الغد-ألون بن مئير* - (ميدل إيست أونلاين) 2024/8/10
كيف وصلت إسرائيل إلى هذه النقطة من اليأس المطلق وعدم اليقين المرعب؟ كيف يمكن أن تكون علاقات إسرائيل بالفلسطينيين قد وصلت إلى أدنى مستوياتها بعد 76 عامًا من الوجود؟ كيف تواجه إسرائيل الآن هجمات منسقة لا مفر منها من قبل إيران وحزب الله وحماس والحوثيين وجماعات إسلامية متشددة أخرى؟ كيف يمكن تصور أن إسرائيل نفَّرت أقرب حليف لها وحاميها -الولايات المتحدة- إلى درجة لم يسبق لها مثيل من قبل؟ كيف أصبحت إسرائيل دولة مارقة ومنبوذة فقدت أخلاقها وتضع القيم اليهودية في مأزق؟ كيف يمكن تصور أن تحكم إسرائيل اليوم مجموعة من المجرمين والفاشيين ومحبي الحرب والمتطرفين المسيانيين الذين يدمرون البلاد حجرًا حجرًا، ويسببون أضرارًا لا رجعة فيها ستؤثر على الأجيال القادمة؟ كيف وصلت إسرائيل إلى هذه النقطة من الانقسام الاجتماعي والسياسي الخطير الذي يستهلك البلاد من الداخل ويكشف عن ضعفها وافتقارها الرهيب إلى التماسك ووحدة الهدف؟
الإجابة عن هذه الأسئلة الجيلية المزعجة هي: نتنياهو. أجل، رئيس الوزراء نتنياهو، وليس غيره، قاد إسرائيل إلى هذه الحالة المشؤومة حيث يكون كل مخرج محفوفًا بالمخاطر بلا مفر ومن دون تحمل ضربة قوية ستترك ندوبًا على كل إسرائيلي في أعقابها.
كان رد فعل نتنياهو الأولي وقراره بشن حرب ضد حماس بسبب وحشيتها التي قتلت 1.200 إسرائيلي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي مبررًا لأن إسرائيل لها كل الحق في الدفاع عن نفسها. ولكن بعد عشرة أشهر من القتال، وبعد موت ما يقرب من 40.000 فلسطيني وأكثر من 1.200 إسرائيلي بشكل مروع في حين أصبح نصف غزة في حالة خراب، ما تزال هناك عدم رؤية نهاية في الأفق، ولا استراتيجية خروج، ولا خطط لمستقبل غزة، ولا حتى تلميح إلى حل طويل الأجل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
على حساب تكرار نفسي مرارًا وتكرارًا، أريد من كل قارئ أن يتذكر أنه تحت حكم نتنياهو وقع هجوم حماس المروع. وتحت حكمه بنت حماس 350 ميلاً من الأنفاق. وتحت حكمه، جندت حماس ودربت وجهزت ما بين 35.000 و40.000 مقاتل. وتحت حكمه اشترت حماس وأنتجت ما يقرب من 20.000 صاروخ وطائرة من دون طيار. نتنياهو ولا أحد غيره سيّر نقل مليارات الدولارات من قطر إلى حماس، مدعيًا أن دعم حماس ضد السلطة الفلسطينية سيمنع إقامة دولة فلسطينية. وقد أظهرت عشرة أشهر من القتال ضعف إسرائيل العسكري؛ إن حماس ما تزال حية تنبض بالحياة، وهي بعيدة كل البعد عن الهزيمة العسكرية، ولن تتوقف بأي حال من الأحوال عن الوجود على المستوى الإيديولوجي وكحركة سياسية.
ثم جاء اغتيالا فؤاد شكر، القائد العسكري الأعلى لحزب الله؛ والزعيم السياسي لحماس، إسماعيل هنية، بعد أقل من يوم واحد. والآن أصبح المسرح مهيأ لهجوم منسق يشن على إسرائيل يشمل إيران و"محور المقاومة"، والذي قد يأتي في أي وقت.
