عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Jun-2024

الحرة:"اعتدال وتسامح وأقل عداء لإسرائيل".. أبرز التغييرات في مناهج التعليم السعودية

 

 الحرة:
 
حسين طليس - 
 
تعد المناهج التربوية بين أهم عناصر الاستدلال حول توجه الدول ورؤيتها المستقبلية، لاسيما وأنها تعتبر حجر الأساس لتوعية وثقافة الأجيال الناشئة، فضلا عن كونها أول تماس لهم مع سياسات الحكومة ونظرتها الرسمية للشؤون والقضايا الداخلية والخارجية. 
 
وفيما تشهد السعودية تغييرات نوعية وجذرية في سياساتها، في إطار رؤية المملكة 2030 التي أطلقها وينفذها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ وصوله إلى الحكم مع تولي والده الملك سلمان العرش السعودي، تنعكس تلك التغييرات بصورة جلية ولافتة للانتباه على المناهج التربوية في المملكة.
 
في هذا الإطار، أجرى "معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" IMPACT-SE في لندن، دراسة استعرضت التغييرات التي طرأت على المناهج التربوية السعودية، من خلال مراجعة 371 كتابا مدرسيا تم نشرها بين عامي 2019 و2024، وسلطت الضوء على المحتوى الذي تمت إزالته أو تغييره أو بقي دون تغيير.
 
وركزت الدراسة في مراجعتها بشكل أكبر على المناهج المتعلقة بالعلوم الإنسانية، لاسيما اللغة العربية، والدراسات الإسلامية والاجتماعية، ومهارات الحياة والأسرة، والتفكير النقدي، والجغرافيا، والتاريخ، والأدب، وتناولت بشكل خاص المحتويات المتعلقة بالتسامح الديني، والمساواة بين الجنسين، والسرديات التاريخية.
 
 
وتراقب المنظمة المناهج التربوية في السعودية منذ ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي أثارت تساؤلات ومخاوف حينها حول دور المناهج التربوية في الشرق الأوسط في الترويج للتطرف والعنف، إذ واجهت السعودية ضغوطا دولية متزايدة لإصلاح نظامها التعليمي والتخلص من المحتويات التي تحرض على الكراهية والتطرف.
 
ويطبق المعهد، بحسب ما يعرف نفسه، "معايير السلام الدولية" المستمدة من إعلانات وقرارات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو"، ويهدف وفق ما يقول إلى "منع تطرف الأطفال والشباب"، من خلال فحص المناهج التعليمية من الصف الأول الابتدائي وحتى المرحلة الثانوية.
 
تقدم على طريق "الاعتدال والانفتاح والسلام"
ووفقاً للدراسة، أظهرت المناهج المدرسية في السعودية تحسينات إيجابية وتغييرات مهمة تهدف إلى تعزيز الاعتدال، والانفتاح، والسلام، والتسامح، والتنمية السلمية، وهو ما مثل تجاوزاً للعديد من التحديات السابقة وابتعاداً عن المضامين التحريضية والكراهية التي كانت موجودة في بعض المناهج القديمة، في خطوة تعكس التزام المملكة بإصلاح مناهجها التعليمية وتوجيهها بما يناسب رؤيتها المستقبلية. 
 
ولفهم هذه التغييرات بشكل أفضل، من الضروري النظر إلى السياق التاريخي الممتد على عقود طويلة، كانت خلالها المناهج الدراسية في المملكة تتضمن توجهاً متشددًا يعكس الأوضاع السياسية والاجتماعية في المنطقة. 
 
ومع رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان، أصبحت الإصلاحات التعليمية جزءًا أساسيًا من خطة المملكة للتحول الوطني، التي تهدف إلى تحديث مختلف جوانب المجتمع السعودي بما في ذلك التعليم، حيث تستهدف الإصلاحات إزالة المحتويات المتطرفة وتعزيز رؤية عالمية أكثر شمولاً.
 
