عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Aug-2020

لمن سيرفع الحساب؟ - تسفي برئيل
هآرتس
 
الافلام القصيرة التي نشرت مشاهد الانفجار الفظيع الذي حدث مساء أمس في ميناء بيروت أدت كما هو متوقع الى سلسلة توقعات حول الاسباب والعوامل المسؤولة عن الحدث. في البداية قيل إن الامر يتعلق بمخزن خزنت فيه اطنان من المفرقعات التي أعدت للاستخدام في الاعياد. وبعد ذلك قالت مصادر عسكرية رسمية بأن مواد قابلة للاشتعال أو مواد متفجرة تمت مصادرتها خلال سنين وخزنت في الموقع هي التي أدت الى الانفجار.
ولكن بينما يجري التحقيق بصورة محمومة فانه سرعان ما سمعت في لبنان تحليلات متسرعة تقول إن الامر لا يتعلق بحادثة أو اهمال، بل بعملية. انفجار أمس الذي ذكر الكثيرين بسلسلة الانفجارات التي حدثت في لبنان في الثمانينيات والانفجار الكبير في 2005 الذي قتل فيه رئيس الحكومة رفيق الحريري الذي كان يسافر في قافلة محمية – تدل على الامر يتعلق بعملية نفذت على أيدي جهات لبنانية.
اصابع الاتهام وجهت في لبنان أمس الى اسرائيل ورافقها تفسير يقول إن المس بميناء بيروت هو جزء من المعركة التي تشنها اسرائيل ضد ايران. محللون في لبنان ذكروا في نفس الوقت بالحريق الذي اشتعل قبل بضعة اسابيع بسفن ايرانية في ميناء بوشهر في الخليج الفارسي وكذلك بأحداث اخرى حدثت في ايران – عدد منها نسب لاسرائيل. علامات الاستفهام التي يجب على الجهات الامنية اللبنانية الاجابة عليها تتعلق ايضا بمسألة ملكية المخازن التي انفجرت ونوعية “المواد القابلة للاشتعال”، ولا يقل اهمية عن ذلك سؤال هل هناك المزيد من تركيزات مواد كهذه في الميناء وفي الاحياء السكنية وفي مواقع حساسة اخرى.
السؤال الاخير ستكون له تداعيات مهمة، ليس فقط على طبيعة نشاطات حزب الله، بل ايضا على الصراع السياسي الجاري في لبنان حول الازمة الاقتصادية والازمة الصحية التي اوجدتها ازمة الكورونا. وحتى لو تبين أن الانفجار سببه حادث وليس عملية فإن حجم الضرر الكبير والعدد المرتفع للقتلى والمصابين ستطرح اسئلة حادة حول تخزين الذخيرة والصواريخ والوسائل القتالية والمواد المتفجرة في التجمعات السكانية. المواطنون اللبنانيون يعرفون جيدا خريطة انتشار قواعد حزب الله ومخازن الصواريخ، حيث إنها نشرت في وسائل الاعلام ومواقع الانترنت. وكل من يعيش في محيطها يدرك الخطر الذي يتهدده – سواء حادثة يمكن أن تتسبب بالانفجار أو خشية من ضربة اسرائيلية متعمدة لهذه المواقع. الانفجار في الميناء يحول تهديد العيش في وسطها الى تهديد حقيقي اكثر من أي وقت آخر.
ولكن تفكيك هذه المخازن وابعادها عن التجمعات السكانية هو موضوع حساس سياسيا، حيث إن المعنى هو نزع سلاح “المقاومة اللبنانية” وابقاء الدولة خالية من قوة تردع اسرائيل. القيادة السياسية في لبنان امتنعت عن المطالبة بصورة مباشرة بنزع سلاح حزب الله. هذا رغم أن الطبيعة العسكرية للتنظيم واعتباره تنظيم ارهابي في الولايات المتحدة وعدد من الدول الاوروبية تمس بقدرة لبنان على الحصول على المساعدات المالية والقروض من صندوق النقد الدولي للخروج من الازمة الاقتصادية الشديدة التي يغرق فيها.
