عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Jun-2019

أمور ترى من هناك - اوریت لفي – نسیئیل
معاریف
أتساءل بین الحین والآخر: كیف العیش في غزة؟ حین تحوم البالونات المتفجرة في السماء من
الغرب الى الشرق، قبل لحظة من سقوطھا في حقول القمح للكیبوتسات یمكن للمرء أن یشعر في
وقت قصیر باجواء الخفة والاحتفال. ولكن سرعان ما تتفجر على ارض الواقع وتشعل النار في المیدان. بعد ذلك تخرج الطائرات القتالیة وتوجھ ضربات من الجو. غزة ھي بنك الاھداف البشري الاكبر في العالم، وسكانھا یعیشون رغم أنفھم في بلاد القضاء والقدر.
”اذھب الى غزة“ كانت ذات مرة اختصارا لـ ”اذھب الى الجحیم“. وحسب التقالید الیھودیة فان
الجحیم ھو المكان الذي ترسل الیھ الكفارة في یوم الغفران. یقال ان جبل منطر في صحراء یھودا
ھو جبل الجحیم الذي كانت تجرى فیھ العبادة. وفي قطاع غزة ایضا توجد تلة تسمى علي منطر.
ھذه ھي التلة التي تطل على مدینة غزة. في الخرائط القدیمة تحدد التلة كنقطة 100 * 100 لشبكة الخریطة الطوبغرافیة الاولى لاسرائیل. في الماضي كان ھذا دلیلا على أن التلة ھي ”لنا“، وھكذا ینبغي ان تبقى.
المتنزھون الذین كانوا یصلون في جولة الى غوش قطیف، كانوا یصعدون في حینھ الى التلة الصغیرة. وسر سحرھا في كونھا نقطة اشراف على غزة وبناتھا. ولكن سر قوتھا كان في كونھا نقطة تحكم بمدینة غزة. بعد الانسحاب من غوش قطیف تبین أن بدونھا ایضا تواصل اسرائیل التحكم بغزة – من البحر، من الجو ومن معابر البر. خرجنا من غزة ولكن غزة بقیت في داخلنا.
بواباتھا بقیت البوابة والمفتاح لامن اسرائیل. من ناحیة اغلبیة الاسرائیلیین، غزة ھي مصدر الارھاب. اسرائیل تسمح بان تدخل الیھا البضائع وھي ترد لھا بالعملیات، الحرائق والصواریخ.
الشر مقابل الخیر. غزة الشریرة.
نحو 20 سنة تصدح في الھواء اصوات انفجار الصواریخ وصافرات الانذار، احیانا بھذا الترتیب واحیانا بترتیب معاكس. بعد ذلك تأتي الطائرات، القذائف والقتلى خلف الحدود. (مخربون ومدنیون، ولا یمكن دوما معرفة من ھو من) وبعدھا یأتي ھدوء قصیر وھلم جرا. ردود الافعال السیاسیة المشروطة نبقیھا لمقال آخر.
ولكن ماذا یحصل في الطرف الاخر، خلف تلة علي منطر؟ قرابة ملیونین من بني البشر یذھبون
ھناك كل یوم الى الجحیم. یمكن لاسرائیل أن تتمترس في عدالة طریقھا وان تدعي بانھا لن تغفر
للعرب لانھم یجبرونھا على قتل اطفالھم مثلما قالت غولدا ذات مرة.
لو أننا على الاقل كنا نطلق النار ونبكي. ولكن جنرالاتنا السیاسیین یعدون فقط بالقصف الاعلى
والاقوى وھكذا یساھمون في الدوامة السریعة للدائرة الشیطانیة. ینبغي أن نتذكر وان نذكر بان في
غزة یعیش مواطنون كادحون علق بھم الغبار والیأس. لیس لھم كھرباء، لیس لھم ماء دافقة.
المجاري تتدفق في الشوارع، ومعدل البطالة یزید عن 50 في المائة. اما عن الصحة والتعلیم فحدث ولا حرج. فلا توجد مراكز تطعیم ولا خدمات نفسیة. الضائقة والصدمة ھما جزء لا یتجزأ من حیاة كل شخص في غزة. الى أن امتلأت البلاد بحماس. ھم ینظرون الى الافق ولا یرون شیئا، غیر الاسطح الحمراء والحقول المفلوحة لسكان غلاف غزة. ثلاثة اسوار تحیط بھم – الحصار الاسرائیلي، النظام عدیم الرحمة لحماس وسور الیأس الذي ھو الاعلى بینھا. ولكن قلبنا غلیظ على ضائقتھم.
وانا افكر باطفال غزة الذین لیس لھم طفولة، بالضجیج الدائم والمھدد لطائرات سلاح الجو والتي
ھي بالنسبة لھم الشیطان الذي یركب قاطرة النار. عندما تھبط القذائف على الاھداف العسكریة –
المدنیة في قلب المدینة، لیس لھم این یفرون. لا ملجأ، لا غرفة امنیة، لا تحصینات اسمنتیة. ھم
ببساطة یموتون من الخوف، حیث یتقرر مصیرھم. ایام من الھدوء ھي الزمن لخلق حلول انسانیة.
وعلیھ، حین تكون في الخلفیة الورشة الاقتصادیة في البحرین وخطة القرن لترامب، على اسرائیل أن تكون القاطرة التي تسحب القطار لا ان تنجر رغم أنفھا. علیھا ان تقیم ائتلافا دولیا وان تجند العالم لایجاد حل نزیھ لغزة وآمن لاسرائیل. محظور مواصلة اغماض العیون. لانھ اذا لم یكن ھناك جواب لاطفال غزة، ستبقى غزة النقمة التي تقبع على صدر اسرائیل. غزة لن تغرق في البحر ولكننا كلنا قد نغرق في بحر غزة.