تسامح أكبر مع "غير المسلمين":
من بين أبرز التغييرات التي رصدها تقرير المعهد، كان لناحية النظرة والتعامل مع معتنقي الديانات الأخرى غير الإسلام السني الذي تتبناه السعودية. 
 
وطالت التغييرات الجوهرية في المناهج التربوية، تفسير بعض آيات القرآن الكريم، خصوصاً ما يتعلّق بالآيات التي تتحدّث عن اليهود والمسيحيين، وبينما تضمنت الكتب المدرسية السابقة اتهامات لليهود والمسيحيين "بالخيانة والعداء" للمسلمين، وتآمرهم ضد الإسلام، و"عقابهم الإلهي بالتحول إلى قردة وخنازير لعبادة الشيطان، ووصف الإيمان بألوهية يسوع بالهرطقة"، حذفت في المناهج الجديدة عدداً من التفسيرات التي كانت معتمدة سابقاً والتي كانت "تكفّر اليهود والنصارى"، وتحمل إشارات سلبية مباشرة تجاههم، واستبدلت بنصوص "أكثر احترامًا وتدعو إلى التعايش السلمي"، بحسب التقرير.
 
كذلك جرى تعديل بعض الكتب المدرسية القديمة، والتي كانت تتناول المعتقدات الشيعية والصوفية على أنها شرك، حيث تم تغيير بعض التفسيرات القرآنية لتشير إلى أن هذه المعتقدات "قد تؤدي إلى الشرك"، بدلاً من وصفها بأنها شرك مباشرة. ويهدف هذا التعديل، بحسب المعهد، إلى جعل المناهج "أكثر شمولية وأقل إثارة للجدل بين الطوائف الإسلامية المختلفة".
 
وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى تعديلات في طريقة تقديم الأحداث التاريخية، خاصة تلك التي تتضمن صراعات مع غير المسلمين، حيث بات المحتوى الجديد يبرز الاحترام المتبادل والفهم بدلاً من العداء، وتشمل الأمثلة تحسينات في وصف الحروب الصليبية والعلاقات الإسلامية-المسيحية.
 
تم تغيير مصطلح "الكفار والمنافقين" إلى "المنكرين" في النصوص التعليمية، مما يعكس تغييرا نحو استخدام لغة أقل هجومية.
 
التغييرات في المناهج الدراسية تضمنت أيضاً إزالة لأقسام تتحدث عن عقوبة الموت كعقوبة للسخرية من الإسلام، مثلاً في الطبعات السابقة، كان هناك تركيز على أن الذين سخروا من النبي محمد تعرضوا لعقوبات في الدنيا والآخرة. في نسخة 2022، تم حذف هذه الأقسام، وفي 2023 لم تعد هذه الأمثلة مذكورة، مما يشير، بحسب Impact، إلى توجه نحو تقليل المحتوى الذي قد يحرض على العنف أو العقوبات الجسدية، ويعكس تغييرات في كيفية تفسير الآيات المتعلقة بالقصاص والعقوبات.
 
ومع ذلك يلفت التقرير إلى أنه لا تزال هناك أمثلة تتعلق بعقاب المشركين والكفار في الجحيم.
 
كذلك امتدت التعديلات في المناهج على محتويات تتناول قضايا السحر، حيث على الرغم من اعتباره من "الكبائر"، فقد تم حذف بعض العبارات التي كانت تشير إلى وجوب تحذير الآخرين من السحرة والتعاون مع السلطات للإبلاغ عنهم، وهو ما يعكس وفق المعهد، جهودا لتقليل التحريض على العنف أو التشدد ضد ممارسات، قد تكون مرتبطة بتقاليد ثقافية أو دينية معينة.
 
ومن بين الأمثلة البارزة على هذا النوع من التعديلات، ما طرأ على درس عن الخليفة عمر بن الخطاب، حيث تم حذف أجزاء تتهم الزردشتيين الفرس بالتآمر لقتله بسبب نشره للإسلام في بلادهم. ويعكس هذا التعديل رغبة في تقليل الخطاب الذي قد يكون مسيئا أو محرضا ضد فئات دينية أو عرقية معينة.
 
