عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Oct-2021

مع تقدم العمر.. هل تضيق دائرة الصداقات؟

 الغد-منى أبوحمور

 لا يبقى الإنسان على حاله، إنما يتغير كلما دخل محطة جديدة من العمر، تختلف اختياراته وطريقة تفكيره، ويصبح بحثه عن رفقاء يشبهونه ويرغب بأن يبقوا بجانبه في سنينه المقبلة، يحملون مشاعر حقيقية وراقية لا تتبدل مع الزمن.
لذلك، “تضيق” دائرة العلاقات والصداقات كلما زاد العمر، لأن الإنسان لا يصطحب في طريقه إلا من يراه “يستحق” أن يكون بجانبه، في الفرح والحزن، وبمواقف حقيقية اختبرها ليجد أنه بالفعل “الصديق” الذي تزيده السنين جمالا وصفاء ووفاء وإنسانية.
الأربعينية نيفين عطية لم تعد تحفل بأصدقاء كثر، رغم اعتيادها التواجد معهم والخروج برفقتهم لفترات طويلة، فكلما تقدمت بالسنين “ودعت” علاقات كثيرة، اكتشفت أنها لم تكن منذ البداية بحاجة لها أو مؤثرة فعلا في حياتها وتفاصيلها.
تقول “كلما مر العمر يقل عدد أصدقائي وأكتفي باثنين أو ثلاثة”، لافتة إلى أنها أصبحت تبحث في علاقاتها عن الراحة والسكينة والاكتفاء بمن تجد معهم راحة النفس.
“لم يعد في العمر ما يحتمل المجاملات ومزيدا من الضغط على نفسيتنا”، حسب نيفين، لافتة إلى أن الصديق وجد في الأساس ليكون مهربا من كل شيء وليس عبئا.
وتوافقها الرأي هلا التي دخلت عقدها الرابع برفقة ثلاث صديقات اكتفت بهن لتمضي معهن عمرها وتعيش تجاربها وتشاركهن خبراتها ويقفن بجانبها.
وتبين أن الراحة ليست بكثرة الأصدقاء، ففي كثير من الأحيان، صديق واحد يكفي والباقي لا يعدون إلا من دائرة المعارف.
الأمر ذاته يؤكده أحمد الحسيني الذي بلغ عمره الخمسين برفقة صديق واحد فقط اكتفى به بعد مرور كل هذه السنوات، إذ يرى أن هنالك صعوبة في تكوين علاقات جديدة مع مرور العمر، متابعا أن الخبرات الكثيرة والمواقف التي مرت بالإنسان خلال عمله وحياته الخاصة لها دور كبير في انتقاء العلاقات وغربلة تلك الصداقات الشكلية التي لم يعد لها قيمة مع الوقت سوى أسماء وأرقام على الهاتف.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، يشير بدوره إلى أن كل مرحلة عمرية لها معطياتها وأصدقاؤها وزملاؤها وسلوكاتها وعاداتها، مع متغيرات في كثير من الأشياء، مبينا أن الخبرة والتجربة تكتسبان مع مرور الوقت من العلاقات الاجتماعية والحياة الوظيفية والخاصة والعلاقات الاجتماعية التي يقيمها الشخص مع أصدقائه وأقاربه ومعارفه وحتى داخل أسرته، فتصبح جميعها جزءا من خبرته اليومية.
وينوه “كلما تقدم بك العمر أصبحت أكثر قدرة على فرز كل شيء”، كذلك السلوكات الإيجابية من السيئة والعلاقات الاجتماعية المهمة من غيرها، إذ يبقى الشخص على ما هو مفيد في حياته ويضيف لها شيئا، ويبتعد عمن يتسبب وجوده بأذى نفسي واجتماعي.
ويبين جريبيع أن الإنسان يصل إلى إدراك أن أي علاقة اجتماعية في حياته يجب أن تشكل قيمة مضافة، والعكس يعني أنه بغنى عنها، لافتا إلى أن الإنسان في بدايات العمر لا يفكر بهذه التفاصيل بقدر تفكيره أن لديه علاقات كثيرة ويهتم فقط بالترفيه عن نفسه، حينها “يكتشف” أن كثيرين منهم لا يتناسبون مع سلوكه وتفكيره وعاداته وتقاليده وسلوكاته.
ما يهم في حياة الإنسان وفي علاقاته مع الآخرين هو النوع وليس الكم، وكلما كبر في العمر أصبح قادرا على فرز أصدقائه بشكل جيد وتمييز العلاقات الاجتماعية التي تضيف لحياته.
ويلفت جريبيع إلى أنه ومع التقدم بالعمر، يرى الإنسان تصرفاته وسلوكاته بشكل مختلف، فعندما ينظر إلى الوراء وإلى ردود أفعاله على بعض السلوكات يستهجن ردة الفعل تلك التي ربما بالغ بها، وهذا أمر طبيعي، فالحياة عبارة عن تراكمات يتمكن كل شخص من فرزها وتنقيحها.
تبدأ حياة الإنسان صفحة بيضاء يلتقط خلالها ويتعلم السلوك والمبادئ والقيم والأخلاقيات الخاصة فيه، ويؤطر ذلك مستقبلا من خلال المفاهيم والاتجاهات والتطور الفكري والذاتي، وفق اختصاصي علم النفس موسى مطارنة.
كل مرحلة يمر بها الإنسان، بحسب مطارنة، يتعلم بها أكثر وينضج بها من خلال تجاربه واحتكاكه وتعامله مع الناس وعبر التدريب والعمل والسفر، وكلما زادت خبراته زاد نضجه ووعيه.
ووفق مطارنة، حينما يبدأ الإنسان العمر الناضج؛ أي بعد الثلاثين، يبدأ في التمييز بين خصوصياته واستقلاليته وذاته، وفي فهم المجتمع من حوله وبناء قواعده الأساسية، فيبدأ باختياراته الدقيقة. ويميل الإنسان بعد نضجه إلى الهدوء والبحث عن ذاته والإحساس بالأشياء. وكلما تقدم في العمر يدرك الأمور بشكل أفضل، يتأمل ويصبح ذواقا أكثر ويفهم أين مواطن سعادته، لذلك تبدأ اختياراته دقيقة وتصبح أكثر دقة وصعوبة.
كذلك، مع مرور العمر، يعيش الإنسان حالة من التنظيم مع نفسه وعلاقاته، وإدراك طبيعة العلاقات التي يرتبط بها وأيها الأقرب والأهم بالنسبة له، ويصبح قادرا على اتخاذ قرارات حاسمة، فتقل صداقاته، فلا يكون له مقرب إلا من اختبر معه محطات من حياته ليس فيها مصلحة ولا هدف.
وكلما تقدم الوقت يصبح الإنسان أكثر دقة في الاختيار وعلى معرفة وعلم ويقين لاحتياجاته النفسية والشخصية، لذلك نجد أنه كلما مر العمر أصبح أكثر إدراكا وخبرة وقدرة على اختيار علاقاته وغربلة أصدقائه.