ربما الانفجار في ميناء بيروت سيؤدي الآن الى تغيير، على الاقل في الخطاب العام المدني، وربما ايضا في اوساط جزء من القيادة السياسية. معارضو حزب الله من شأنهم المطالبة باخراج مخازن السلاح والذخيرة للتنظيم من المناطق السكنية. وهذا الطلب يتوقع أن يعارضه حزب الله لأن تطبيقه سيعرضه لضربة اسرائيلية، ربما تم منعها الآن خوفا من الاضرار بالمدنيين الابرياء.
إن رفع سقف المطالب من حزب الله يرتبط برد الجمهور وبالطريقة التي ستتعامل بها حركات الاحتجاج مع الانفجار كتهديد وطني، تتحمل المسؤولية عنه القيادة السياسية. في هذه الحالة حتى لو كانت التهمة الرسمية للحكومة تقلصت الى اهمال صيانة المخازن القابلة للانفجار، فهي ستضطر الى فحص تهديد مواقع تخزين اخرى منها التي يملكها حزب الله.
بناء على ذلك يمكن توقع أن تبذل في الايام القريبة القادمة كل الجهود، سواء من جانب الحكومة أو حزب الله، لإثبات أن الامر يتعلق بالقضاء والقدر، وأنه حدث بسبب التلف الطبيعي للمواد القابلة للاشتعال أو بسبب الحرارة وأنه يجب على الحكومة فحص كل مخزن وكل موقع ذو امكانية كامنة عالية للانفجار دون الوعد بأنه ستتم ازالته من التجمعات السكانية من اجل الامتناع عن مواجهة مع حزب الله.
حتى لو كان الامر يتعلق بحادثة فإن انفجار كبير كهذا في الميناء الرئيسي في لبنان يرسل رسالة صادمة ايضا لايران التي قبل شهر تقريبا اعلنت أنها تنوي ارسال سفن مساعدة للبنان منها ناقلات نفط، وحتى أنه تم الحديث عن سفن سيتم تركيب محطات طاقة عليها توفر الكهرباء لبيروت. مسألة المساعدات الايرانية اثارت وتثير خلافا سياسيا في لبنان حول التزامه بالعقوبات المفروضة على ايران.
يبدو أن قبول المساعدة من ايران لا يخرق العقوبات الامريكية، لكن الخوف الدولي بشكل عام (الولايات المتحدة واسرائيل بشكل خاص) هو أن هذه السفن اذا رست فمن شأنها أن تفتح خط تزويد منظم ليس فقط للنفط والطحين والادوية، بل ايضا للسلاح والذخيرة وقطع الغيار للصواريخ. بناء على ذلك، حتى لو أن جزء من محطات ميناء بيروت كان قادرا على مواصلة العمل فان الخوف اللبناني من سيناريو ضرر متعمد، اسرائيلي أو غير اسرائيلي، للسفن الايرانية سيصبح ملموسا حتى لو لم تكن هناك نية كهذه.
الى جانب التداعيات السياسية فان حكومة لبنان تلقت ضربة شديدة في قناة التزويد الاكثر حيوية والتي من شأنها المس بقدرته على استيراد بضائع ضرورية وأن يدير بصورة منظمة حركة الاستيراد والتصدير. ميناء بيروت الذي مر بعدة مراحل من التطوير والتوسيع هو أحد الموانئ المهمة والاساسية في الشرق الاوسط الذي تمر عبره بضائع من اوروبا الى سورية والعراق والاردن ودول الخليج. وهو يدار من قبل سلطة الموانيء اللبنانية ويعتبر أحد مصادر الدخل المهمة للدولة. ووقف نشاط الميناء في الفترة التي فيها لبنان يحتاج الى كل دولار سيساهم في الاشتعال السياسي الذي يهدد استقرار الدولة.