أيضاً تم إدراج مقاطع تتحدث عن أهمية الحوار بين الأديان والتفاهم المتبادل. وتم تعديل المناهج لتشمل أمثلة عن التعايش السلمي بين مختلف الأديان والثقافات، وتشجيع الطلاب على تبني هذه القيم في حياتهم اليومية، كما تم تعديل دروس التاريخ لتقديم سرد أكثر شمولية عن تاريخ السعودية وتنوعها الثقافي والديني، حيث باتت النصوص تتضمن معلومات عن مساهمات مختلف الفئات في بناء المملكة، مما يعزز من فهم الطلاب لأهمية الوحدة والتنوع.
 
وأجرى التقرير تحليلاً لمواد الدراسات الاجتماعية، وشرح كيفية تعديل المحتوى ليشمل تاريخ وثقافات الأقليات في السعودية، مع التركيز على مساهماتهم في المجتمع السعودي وتاريخ المنطقة.
 
 
وبذلك تكون السعودية قد قللت، وفق التقرير، من محتوى الكراهية بعدما أزالت تقريباً جميع الأمثلة المعروفة سابقًا التي تحمل كراهية تجاه اليهود والمسيحيين، وخفضت من التصوير السلبي "للكفار والمشركين". 
 
الجهاد والشهادة:
بالتوازي مع ما سبق، رصد التقرير تغييرات واضحة في ما يتعلق بإبراز أهمية السلام والتسامح في الكتب المدرسية بشكل متزايد، وفضلا عن إزالة أو تغيير ما أسمته الدراسة "التفسيرات العنيفة المتعلقة بالجهاد، الموجودة منذ سنوات"، كان هناك أيضا انخفاض في المحتوى الذي يروج للجهاد والشهادة. 
 
وبحسب التقرير تمت إزالة جميع الأمثلة “الإشكالية” أو تغييرها، بما في ذلك إزالة تفسير الجهاد كعمل عنيف، حيث تم تعديل الدروس المتعلقة بالجهاد، لتكون أكثر توافقًا مع القيم الإنسانية العالمية، وتم إدراج نصوص تشدد على السلم والتعاون بدلاً من الصراع، مع التأكيد على التفسيرات غير العنيفة للجهاد، مثل جهاد "الذات" بدلا من ذلك.
 
وبحسب المعهد تم تعديل التعاليم الإسلامية في الكتب الدراسية للتركيز أكثر على التعايش السلمي وأقل على التفسيرات الجهادية، وتمت إعادة كتابة بعض الفصول لإزالة النظرة العدائية تجاه بعض الأقليات الدينية والإثنية، وإعادة صياغة النصوص لتشجيع الاحترام والتعايش بين الأديان المختلفة، مع التركيز على القيم الإنسانية المشتركة.
 
وفي سياق تعزيزها للتفكير النقدي بين الطلاب، يقول التقرير أنه بات يتم تعليم الطلاب السعوديين كيفية التعرف على الأفكار المتطرفة وتفاديها، "خاصة التي قد تروج لها جماعات مثل الإخوان المسلمين"، حيث باتت تتضمن النصوص انتقادات حادة لهذه الجماعات، مشيرة إلى محاولاتهم "لتقويض الوحدة الوطنية واستغلال الأطفال".
 
في المقابل، تم إدخال تعديلات لتعليم الطلاب عن حقوق الإنسان، الديمقراطية، والمواطنة العالمية، عبر مواد تركز على أهمية التعايش السلمي واحترام حقوق الآخرين، مما يعكس اتجاها نحو تعزيز قيم التسامح والتعددية.
 
ويعكس هذا التغيير تحولًا كبيرًا في السرد التعليمي في السعودية، وهي خطوة تعد مهمة للغاية في جهود المملكة لمكافحة التطرف، ونشر مفهوم الإسلام الوسطي المعتدل، بحسب التقرير.
 
