الغد
عواصم- الدلائل تشير إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تبدو غير مرتاحة لنتائج حربها الأخيرة التي خاضتها ضد إيران.
فما يجري على ألسنة قادة كيان الاحتلال من تدمير قدرات إيران النووية بأيادٍ أميركية، يبقى بعيدا عن الواقع الذي يثبت أن البرنامج النووي الإيراني ما زال مطروحا بقوة كتحدٍ، يستدعي من الولايات المتحدة ودولة الاحتلال والترويكا الأوروبية، للتحرك في كل الاتجاهات وعلى كل الصعد والمستويات لنزع هذا الخطر، ومنع إيران من دخولها نادي الدول النووية التي تنفرد بامتلاك السلاح النووي الفتاك الذي يمنحها قوة ردع ويشعرها بالتفوق والقدرة على حماية أمنها القومي.
"لا أحد بإمكانه منع إسرائيل من ضرب أعدائها"، هكذا قال ستيف ويتكوف، وهذا ما يردده رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بمناسبة وبغيرها.
ويدرك نتنياهو أن المشكلة أكبر من السلاح النووي الذي يهدد دولته المحتلة، فهو يستميت لوأد أي تفوق عسكري يحول بينه وبين السيطرة على المنطقة وينزع تاج الأمر عن رأسه في المنطقة.
فالحرب التي أشعلها الاحتلال قبل موعد جولة المفاوضات الأميركية الإيرانية بيومين، كبدت إيران أضرارا لا يمكن إخفاؤها، أو التقليل من فداحتها.
فكيان الاحتلال تمكن بواسطة أسراب من طائراته التي بلغت الـ 200 من اغتيال نحو عشرين من كبار ضباط الحرس الثوري والقوات المسلحة الإيرانية، وتسعة من أبرز علماء البرنامج النووي، واستهداف محطات نووية ومراكز تصنيع الصواريخ الباليستية، ومنشآت إنتاج الطائرات المسيرة.
في المقابل استطاعت إيران أن تضرب عمق كيان الاحتلال، ولم تتمكن مختلف أنظمة الدفاع الجوي- ومنها نظام Arrow، والقبة الحديدية، ومقلاع داود، ومنظومة Patriot- أن تمنع الصواريخ الباليستية الإيرانية من ضرب أهدافها، وبث الرعب داخل كيان الاحتلال الذي أُرغم على العيش في الملاجئ.
فهل تل أبيب التي فشلت في كل حروبها في المنطقة، قادرة على شن حرب جديدة ضد إيران؟ وهل الإدارة الأميركية برئاسة ترامب ستسير وراء نتنياهو؟ وهل الغرب بقيادة أميركا لا يدرك مخاطر التحولات الجارية في ميزان القوة العالمي؟
فتل أبيب غارقة في وحل غزة، فهل تقوى على شن عدوان ضد إيران رغم أنها خاضت حربا هي الطولى في تاريخها ضد غزة، وامتدت يد إجرامها إلى لبنان وسورية وإيران واليمن، فلم تتمكن من إنجاز أهداف عدوانها؟
كما لم تنفعها شراكة الإدارة الأميركية في الحرب ولا الدعم المطلق الذي حازته من عدد من الدول الأوروبية التي سخرت آلتها الإعلامية لترويج رواية الاحتلال الإسرائيلي ومدتها بالمال والسلاح للبطش بالأطفال والنساء والشيوخ.
عزل إيران ليس سهلا
لم توفر أميركا ودولة الاحتلال سبيلا للإضرار بإيران إلا سلكتاه، فقد عملتا للسيطرة على ممر "زنغزور" في الأراضي الأرمينية، بهدف منع اتصال إيران بروسيا عبر أرمينيا، وهناك أعمال مكثفة لتفعيل الممر بطول 50 كيلومترا في مقاطعة سونيك الأرمينية.
والمثير أن المبعوث الأميركي إلى سورية والسفير في أنقرة توماس بارّاك، هو من يقود هذا المسار، ويجري حديث عن استئجار مساحة الممر لـ 99 عاما.
فممر "زنغزور" جاء بديلا عن ممر "أراس" الذي من المنتظر أن يربط الأراضي الأذربيجانية بإقليم نخجوان عبر الأراضي الإيرانية. والحال أن ترامب سابق الزمن وتمكن من تعطيل ممر "أراس"، عبر إشرافه على اتفاق بين أذربيجان وأرمينيا، وفي ذلك تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تموضعها في جنوب القوقاز.
