"أكتب موتي واقفا".. شهادة من قلب الصراع لجواد العقاد
الغد-عزيزة علي
صدر للكاتب جواد العقاد كتاب "أكتب موتي واقفًا – هوامش الكتابة والحرب"، ويعد هذا الكتاب شهادة حية من قلب الصراع، ومرآة لما يكتنزه النص الفلسطيني من ذاكرة ومعاناة وإبداع.
يحكي الكتاب عن تجربة الكاتب مع الحرب، وغزة المدمرة التي لم تفقد روحها، ويقدم قراءة متفحصة للشعر الفلسطيني كأداة مقاومة وحياة، يجمع بين التوثيق الفني والشهادة الإنسانية، ويبرز كيف يتحول الألم والخراب إلى نصوص نابضة بالحياة، تنبض بالمقاومة، الانتماء والبقاء.
الكتاب، الصادر عن دار الشروق للنشر والتوزيع، كتب تقديمه الشاعر المتوكل طه تحت عنوان "شاعر ربته الحروب – جواد العقاد يكتب الحياة ويحرس المعنى". يشير طه في تقديمه إلى أن غزة، "القطاع والمدينة"، كانت فضاء باذخا منذ آلاف الأعوام، تغري المارين بها للبقاء فيها والاستمتاع بحراكها وتنوعها الساطع، وبساتينها المزهرة، وقصورها المزخرفة، وشوارعها النابضة بالحياة، حتى وصفت بأنها أكبر مدينة "كوزموبوليتي" قبل آلاف السنين.
ويقول طه "إن غزة هي غزة التي كانت بيوتها أغنية للبحر، تعشق البرتقال، وتنام على وردة التعب، لتظل شمعة كونية يتحلق حولها الضوء والملائكة، ويبقى شعبها حقيقيًا يسكن في ترابها وسمائها، يقاتل كل غاصب ويقاوم كل احتلال. لقد عرفت غزة وأحببتها، وقد عكرت دمي بعسلها!"
ويقول طه "إنه لا غريب في غزة سوى الاحتلال والقتلة". ويعترف بأن هواه غزاوي مائة بالمائة، ويشرفه عشقه لغزة وأهلها الطيبين. في غزة التقى صديقه وأخاه الحبيب، الشاعر جواد العقاد، الشاب شديد التهذيب والدماثة، الذي لا يتكلم إلا عند الضرورة، ويدهشك ترتيب جمله ونقاؤها وجدتها. يبتسم وكأن قلبه الضاحك المتفائل قد انطبع على وجهه البشوش. هو وقور هادئ وخفيف الظل، تشعر وكأنك التقيته في حياة أخرى، قريب للروح كصديق عريق وأثير".
ويرى طه، أن الشعر الفلسطيني في أغلبه هو تعبير عن ضائقة، وشعرنا في أكثره شعر ضحايا! هذا يدفعنا إلى فهمه من منطلقه التاريخي ودوافعه النفسية وبيئته الاجتماعية والسوسيولوجية، مع ضرورة ألا نغفل جمالياته وبلاغاته، ولا أن نغض البصر عن لغته وطرائق استخدامها وطاقاتها. فالشعر يكتب أولا وأخيرا، ليكون ذروة التعبير عن الإحساس، أي إنه يدخل منطقة الفن، وكل ما يدخل هذه المنطقة يجب أن يحكم بمعاييرها، وإن كانت هذه المعايير، أيضًا، تمثل في جوهرها رؤية لا أكثر.
ويقول طه "إن بين دفتي هذا الكتاب، شهادة حية من قلب الحرب، شاهدة عليها وحاملة آثارها وتداعياتها على الكلام المشع والخاص. صديقه جواد العقاد، منذ أن فتح عينيه، دهمته أربع حروب وحصار، كأنه اعتاد هذه الحالة، ما جعله يصمد رغم ثقل الاجتياح والدمار والصلف الدموي، واللهيب، وتشقق الشفتين، وانعدام أسباب التنفس أو النوم. إنه ابن هذا الزمن المخسوف الخاسف، فجاء وقد ربته الحروب، وأصلت مداركه تحديات البقاء وأسئلة المقاومة الواجبة الوجود".