المثلية وقضايا الجنس:
ولفت تقرير IMPACT-SE، إلى "تطورات ملحوظة" شهدتها المناهج السعودية الجديدة في تناولها لقضايا الجنس والجندر، حيث باتت الكتب الدراسية تصور النساء بشكل إيجابي وتضيء على دورهن الفعال في المجتمع من خلال استعراض قصص نساء بارزات في مختلف المجالات، وذلك بعكس الطبعات السابقة التي كانت تقتصر على عرض النساء في أدوار منزلية فقط.
 
ورصد التقرير إزالة العبارات التي كانت تشير إلى وجوب طاعة النساء لأزواجهن، ومنع النساء من أن يصبحن قضاة، والإيحاءات التي تحمل النساء جزءًا من اللوم في تعرضهن للتحرش، كما تمت إزالة الإشارات التي تعزز القوالب النمطية الجنسانية.
 
في المقابل، وجد المعهد أن الأدوار التقليدية للجنسين لا تزال مؤكدة في المنهاج التعليمي السعودي، رغم أن الاعتراف بمساهمات النساء في المجتمع أصبح أكثر وضوحًا في المناهج الجديدة. وفيما لا يزال ارتداء الملابس المفتوحة محظورا ما عاد ارتداؤها في بعض الكتب يعتبر “خطيئة كبيرة"، كما في السابق.
 
وتشير التعديلات بحسب التقرير إلى تقدم نحو تعزيز المساواة الجندرية وتحسين مكانة المرأة في المجتمع. تشمل هذه التعديلات تغيير النصوص التعليمية لتكون أكثر شمولية ودعماً لحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين.
 
وفي هذا السياق تم تعديل النصوص لتعكس حقوق المرأة بشكل أكثر وضوحاً. يشمل ذلك الإشارة إلى حقوق المرأة في التعليم والعمل والمشاركة السياسية. تم حذف أو تعديل العبارات التي كانت تشير إلى أن دور المرأة يقتصر على المنزل ورعاية الأسرة فقط.
 
كذلك أعيدت صياغة العديد من الدروس لتشجيع المساواة في الأدوار الجندرية. على سبيل المثال، النصوص الجديدة تشمل أمثلة عن الرجال والنساء الذين يتشاركون المسؤوليات في المنزل والعمل على قدم المساواة، وتم تحديث الصور والرسوم في الكتب المدرسية لتظهر الرجال والنساء يعملون معاً في مواقف مختلفة، مثل مكان العمل والمؤسسات التعليمية، مما يعزز من رؤية الطلاب لأهمية التعاون والمساواة بين الجنسين.
 
بالإضافة إلى ذلك، تمت إزالة الفقرات الرسومية التي تدين المثلية الجنسية من كتب الدراسات الإسلامية، وفقاً للتقرير، ما يعكس اتجاهًا أوسعا نحو إنشاء بيئة تعليمية أكثر شمولاً وتسامحًا في السعودية، بما يتماشى مع المعايير الدولية للسلام والتسامح، حيث يشير النهج التدريجي إلى التزام مستمر بتحسين المحتوى التعليمي، وفقاً للمعهد.
 
وكانت النصوص التعليمية القديمة، وفقاً للتقرير، تتضمن إشارات مباشرة وسلبية تجاه المثليين جنسياً، وغالباً ما كانت هذه الإشارات تتضمن لغة تحريضية أو تمييزية، وغالباً ما شملت التعديلات الجديدة غالباً حذف هذه الإشارات أو إعادة صياغتها لتكون أكثر احتراماً وتفهماً لحقوق الأفراد.
 
وفي سياق الدروس المتعلقة بحقوق الإنسان تروج المناهج الجديدة للتفاهم والتسامح تجاه جميع الأفراد بغض النظر عن توجهاتهم الجنسية، حتى أنه تم تعديل بعض النصوص الدينية القديمة في هذا السياق التي كانت تحمل إشارات سلبية صريحة تجاه المثليين جنسياً.
 
