عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Nov-2023

طوفان الأقصى غزة بعيون أحفادي*إسماعيل الشريف

 الدستور

لا مكان أكثر وحدة في الكون من محيط سرير طفل موجوع لم تعد لديه عائلة تعتني به – د.غسان أبو ستة
في مكان ما على أطراف اللد ستجد ماء سبيل كتب عليه عن روح جدتي نبيهة الهنيدي، إثر طردنا من اللد في 13 تموز 1948، ماتت عطشى.
في كل رشفة ماء أشربها أفكر بالجراح العظيم البريطاني الفلسطيني الأصل غسان أبو ستة الذي جاء من نعيم بريطانيا إلى جحيم غزة ليساعد أهلها ويسجل شهادته للتاريخ، يقول بعد العملية التي أجريتها لأنس، كان عطشاناً، أحضرت له الماء، سيحفر في ذاكرتي أن الصبي كان عطشاناً في لحظاته الأخيرة.
في بيتنا علب حليب لحفيدي، ولا أراه إلا وهو يشرب الحليب، لم أستطع الابتسامة عندما شاهدته يحتسي «رضعته»، سألتني ابنتي مالي أراك عابساً؟ كدت أن أقول أني تذكرت عبد الهادي العملة وهو يقول : اتصلت بعائلتي لم يأكلوا منذ الأمس، ابن أخي عمره ستة أسابيع يبكي لأن الحليب نفد ولا يوجد حليب نسأل الله أن لا تموت أمه مصدر الحليب الوحيد.
عندما يأكل أحفادي أفكر في أطفال غزة، أفكر في الآباء الذين ينتظرون في طوابير الخبز، وينطبق عليهم حرفيا وصف الرغيف المغموس بالدم، يقول أحمد الناعوق: هذا سامي عاشور خرج مع ابنه عبد الله ليبحث عن طعام، قتلت «إسرائيل» كليهما، لقد ماتوا جائعين.
وهل يوجد أحد يموت جوعاً أو عطشاً في عام 2023!
في شهادة الصحفية بيسان: حتى لو نجونا من الفسفور الأبيض ونجونا من قصف المدارس والمستشفيات، لن يكون هنالك طعام، لا توجد مياه إلا مياه البحر المالحة، الآن البحر هو كل شيء، يريدون قلتنا جوعا، ولا توجد مساعدات تدخل غزة.
هذا أول حصار في العالم الحديث تستخدم فيه أساليب العصور الوسطى بالإضافة إلى الأسلحة الفتاكة، يحظى بموافقة دول تدّعي الحرية والديمقراطية وتتغنى بحقوق الإنسان. ولكن مهلاً ألم يفعل الغرب ذلك في مستعمراته؟لقدأبادوا شعوباً كاملة عن بكرة أبيهم!
هم النازيون الذين انتصروا على هتلر النازي، بفرق وحيد أن جرائمهم لا تسمى بالمحارق أو الإبادة الجماعية، يفعلون ذلك لأننا بالنسبة إليهم حيوانات متوحشون ومجازرهم هذه تسمى تصدير الحضارة، أزيلت الأقنعة، هم الكفرة الفجرة.
مهما كنت قلقًا سأنام وأنا مطمئن أنني سأصحو غداً وستكون زوجتي بجانبي ووالدتي تقرأ الصحيفة وأولادي في الفراش، سأصرخ بهم ليستيقظوا، وسيستيقظون، كم من طفل نام في غزة ولم يستيقظ؟ تروي الدكتورة تانيا الحاج حسن: أخبرني طبيب أن طفلة مصابة لم تتجاوز العاشرة من عمرها أخرجت له ورقة كتب عليها 27 اسماً، قالت له هؤلاء أسماء عائلتي الذين كانوا معي في بيتنا الذي قصف، من فضلك ابحثوا عنهم تحت الأنقاض وتشير إلى أحد الأسماء فتقول هذه اختي لا تبحثوا عنها لأني متأكدة أنها ماتت.
قصص صعبة تعجز جميع لغات العالم التعبير عنها وتلجم فطاحل الشعراء، تتساءل طفلة بعد أن انتشلت من الركام، هل ستأخذني للمقبرة عمو فيجيب لا يا عزيزتي أنت على قيد الحياة وجميلة كالقمر.
يحاول الأوغاد قتل أكبر عدد من الناس، يوزعون الأسلحة على المستوطنين، يستدعون أكثر القصص دموية في التوراة: فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعاً، بَقَراً وَغَنَماً، جَمَلاً وَحِمَاراً.
يريدوننا أن نرى ونسمع ونخاف، هذه طريقتهم اقتل الأطفال ليخاف الكبار!
لا أعرف كيف أصف مشاعري، هي مشاعر مختلطة من الغضب والحزن والألم وعقدة الناجي، أيعيب الرجل أن يبكي وأن يرى حياته الرتيبة السخيفة التي لا يستحقها بعيون أطفال غزة، أنحن أفضل منهم وأولادنا أفضل من أولادهم؟ أنستحق حياة أفضل من حياتهم؟
يمس الأمر أعماقي، عزائي الوحيد أنهم شهداء عند رب رحيم، وأن دماءهم بإذن الله لن تذهب سدى سيكبرون معنا عندما ندخل الأقصى فاتحين.
ستحرر فلسطين، سأذهب إلى سبيل نبيهة، سأغتسل هناك، سأنظف جسدي من أوهام حضارة الغرب ووحشية الاحتلال وخذلاني لأهلي في غزة!
بين طوفان الأقصى ونبيهة خمسة وسبعون عاما من الظلم، آن له أن ينتهي.