فمنطقة أوراسيا ببعدها الجيوسياسي، تعد واحدة من أهم المناطق في العالم، وليس مستغربا أن يعتبرها المستشار السابق للأمن القومي الأميركي زبيغنيو بريجنسكي قلب العالم ومركز القوة العالمي الجديد.
فكل هذه التحركات تهدف إلى تطويق إيران وتعميق معاناتها الجيوبوليتيكية. فرسم الخرائط وإعادة تشكيلها وفق الرؤية الأميركية والإسرائيلية، تسعى من ورائه الولايات المتحدة إلى تفكيك القوة والنفوذ الإيراني.
لكن الرياح التي هبت بقوة في قمة شنغهاي الأخيرة والتي أطلقت صافرة ولادة قطب جديد وواعد في خلق التوازن العالمي الذي انهار عقب تفكك الاتحاد السوفياتي والمنظومة الشرقية، تسير بخطى ثابتة وتؤسس لمجال جديد وبديل للحركة التجارية والنقدية، بعيدا عن سيطرة الغرب بقيادة الولايات المتحدة التي ملأت الدنيا عقوبات ورسوما جمركية لم يسلم من لهيبها حتى حلفاء أميركا.
فقمة شنغهاي التي تسعى لمنافسة مجموعة الثماني، أعلنت تضامنها مع إيران، وأصبحت سوقا تتسع لمنتوجات إيران النفطية التي أرهقتها العقوبات الشديدة التي تفرضها الإدارة الأميركية، وتستعد الترويكا الأوروبية لإعادة تفعيل عقوبات "سناب باك".
تشعر إيران أنها في مواجهة مفتوحة مع الثلاثي: الأميركي، والأوروبي، والإسرائيلي على خلفية برنامجها النووي. فالترويكا الأوروبية صبت الزيت على النار بتهديدها بتفعيل آلية العقوبات السريعة على إيران، وهي الآلية المعروفة بآلية الزناد (سناب باك).
وإضافة للظرف الحرج الذي لجأت فيه الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا إلى تصعيد الموقف، وخاصة بعد الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية، فإن إيران لا ترى في توجه الدول الأوروبية الأهلية القانونية والأخلاقية التي تخولها اللجوء إلى قرار العودة إلى العقوبات.
إيران وحلفاؤها الذين خرجوا من معركة إسناد غزة بأضرار لا تخطئها العين تدرك أن الظرف يتطلب كثيرا من الدبلوماسية، وقليلا من اللجوء إلى التصعيد لإعادة بناء ما تم تدميره من قدرات، أخلت بميزان القوة أمام كيان الاحتلال وشركائه الغربيين.
والحال أن الدول الأوروبية بتهديدها إيران بإعادة العقوبات، تكون قد اختارت الاصطفاف والانحياز إلى جانب الإدارة الأميركية ودولة الاحتلال، وبدلا من أن تكون جزءا من الحل باتت جزءا من المشكلة.
وتتميز علاقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع إيران بتأرجحها بين الشدة والانفتاح. وهو الأمر الذي يطرح تساؤلا عن مدى استقلالية الوكالة في ظل الضغوط الأميركية والإسرائيلية، ولا تحظى الوكالة بثقة الإيرانيين الذين يرون في تقاريرها، تحاملا ضد بلدهم وذريعة هيأت الأجواء للولايات المتحدة لشن هجومها الأخير على المنشآت الإيرانية.
فالتقرير الذي صدر سرا عن مدير الوكالة رافائيل غروسي تضمن جنوح إيران إلى تسريع وتيرة إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60 ٪، وهي النسبة التي ترفع من منسوب مخاوف الغرب والاحتلال رغم تأكيد إيران على سلمية برنامجها النووي.
وتدرك إيران كما تدرك الولايات المتحدة ودولة الاحتلال أن المعركة، ستبقى مفتوحة بشتى الطرق والأشكال، فالتناقض وهوة الخلافات الحادة لن تنجح الدبلوماسية في جسرهما، بل على الأرجح قد تؤجلهما لبعض الوقت.-(وكالات)