إسرائيل ومعاداة السامية
وفي وقت أخّرت أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب في غزة، مساعي تطبيع العلاقات وإبرام سلام بين إسرائيل والسعودية، وأعادت بعض التوترات في العلاقة بين الطرفين، يبدو أن السعودية لم تتأخر عن إدراج تعديلات على مناهجها التربوية تعكس التوجه المقبل لدى المملكة، وتمهد لعملية التطبيع بشكل ممنهج وواضح، من خلال إضفاء طابع موضوعي وغير منحاز بين الدول والثقافات المختلفة، خاصة في كتب العلوم الاجتماعية والجغرافيا. 
 
 
ويشير التقرير إلى إزالة أو تعديل العديد من المقاطع من الدروس التي كانت تحتوي على إشارات سلبية تجاه اليهود أو تروج لمفاهيم معادية للسامية، كذلك أزالت وعدلت النصوص التي كانت تتناول الصراع العربي-الإسرائيلي بلهجة عدائية. 
 
وبدلا من الكتب المدرسية القديمة، التي كانت تصور إسرائيل فقط كدولة محتلة، وتتناول الصراع العربي-الإسرائيلي من وجهة نظر أحادية الجانب، حملت النصوص الجديدة، محاولة لتقديم سياق تاريخي أكثر توازناً وتوضيحًا للصراع دون تحريض على الكراهية وبدون تحيز.
 
كما تم حذف بعض الرسوم البيانية أو الخرائط التي كانت تظهر إسرائيل بشكل غير دقيق أو تحريضي، وفقاً للتقرير، لتصبح أكثر واقعية وتمثيلاً للحقيقة الجغرافية والسياسية، كما أشارت الدراسة إلى "حذف كلمة فلسطين من خرائط الأراضي الإسرائيلية".
 
ولفتت إلى أنه يجرى الآن تدريس نسخة مختلفة من الكتاب المدرسي حيث لم يعد الطلاب يتعلمون المحتوى الذي يعرف الصهيونية بأنها "حركة عنصرية أوروبية" تسعى جاهدة لطرد الفلسطينيين، أو أن أحد الأهداف الأساسية للصهيونية هو توسيع حدود إسرائيل والاستيلاء على الأراضي العربية وآبار النفط والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
 
وعلى سبيل المثال حذفت السلطات السعودية، وفق التقرير، الرواية التي كانت تتهم إسرائيل بإضرام النار في المسجد الأقصى عام 1969، أو تلك التي تقول أن أسباب بدء إسرائيل حرب الأيام الستة، "رغبتها في السيطرة على الأماكن المقدسة للإسلام والمسيحية في القدس، وآبار النفط في شبه جزيرة سيناء".
 
وبيّن المعهد أن السعودية حذفت من المنهاج قصيدة تُعارض الاستيطان اليهودي في الاراضي الفلسطينية، وألغت تدريبًا كان يطلب من الطلبة "دحض المزاعم الصهيونية حول علاقتهم بفلسطين باستخدام وثائق تاريخية أو دينية، هذا الواجب كان موجوداً في نسخة 2021، تم حذفه في نسخة 2022- 2023".
 
وتشمل التحولات الرئيسية في المصطلحات المستخدمة في المناهج التربوية حذف أو استبدال عبارة "العدو" أو "العدو الصهيوني" بكلمة "الاحتلال الإسرائيلي"، واستخدام عبارة "الحرب الفلسطينية عام 1948" بدلًا من "النكبة الفلسطينية". 
 
ووفقاً للدراسة أيضاً، تم حذف الإشارات إلى "النتائج الإيجابية للانتفاضة الأولى"، مثل زيادة التعاطف الدولي مع الفلسطينيين وتقليل الاعتماد الفلسطيني على الاقتصاد الإسرائيلي، ورغم أن هذه المواضيع تم مناقشتها في المناهج بين عامي 2019 و2021 ولكنها اليوم غائبة في الطبعة الحالية.
 