هل يفهم نتنياهو أنه بغض النظر عن عدد قادة حزب الله أو حماس الذين قُتلوا، فإن هذا لن يغير المأزق الاستراتيجي طويل الأمد لإسرائيل، ولن يؤدي إلا إلى جعل الصراع أكثر صعوبة على الحل؟
هل يفهم نتنياهو أن القتل الجماعي للفلسطينيين لا يؤدي إلا إلى تغذية جيل آخر من الفلسطينيين الذين سيعيشون من أجل الانتقام ويقاومون الاحتلال بعنف ويموتون بسعادة من أجل قضية يؤمنون بها؟
هل يفهم نتنياهو أن حماس وضعت إسرائيل بالضبط حيث تحلم أن تكون؟ وتستعد إيران ووكلاؤها لمهاجمة إسرائيل نيابة عنها، في حين يشعر العالم كله بالفزع من سلوك إسرائيل؟
هل يفهم نتنياهو أن حكومته الحالية وسياساتها تغير بشكل كبير -ليس فقط القيم الاجتماعية والثقافية للبلاد، بل وروحها الداخلية حيث تقودها طائفة مسيانية ستحدد في نهاية المطاف وجهتها التي تصبح أكثر شؤمًا بشكل متزايد؟
هل يفهم نتنياهو أن مؤسسات الدولة، حتى تلك مثل المؤسسة العسكرية، تتعرض للتحدي من قبل المتطرفين الدينيين الذين يمزقون الرباط الاجتماعي الذي نسج شرائح المجتمع الإسرائيلي بعضها ببعض ويحطمون الوحدة التي لا غنى عنها في زمن الحرب؟
هل يفهم نتنياهو أن تحديه العنيد للولايات المتحدة وعزل إسرائيل عن حلفائها يشوه صورة إسرائيل ويعزلها دوليا، وهو ما سيستغرق عقودا من الزمن لإصلاحه، وهذا فقط إذا انتهى الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني؟
هل يفهم نتنياهو أن طبيعة التمرد وهدفه هو البقاء، أي بغض النظر عن مدى ضخامة الخسائر التي تتكبدها، بما أنها تحتفظ بالقدرة على استيعاب هجمات إسرائيل المتكررة، فإن حماس ستعيد تجميع صفوفها وتقاتل؟
هل يفهم نتنياهو أنه لا يستطيع تحقيق نصر تكتيكي ولا استراتيجي ضد إيران وعملائها، ولن يكون قادرا على استعادة الردع ضدهم لأن لديهم الوقت والموارد لاستئناف العنف متى شاؤوا؟
على الرغم من أن جنرالاته ورئيس الشاباك والموساد ووزير الدفاع يتهمونه بتخريب الصفقة عمدا برفضه أي شرط من شروط وقف إطلاق النار، في حين يلومه الرئيس بايدن على إطالة أمد الحرب، يظل نتنياهو يقف متحديا. في كل مرة اقترب فيها المفاوضون من حماس وإسرائيل من التوصل إلى اتفاق، كان نتنياهو يقدم مطالب جديدة. وهو ببساطة تحت سيطرة شركائه اليمينيين المتطرفين في الائتلاف، وخاصة بن غفير وسموتريتش، الذين هددوا بالاستقالة وإسقاط الحكومة إذا قبل أي اتفاق -وهي النتيجة التي يريد نتنياهو بشدة تجنبها، مدركاً أنه بمجرد خروجه من منصبه، فإنه سوف يواجه ثلاث تهم جنائية وغضب الأمة التي تشعر بالخيانة لأنه وضع بقاءه السياسي فوق بقاء البلاد.
في تصريحه الأخير للصحافة، قال نتنياهو: "سنواصل ممارسة الضغوط العسكرية على حماس وكبار شخصياتها حتى عودة جميع رهائننا وتحقيق جميع أهداف الحرب". لا شيء يمكن أن يكون أكثر تناقضاً وتضليلاً من هذا التصريح، حيث تشهد الحقيقة على مدى بعده عن الضغط على كبار شخصيات حماس وتحقيق أهداف الحرب.
يتعين على نتنياهو أن يعلم أنه في مقابل كل زعيم من زعماء حماس يُقتل، سوف يظهر اثنان أو ثلاثة ليحلوا محله، وعلى الرغم من أن حماس تكبدت نكسة، فإن أتباعها سيصبحون أكثر تطرفاً. ولكن إذا كان هدف نتنياهو من الحرب هو سحق حماس بالكامل ومنعها من إعادة بناء نفسها في غزة، فإن هذا الهدف يبدو بعيد المنال يوما بعد يوم. فبعد عشرة أشهر من القتال المميت، ما تزال حماس نشطة وتستمر في تجنيد وتدريب مقاتلين جدد. والعديد من مقاتلي حماس يعودون إلى الظهور في الأماكن التي طردتهم منها إسرائيل.
من الصعب وصف ما فعله نتنياهو ببلاده. فقد أضاف التوتر بين الناس، والغضب الشديد تجاه الحكومة، والاشمئزاز من الأحداث المتكشفة، شعوراً عميقاً باليأس الذي يشعر به العديد من الإسرائيليين، الذين لا يعرفون ماذا يتوقعون بعد ذلك. وبصفته رئيساً للوزراء، الذي من المفترض أن يقود ويحكم بما هو الأفضل للبلاد فقط، فإنه لا يملك استراتيجية ولا خطة واقعية لإنهاء الحرب وإعادة الرهائن إلى ديارهم وصياغة مستقبل من التعايش السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. الواقع أن الوقت ينفد لأن إسرائيل تتوقع عمليات انتقامية منسقة قد تتحول إلى حرب إقليمية.
إنها أعظم مأساة شهدتها إسرائيل منذ إنشائها. ولن يكون هناك خلاص إلا بإخراج نتنياهو من السلطة لأنه يجر إسرائيل معه في رحلته الكارثية نحو الجحيم.
*د. ألون بن مئير Alon Ben-Meir: صحفي إسرائيلي من أصل عراقي. أستاذ العلاقات الدولية بجامعة نيويورك وزميل بمعهد السياسة الدولية.