ويشير طه إلى أن العقاد وجد صوته، وما امتلكه من حساسية وخصوصية، قاموسا وأسلوبا، بمرونة وشفافية ومخيال ذكي جعل نصه مقبولًا في الرنين والفوح والنفاد، من دون أن ينزلق إلى المباشرة أو الصراخ، كما قد يتوقع. وقد استطاع أن ينجو من الحشو والإجهاش، فحقق التكثيف وقدم قطراته صافية.
وتمكن الشاعر من تذويب "الواقع الحربي" في ثنايا نصه وتضاعيفه، ما أبقاه متصلا بالحياة؛ فلم يجنح إلى التهويم، ولم يذهب إلى الهامشي والمعتم، ولم يطرح الأسئلة المجانية، ولم يغرق في الإيروتيك، ولم يثرثر، بقدر ما جعل من المقولات السياسية والوطنية والحياتية، عرفًا يلمع في مفاصل كتاباته، بعيدًا عن الوعظ والتماري والنتوء والخطابة.
ولعل جواد لم يكتف بالقصيدة لتكون ذريعته أمام التاريخ، إذ شفعها وشحذها وتممها بشهادته، التي يراها طه مرافعة تاريخية فريدة، سجل فيها أجواء الكتابة في زمن الحرب. وضع أمام المتلقي فضاءات الأيام الاستثنائية، ساعة القصف والجنائز والنزوح، وليالي الترقب والهلع، وما يشلع القلوب من نياطها، ليعرف القارئ أجواء الكتابة التي يعيشها الفلسطيني تحت السعير والتشريد، والمحرقة التي عفرت الدقائق والأرواح والسماء، ورمدت الأشجار والرضع والطيور، وصوحت بمعطيات جهنمية غير مسبوقة، في أي زمان أو مكان.
ويرى طه، أن الشاعر الذي ينحاز إلى قوة الحياة ومفردات البقاء والتحدي والتوالد والانبعاث، هو من يصر، بأمل واعٍ، على تخطي السواد والانكسار والحرائق التي لا تنطفئ إلا بالدماء. إنه يشهر سيف حروفه في وجه البشاعة والقتل والظلم والعنصرية والاضطهاد والاستلاب والاحتلال. ما يعني أن جواد، الذي ينتصر للقيم المطلقة والمفردات البيضاء، يعطي لمفهوم الأدب المقاوم مضمونه الفعلي والحقيقي، وتعريفه الأصفى والأجمل، لأنه يصطف مع الإنساني في مواجهة كل ما هو فاشي ومسعور وغابي، معتمدًا وعارفًا، أن الاقتصار على شكل مقاوم واحد يتناقض مع جدلية النضال والمقاومة، لأنه يحرس المعنى ولا يخذله.
ويشير إلى أن كتابات وإبداعات العقاد هي المعادل الموضوعي للسلاح الذي يرج المدرعات الدخيلة، ويدافع عن الأرض والعرض والأحلام. وهي شقيقة الفكرة الموارة التي تهجس بالبقاء، رغم كل الحرائق الماحقة والدعوات الساحقة، وترفض ترك موطنها. وهي ترابية القول الفصل الذي يمثل الفلسطيني المعافى المغروس في بلده، والمغروسة فيه، من دون ادعاء أو شدق أو انفعال طفولي أو كاذب.
ويرى طه، أنه رغم الظرف والمناخ المحشور بالمصادر والملاحق والمحترق والفقير والمدقع والمدجج بالأسلاك الشائكة، استطاع العقاد أن يثقف ذاته ويجد ما يملأ روحه ويوقيه من إبداعات ومعرفة وحمولة تصقل خطواته، وتضعه على عتبة هذا البر الواسع، ليلهث فيه ويجد فراشته التي تدف بين البرق والرعد.