كذلك لم يعد كتاب الجغرافيا يصف المنطقة بأنها "فلسطين" أو "إسرائيل"، وبحسب الدراسة فإن معظم الخرائط أزالت أسماء جميع الدول غير المتاخمة للسعودية، بما في ذلك فلسطين إسرائيل، وفي بعض الحالات تمت إزالة جميع أسماء الدول".
 
أُزيلت الإشارة أيضاً إلى وصف إسرائيل بـ"الكيان الصهيوني" في كتاب الدراسات الاجتماعية لعام 2021 للصفوف من العاشر وحتى الثاني عشر في طبعة عام 2022، وتم وقف تدريس الكتاب المدرسي بأكمله الذي تضمن درساً عن الدعم العربي والسعودي للقضية الفلسطينية في عام 2023.
 
وفي حين أُزيل فصل كامل متعلق بالقضية الفلسطينية من كتاب دراسي آخر لا يزال مدرجاً ضمن المناهج، تقول الدراسة أن القضية الفلسطينية لا تزال حاضرة في المناهج التعليمية السعودية، ولكن تمت مراجعة النصوص لتكون أكثر حيادية وداعية للحل السلمي، حيث يتم التركيز على أهمية السلام والتعايش بدلاً من تعزيز الكراهية أو الصراع، وتشمل النصوص الجديدة دروسًا حول حقوق الإنسان والقانون الدولي، مع تسليط الضوء على أهمية الحوار والتفاوض كوسائل لحل النزاعات.
 
وباتت كتب سعودية، بحسب المعهد، تشير إلى القدس الشرقية كـ "عاصمة محتلة لفلسطين"، وهو ما يحمل تمايزاً عن الكثير من الدول العربية والإسلامية، التي تعتبر كامل القدس عاصمة لفلسطين.
 
ووصلت التغييرات والتعديلات إلى الروايات التاريخية والدينية أيضاً، لاسيما المتعلقة باليهود، حيث وبحسب الدراسة "لم تعد المناهج تنفي الوجود اليهودي التاريخي في المنطقة الذي يعود إلى ثلاثة آلاف عام"، كما وأزالت "دور اليهود الأساسي في غزوة الأحزاب" من مواد تاريخية، واستُبدل دورهم من "تحريض كفار قريش على غزو المدينة" إلى كونهم "حلفاء تمّ تفريقهم". كما أنّ "حصن خيبر" لم يعد يوصف كـ "قاعدة خطيرة لليهود" في الرواية التاريخية، بل حذف الحديث وحذفت الغزوة، وتم مسح عبارة "طبيعة اليهود الغدر" التي كانت ترد من قبل.
 
وأظهر التقرير إزالة 21 حالة من المشاعر المعادية لإسرائيل في الكتب المدرسية القديمة في السعودية. وتقول الدراسة في هذا السياق، أن "التغييرات المهمة" التي تتضمنها النسخة الأخيرة من المناهج التعليمية في السعودية "تعكس تحولًا محتملًا في موقف البلاد تجاه إسرائيل."
 
ووفقا للرئيس التنفيذي لمعهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي ماركوس شيف، "تشكل المناهج السعودية للعام الدراسي 2023/24 خطوة أخرى نحو تحويل المنهج إلى إطار تعليمي يشجع على التسامح والسلام ومزيد من المساواة".
 
وأضاف في حديث لـ "يديعوت أحرونوت" أنه وبعد إزالة معاداة السامية بالفعل من الكتب المدرسية، "من المشجع بشكل خاص أن مصممي المناهج السعودية قاموا بإجراء مزيد من المراجعات التي تصور إسرائيل في ضوء أكثر إيجابية. وهذه التغييرات تبشر بالخير لمستقبل المنطقة ككل".
 
 
كذلك نقلت الصحيفة عن نائب مدير المعهد إريك أغاسي قوله إن "الكتب المدرسية لها تأثير حاسم كأساس لفهم وتشكيل المستقبل على المدى المتوسط والطويل".
 
