عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-May-2020

“كورونا” يفرض التباعد الجسدي لكنه يعزز التقارب الاجتماعي بشهر الخير!

 

تغريد السعايدة
 
عمان - الغد-  اعتاد أبناء المجتمع الأردني على رسم صورة زاهية لـ”التقارب الاجتماعي” ومد يد العون لكل قريب وبعيد في شهر الخير والبركة، لكن مع ظهور مصطلح “التباعد الاجتماعي” المفاجئ، أصبح هو المبرر الأول لكل من يبتعد عن الآخرين، حمايةً للطرفين من انتقال عدوى “كورونا”.
كثرة تداول مصطلح “التباعد الاجتماعي” منذ بدايات انتشار “كورونا” والدعوة إلى أخذ كافة الإجراءات الاحترازية، التي من أهمها ترك مسافة أمان بين الناس، وعدم الاختلاط مع الآخرين، جعلت الجميع ينادي باتباع النصائح من الجهات الصحية والمختصة، وذلك من خلال تكرار هذا المصطلح.
بيد أن منظمة الصحة العالمية دعت “رسميًا” من المجتمعات في العالم إلى التخلي عن مصطلح “التباعد الاجتماعي”، واستبداله بمصطلح “التباعد الجسدي”، بهدف توضيح فكرة مهمة، وهي أن البقاء في المنزل لا يعني قطع علاقاتك الاجتماعية مع أصدقائك وعائلتك، بل الابتعاد عنهم فيزيائيًا لمنع المرض من الانتشار، كما جاء في بيان خاص بذلك، نهاية آذار (مارس) الماضي.
وفي مجتمعنا العربي، وفي الأردن، على وجه التحديد، يزداد الترابط المجتمعي بين أفراد المجتمع الواحد في شهر رمضان بشكل لافت، كما ظهرت صور التكافل عقب حدوث ذروة المرض، والحجر المنزلي، وحظر التجول، الذي طال مئات الدول في العالم، حين عمد الكثيرون إلى تنظيم فعاليات محدودة ومنظمة ويشرف عليها جهات رسمية للتأكد من اتخاذ إجراءات السلامة، يتم من خلالها تقديم مساعدات لمن تقطعت بهم السبل، وتوقف لديهم الدخل المادي، ما يُظهر مدى الاختلاف ما بين “التباعد الاجتماعي والتباعد الجسدي من ناحية أخرى”.
وفي رمضان، استمرت تلك الصور التكافلية بشكل واسع، بل وشملت عدداً أكبر من العائلات، كما في قيام عشرات المبادرات الخيرية التي قامت بالتنسيق مع الجهات المعنية، بتقديم مساعدات، يمكن القيام بها بعيداً عن التقارب الجسدي “غير المحمودة عقباه في حال انتشار المرض”، وأيضا تقديم مساعدات عينية “معقمة ومجهزة بطريقة صحية”، أو من خلال مساعدات مالية.
كما واتجهت مبادرات أخرى للوصول إلى “دفاتر الديون” في المحلات التجارية والدكاكين، لسداد الديون من باب التخفيف على رب الأسرة والعائلات العفيفة، ودفع مستحقات أصحاب المحال التجارية الصغيرة، التي تراكم عليها الدين، قبيل وخلال رمضان، كما في أعمال الخير التي تقوم بها مبادرة جمعية باب الخير للعمل التطوعي، فيما قدمت مبادرات وجمعيات أشكالا مختلفة من الدعم التي لا تتطلب تلامسا أو تقاربا جسديا مباشرا.
الغالبية من المجتمعات باتت تعي الفرق ما بين التباعد الجسدي، والتباعد الاجتماعي، إلا أن الدعوات المجتمعية والأسرية ما تزال تنادي بعد مرور أشهر على انتشار وباء كورونا، على استخدام مصطلح التباعد الجسدي، وليس الاجتماعي، حتى لا يترسخ هذا المفهوم أو المصطلح على المدى البعيد في أواسط المجتمعات المختلفة.
أخصائي الاجتماع الأسري مفيد سرحان يؤكد أهمية استخدام مصطلح “التباعد الجسدي”، بدل مصطلح “التباعد الاجتماعي” كإجراء وقائي من انتشار وباء كورونا، مشيراً إلى أنه في معظم دول العالم أكد المختصون أن هذا الفيروس يمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر إذا كانت المسافة قريبة بينهما، وأن هذه المسافة تصل إلى مترين أو أكثر.
ويعلل، لذلك نصحت الجهات الصحية بابتعاد الأشخاص عن بعضهم بعضا هذه المسافة، بمعنى تباعد أجسادهم عن بعضها بعضا، إضافة إلى الحرص على عدم المصافحة والتقبيل واللمس وهي إجراءات وقائية.
كما بين سرحان أن الانسان اجتماعي بطبعه، وهذا يعني احتياجه الى التعامل والتفاعل مع الآخرين، وأن التفاعل الاجتماعي يمكن أن يتم بين شخصين أو مجموعة أشخاص بدون تقارب جسدي، وأن وسائل التواصل الاجتماعي زادت من تفاعلنا الاجتماعي بغض النظر عن المسافات.
وفي ظل هذه الظروف “أصبحنا أكثر تعاضدا وتضامنا وتكافلا وتعاونا، وأكثر قربا بالمشاعر”، وما ذلك، بحسب سرحان، الذي أطلق بياناً في ذات الشأن عبر جمعية العفاف الخيرية، إلا دليل على تقارب القلوب والشعور بالمسؤولية وهي أخلاقيات وقيم إيجابية يجب تعزيزها، وأن الجميع الآن بحاجة إلى أن يشعر مع بعضه بعضا، وينمي لغة الحوار والسؤال عن الآخرين وتنمية المشاعر والقيم الإنسانية.
وما نشهده اليوم من تعاون وتكافل وما يدعو له الجميع هو في حقيقته يقرب الناس من بعضهم بعضا على اختلاف أماكنهم، “وهذا الوباء وإن فرض التباعد الجسدي غير أنه عزز التقارب الاجتماعي”، على حد تعبير سرحان.
سرحان يشير إلى أن وسائل الإعلام دأبت على استخدام مصطلح “التباعد الاجتماعي” وأخذ الكثيرون يرددون هذا المصطلح، وهو غير دقيق ولا يعبر عن المطلوب، مشيراً إلى تأكيد منظمة الصحة العالمية على اتباع استراتيجية التباعد الجسدي بدلا من التباعد الاجتماعي للوقاية من فيروس كورونا المستجد.
ويشير إلى أن الشخص الموجود في الحجر الصحي سواء داخل المنزل أو خارجه هو بعيد جسديا عن أسرته ومجتمعه، لكنه يعيش في قلوبهم، وهو أقرب إليهم من غيره ممن هم بينهم، يشعرون معه ويعدون الدقائق التي تفصلهم عن الاجتماع به.