عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Feb-2019

عیسی الجربان.. عندما یُروى الماضي ممن عاشوه

 

معتصم الرقاد
عمان- الغد- لا یستطیع المتلقي سوى التركیز والإصغاء لكلمات المعمر عیسى مصبح الجربان الذي تجاوز عمره 91 عاما.. في طیاتھا عصارة تجارب وخبرات رسخت بذاكرتھ على مر السنین، یحملھ الشوق والحنین لاستذكارھا والحدیث عنھا بین الحین والآخر. ویحملنا الشوق للتمعن بمفرداتھا، ولصورة الزمان الذي احتضنھا.
اقترن حدیث الحاج الجربان من منطقة ”أم قصیر“ الواقعة شرق عمان، بمباھج الحیاة تارة، وأحزانھ بفقدان الأحبة تارة أخرى، وكثیرا ما یردد عبارات المقارنة بین الماضي والحاضر، ففي الأول كانت البساطة سائدة في العلاقات بین الأھل والأقارب والجیران والأصدقاء، ومضت الأیام وبدأت الحیاة تتغیر شیئا فشیئا، وكأن الثاني یمحو أیام الماضي الجمیل.
وعن بساطة الحیاة في الماضي وتحدیدا في ثلاثینیات القرن المنصرم، یقول الحاج الجربان لـ“الغد“: ”اقتصر سكان منطقة أم قصیر على عدد قلیل لم یتعد 40 رجلا وعائلاتھم، والغالبیة أقارب، تجمعھم راوبط المحبة والتكاتف الاجتماعي، فالقوي یخدم ویقدم المساعدة للمحتاج والضعیف، وعملت معظم العائلات في تربیة الأغنام وبیعھا“.
یقول ذاك المسن الذي تخط تجاعید الزمن رسومات زخرفیة على وجنتیھ ”حیاتنا كانت بسیطة جدا، لدرجة أن الأھل في المنطقة لا یترددون بمشاركة جیرانھم بتناول الطعام، مثل طبق المنسف، فتراھم یلتفون حولھ، یتبادلون الأحادیث، مستمتعین بما قسمھ الله لھم، وھذا الحال عند كل عائلة“.
ویذكر الحاج، أن أول سیارة دخلت منطقة أم قصیر في ذلك الوقت كانت العام 1969 ،وكان الناس حینھا یستخدمون الدواب للتنقل.
ویوضح أن منطقة أم قصیر، كانت تفتقر للخدمات من المدارس والمستشفیات وغیرھا، حتى أن مصادر المیاه كانت بعیدة عن المنطقة، وعلیھ كان تأمینھا أمرا صعبا للغایة، فكنا نتجھ لمنطقة رأس العین على الدواب حتى نصل عین الماء، ثم لنملأ ”القربة“ المصنوعة من جلد الأغنام، والتي تسد احتیاجاتنا لیوم واحد فقط، ثم نعود في الیوم التالي، وھكذا تكون رحلة الحیاة عبر البحث عن الماء.
ویتابع الحاج الجربان ”في بدایة الخمسینیات اھتم والدي بزراعة الأرض بالقمح والشعیر، وتعلمنا طرق الزراعة، مواعید الحراثة والحصاد، وتباشیر ھطول المطر، فبدت الحیاة في الماضي صعبة، خصوصا وأننا كنا نسكن المغر في فصل الشتاء ھروبا من البرودة والصقیع، ثم العودة لبیوت الشعر في فصل الصیف“.
ویبین أن أول بناء شید في المنطقة وصنع من الطین وسقفھ من النخیل ھو مسجد منطقة أم قصیر في نھایة العام 1947.
ویستذكر الحاج الجربان أیام الربیع، واصفا إیاھا بأنھا ”الفترة الجمیلة من العمر“، بحیث یجتمع الأھالي والأصدقاء، یتبادلون الأحادیث والسھر تحت ضوء القمر، بدون وجود مؤثرات صوتیة تملأ المكان بالصخب والفوضى، فترى صفاء الذھن في العیون والعقول.
ویكمل الحاج الجربان حدیثھ ”بعد زواجي التحقت بالعسكریة لأخدم بلدي وأدافع عنھا، وكانت تجربة ممیزة بخدمتي بالجیش، وأصبحت في صفوف المدافعین عن القدس، فكنا نذھب مع رفاق السلاح الى المدینة المقدسة ونمكث ھناك، ولا نعود الى المنزل إلا بعد مرور شھرین متواصلین، لنقضي استراحة 48 ساعة فقط مع عائلاتنا“.
ورغم التعب والتحدي، إلا ”أننا كننا نشعر بالفخر والاعتزاز بما نقدمھ“، موضحا ”كان التنقل من عمان للقدس بالسیارة العسكریة أو بالباص“، و“أذكر بأن الأجرة حینھا كانت 10 قروش، أما الراتب فلم یتجاوز 7 دنانیر“.
تزوج الحاج الجربان العام 1957 ،ورزقھ الله بـ8 ذكور و4 إناث، ولدیھ أحفاد یعتقد بأن عددھم وصل لغایة الـ“50 ″حفیدا، لكنھ لا یستطیع معرفة أسمائھم جمیعا، حسب قولھ.
حدیث الحاج عیسى مصبح الجربان وحیاتھ قصص ومحطات تضيء عتمة النفوس، وتؤشر إلى صور زاھیة من جمال العمر وصدى السنین، فلكل عبارة رونق خاص، ولحیاتھ طعم ممیز یعكس لحن حیاة البداوة والصحراء، وإرث الماضي.