وأضاف "يثبت السعوديون مرة أخرى أنه من الممكن التدريس عن إسرائيل واليهود والصراع أيضًا من وجهة نظر خالية من الكراهية والتحريض على العنف”. 
 
تطور التعليم الرقمي
ومن بين أبرز التطورات التي تابعها التقرير أيضاً تلك المتعلقة بالتحول إلى التعليم الرقمي، حيث أفردت الدراسة مساحة واسعة لهذا الملف كواحد من أبرز التغييرات المستجدة على المناهج التعليمية السعوودية.
 
وأشار التقرير إلى مبادرات لدمج التكنولوجيا في الفصول الدراسية وتقديم محتوى تعليمي عبر الإنترنت لتعزيز التعلم الذاتي والتفاعل الطلابي، واستعرض أمثلة على تطبيقات وبرامج تعليمية تم اعتمادها لتعزيز تجربة التعلم. تشمل هذه الأدوات منصات تعليمية رقمية توفر مواد تفاعلية وفيديوهات تعليمية تساعد الطلاب على فهم المفاهيم بشكل أفضل.
 
وشرح التقرير كيف أثرت جائحة كورونا على التعليم في السعودية، حيث ساهمت في تسريع تبني التعليم عن بعد وإدخال تقنيات جديدة في الفصول الدراسية لضمان استمرار العملية التعليمية، وسلطت الدراسة الضوء على جهود الحكومة السعودية في تمويل البنية التحتية للتعليم الرقمي، والتي تشمل المبادرات توفير أجهزة كمبيوتر للطلاب وتحسين الاتصال بالإنترنت في المدارس الريفية والمناطق النائية.
 
وأوضحت الدراسة كيف ساعدت الأدوات الرقمية في تقديم تجارب علمية افتراضية جذبت اهتمام الطلاب وعززت فهمهم للمفاهيم العلمية، وجعلتهم يظهرون اهتمامًا كبيرًا بالتعلم الرقمي، واستعرضت قصص نجاح من المدارس التي تبنت التعليم الرقمي بشكل فعال.
 
في المقابل، استعرض التقرير التحديات التي تواجه التعليم الرقمي، مثل التفاوت في الوصول إلى التكنولوجيا بين الطلاب من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة، مؤكداً على ضرورة تقديم دعم إضافي للطلاب المحتاجين لضمان العدالة التعليمية. كذلك بالنسبة للحاجة إلى تطوير مهارات المعلمين في استخدام هذه الأدوات بكفاءة.
 
وشملت التوصيات لتحسين التعليم الرقمي تطوير برامج تدريبية للمعلمين، وتوفير موارد تعليمية رقمية عالية الجودة، كما ركزت على أهمية الشراكات مع مؤسسات تعليمية دولية لتبادل المعرفة والخبرات، والتعاون الدولي في تطوير مناهج تعليمية متقدمة تلبي احتياجات العصر الحديث.
 
تغييرات في منهجية التعليم
وتقول الدراسة أن اعتماد السعودية على نظام الفصول الثلاثة منذ العام الماضي، أدى إلى تقليل عدد الكتب الدراسية وتقليل المحتوى، خاصة مواد الدراسات الإسلامية، في المقابل تم تقديم كتب دراسية جديدة لمختلف الصفوف والمواد، بما في ذلك كتاب "التفكير النقدي" وكتب دراسية جديدة لنظام "المسارات" في المدارس الثانوية.
 
وتضمنت الكتب الجديدة تمارين وأسئلة تشجع الطلاب على التفكير النقدي والنقاش حول مواضيع مثل التسامح، وحقوق الإنسان، والتعايش السلمي. كذلك يلفت التقرير إلى تغييرات لحقت بأساليب التقييم والاختبارات في المناهج الجديدة، حيث تركز اليوم على تقييم مهارات التفكير النقدي والإبداعي بدلاً من الحفظ والاستظهار التقليدي.
 
