا والاتصالات، وما فعلته منصات التواصل الاجتماعي، وفي هذا السياق الحديث يطول عن الصحافة الأخلاقية، وضرورات مراعاة حالة اهالي الضحايا، أما السوشال ميديا فصحيح أنها كرست حق المعرفة لعامة الناس، لكنها اسهمت بالوقت ذاته في خروقات، وانتهاكات حقوقية كثيرة، وليس الحق في الخصوصية وحده هو الذي أهدرته.
دم إيمان في رقبتنا جميعا إذا لم نتحرك للحد، ووقف مخزون العنف في مجتمعنا، وخاصة ضد النساء، فالسكوت مرعب كلما تخيلت صورة إيمان تتردى بالرصاص أمام أعين زميلاتها وزملائها في شوارع جامعتها.