الغد
قال خبير الآثار والحضارات واللغات السامية الدكتور سعيد السعيد، إن كتب التاريخ العالمية غالبا ما كتبت من منظور أوروبي غربي، وتعتبر أوروبا مركزا للحضارة.
وبين السعيد، خلال محاضرة نظمها منتدى عبد الحميد شومان الثقافي، بالتعاون مع جائزة الملك فيصل العالمية، مساء أول من أمس، بعنوان: "حضارة العرب في منظور التاريخ العالمي" وأدارها الدكتور زيدان كفافي، أن كتب التاريخ العالمية حينما تتناول نشأة وتطور الحضارة الأوروبية منذ العصور القديمة حتى العصر الحديث، نجدها تركز على حضارة اليونان والرومان وتعد النهضة الأوروبية الحديثة بفنونها المتنوعة، إنما هو بسبب ابتكارات وإبداعات أسلافهم الرومان واليونان من قبلهم. بينما تعرض الحضارات الأخرى كحضارات هامشية ولا دور يذكر لها في نهضة الغرب الأوروبي تحديدا، وهذا ما دفع العديد من المفكرين والكتاب المعاصرين لتبني الدعوة إلى نزع المركزية الأوروبية، وإعادة التاريخ العالمي بمنظور متعدد المشارب، يعترف بدور الحضارة العربية والحضارات الأخرى وأثرها في تشكيل مسار التاريخ الإنساني.
وأوضح أن علم الآثار الحديث والكشوفات العلمية في مناطق متفرقة من بلاد العرب ببعدها الجغرافي الواسع أثبتت أن نهضة أوروبا الحديثة إنما تأسست على ابتكارات حضارات الشرق العربي القديم، مبينا أن من يتتبع تطور رموز الحضارة الأوروبية من علوم وفنون وعمارة وفكر ديني وثقافي سيجد جذوره نشأت وتطورت في بلاد العرب، وما هو إلا نتاج لحلقات ممتدة وطويلة من التراكمات والتجارب الحضارية الإنسانية التي ولدت وتطورت في جزيرة العرب ببعدها الواسع.
وأشار إلى أن من أبرز عيوب السرد للتاريخ العالمي، أنه يتمحور حول أوروبا ويجلعها مركز الأحداث ومقياس الحضارات، كما يعتمد كتاب التاريخ العالمي في معالجتهم للمادة التاريخية على آلية الانتقاء، وهي عملية ذهنية غير محايدة يمارسها المؤرخ حين يختار أحداثا محددة ويقصي غيرها ليعطي لبعضها صفة المركزية والأخرى إلى الهامش، موضحا إلى أن دراسة التاريخ العالمي لا ترتكز غالبا على المصادر الأصلية في الحضارات الأخرى كما هو الحال عند المؤرخ المتخصص الذي يكرس بحثه لفترة زمنية محددة.
وتطرق الدكتور السعيد، خلال المحاضرة، بحضور جمع من الأكاديميين والمختصين والمهتمين، إلى دور العرب في التطور البشري بمختلف المجالات في ضوء الحفريات الحديثة، وخاصة في البعد السكاني في الجزيرة العربية ومجالات الزراعة والثروة الحيوانية والعمارة والفكر والتكوين السياسي والحرف والصناعات والاقتصاد والتجارة الدولية والفنون والرسم الصخري والكتابة والتوثيق والفن والموسيقا والعلوم والتشريع والقانون والمساواة بين الرجل والمرأة.
يشار إلى أن البروفيسور سعيد بن فايز السعيد هو أحد أبرز الباحثين في الجزيرة العربية القديمة، وهو عالم سعودي متخصص في الآثار والحضارات واللغات السامية. حصل على الدكتوراه في الحضارات واللغات السامية من جامعة ماربورغ الألمانية العام 1994، وشغل العديد من المناصب الأكاديمية القيادية في جامعة الملك سعود، من بينها رئاسة قسم الآثار والمتاحف وعمادة كلية السياحة والآثار. قدم الدكتور السعيد إسهامات علمية بارزة من خلال عشرات الأبحاث، وترجمة العديد من الكتب، وقيادة مشاريع أثرية كبرى.
كما قدم دراسات بارزة في تطور الخط العربي ونقد النظريات المتعلقة بأصوله، وفند عدداً من الفرضيات حول العلاقة بين العربية والآرامية استناداً إلى مكتشفات علمية حديثة. حاز الدكتور السعيد العديد من الجوائز المرموقة، أبرزها جائزة عبد الحميد شومان للباحثين العرب العام 2003، ومنحة ألكسندر فون هومبولت الألمانية العام 2000، وأخيراً جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية للعام 2025 تقديراً لإسهاماته العميقة في دراسة تاريخ الجزيرة العربية وعلومها.