وتركت هذه التغييرات بحسب الدراسة تأثيرا على الطلاب والمعلمين، حيث بات يخضع المعلمون لتدريبات للتكيف مع المناهج الجديدة المصممة لتعزيز التفكير النقدي ورؤية أكثر انفتاحًا للعالم بين الطلاب. كما استعرض التقرير ردود الفعل الأولية من المعلمين والطلاب بشأن الكتب الدراسية الجديدة، والتي كانت إيجابية عمومًا، حيث يقدر الكثيرون النهج الأكثر توازنًا وشمولية في التعليم. ومع ذلك، تم ملاحظة بعض التحديات في التنفيذ، مثل الحاجة إلى تدريب مستمر للمعلمين وتوفير الموارد. 
 
وأشار التقرير إلى بعض التحديات التي تشمل التعامل مع "المقاومة الأولية" من بعض المعلمين الذين يجدون صعوبة في التكيف مع المنهج الجديد، ويشدد على الحاجة إلى دورات تدريبية إضافية وورش عمل لتعزيز فهم المناهج الجديدة.، كما يقترح إجراء دراسات مسحية دورية للطلاب والمعلمين لتحديد النقاط القوية والضعف في النظام التعليمي الجديد
 
وتناول التقرير التحديات المتعلقة بتنفيذ المناهج الجديدة، مثل نقص الموارد التعليمية والتقنية في بعض المدارس. حيث أكد على أهمية دعم الحكومة لهذه المبادرات من خلال توفير التمويل اللازم والتدريب المستمر للمعلمين. كما تطرق للاستراتيجيات المستقبلية لمواصلة تحسين المناهج الدراسية، والتي تشمل تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية للحصول على أفضل الممارسات، ومراجعة المناهج بانتظام لضمان توافقها مع المعايير العالمية.
 
وإذ يشدد التقرير على أهمية التقييم المستمر لفعالية المناهج الجديدة، يلفت إلى دور الأسرة والمجتمع السعودي في دعم المناهج الجديدة، ويضيء على أهمية تعزيز الوعي بين أولياء الأمور حول التغييرات في المناهج وكيف يمكنهم دعم أبنائهم في تبني هذه القيم الجديدة.
 
كذلك تطرق إلى دور الإعلام في دعم التغييرات في المناهج الدراسية، مذكراً بأهمية التعاون بين وزارة التعليم ووسائل الإعلام لنشر الوعي والترويج للمناهج الجديدة وقيمها.
 
التحديات المقبلة
ورغم ما وصفه التقرير بـ "التقدم الكبير" الذي حققته السعودية في مناهجها التربوية الجديدة، لا تزال هناك تحديات تواجه عملية الإصلاح التعليمي في المملكة، حيث أن المناهج اليوم لا زالت تعرض بعض "المحتويات الإشكالية".
 
ويشدد المعهد على ضرورة التقييم المستمر لفعالية المناهج الجديدة، مقترحاً استخدام أدوات تقييم متعددة لجمع البيانات وتحليلها بهدف تحسين المناهج وتكييفها مع الاحتياجات المتغيرة للمجتمع.
 
كذلك يستعرض التقرير التحديات المتعلقة بالتمويل، مشيراً إلى الحاجة إلى استثمارات مستدامة لضمان تنفيذ المناهج الجديدة بفعالية، فضلاً عن توصيات لتحسين إدارة الموارد المالية في قطاع التعليم.
 
ويرى المعهد أن التغييرات المرصودة في المناهج يمكن أن تسهم في بناء مجتمع أكثر تسامحا وتعددية، وتساعد الطلاب على تطوير فهم أعمق وأكثر شمولية للعالم من حولهم.
 
ويختم أن التغييرات الكبيرة التي أظهرتها المناهج الدراسية الجديدة تعكس التزام السعودية ببناء مستقبل أفضل وأكثر تسامحًا لأجيالها القادمة، ومع استمرار هذه الجهود، "من المتوقع أن نشهد مزيدًا من التقدم في السنوات القادمة، مما يجعل المملكة نموذجًا يحتذى به في مجال الإصلاح التعليمي في المنطقة."
 
حسين طليس