ويضيف طه أن الشاعر وجد صوته، وما امتلكه من حساسية وخصوصية، قاموس وأسلوبًا، بمرونة وشفافية ومخيال ذكي جعل نصه مقبولًا في الرنين والفوح والنفاذ، دون أن ينزلق إلى المباشرة أو الصراخ كما قد يُتوقع. واستطاع أن ينجو من الحشو والإجهاش، فحقق التكثيف وقدم قطراته صافية، وتمكن من تذويب "الواقع الحربي" في ثنايا النص وتضاعيفه، ما أبقاه متصلًا بالحياة؛ فلم يجنح إلى التهويم، ولم يذهب إلى الهامشي والمعتم، ولم يطرح الأسئلة المجانية، ولم يغرق في الإيروتيك، ولم يثرثر، بقدر ما جعل من المقولات السياسية والوطنية والحياتية عرفًا يلمع في مفاصل كتاباته، بعيدًا عن الوعظ والتماري والنشوء والخطابة.
ولم يكتف العقاد بالقصيدة لتكون ذريعته أمام التاريخ، بل شفعها وشحذها وتممها بشهادته، التي يراها مرافعة تاريخية، سجل فيها أجواء الكتابة وقت الحرب. وضع أمام المتلقي فضاءات الأيام الاستثنائية، ساعة القصف والجنائز والنزوح، وليالي الترقب والهلع وما يشلع القلوب من نياطها، ليعرف القارئ أجواء الكتابة التي يعيشها الفلسطيني تحت أسداف السعير والتشريد، والمحرقة التي عفرت الدقائق والأرواح والسماء، ورمدت الأشجار والرضع والطيور، وصوّحت بمعطيات جهنمية غير مسبوقة، في أي زمان أو مكان.
ويبين طه ان العقاد ينحاز إلى قوة الحياة ومفردات البقاء والتحدي والتوالد والانبعاث، ويصر، بجسارة وأمل، على تخطي السواد والانكسار والحرائق التي لا تنطفئ إلا بالدماء. إنه يشهر سيف حروفه في وجه البشاعة والقتل والظلم والعنصرية والاضطهاد والاستلاب والاحتلال، ما يعني أن جواد، الذي ينتصر للقيم المطلقة والمفردات البيضاء، يعطي لمفهوم الأدب المقاوم مضمونه الفعلي والحقيقي، وتعريفه الأصفى والأجمل، لأنه يصطف مع الإنساني في مواجهة كل ما هو فاشي ومسعور وغابي، معتمدًا وعارفًا بأن الاقتصار على شكل مقاوم واحد يتناقض مع جدلية النضال والمقاومة، لأنه يحرس المعنى ولا يخذله.
إن كتابات وإبداعات العقاد هي المعادل الموضوعي للسلاح الذي يرج المدرعات الدخيلة، وينافح عن الأرض والعرض والأحلام. وهي شقيقة الفكرة الموارة التي تهجس بالبقاء، رغم كل الحرائق الماحقة والدعوات الساحقة، وترفض أن تترك موطنها. وهي ترابية القول الفصل الذي يمثل الفلسطيني المعافى، المغروس في بلده والمغروسة فيه، دون ادعاء أو شدق أو انفعال طفولي أو كاذب.
وخلص طه، إلى أن الأدب المقاوم ليس اختراعا فلسطينيا بالتأكيد، لكنه ارتبط بهم مدة طويلة من الزمن، وقد يطول الأمر دائمًا. ويتميز الأدب المقاوم بأنه يقوم على ركيزتين مهمتين: الأرض والتاريخ، وهاتان الركيزتان خارجيتان تقومان أساسًا على الفهم الفردي، الذي لا يمكن أن يخالف روح الجماعة أبدًا، والإبداع، وخاصة الشعر. فكل شعر، إذا لم يعبر عن روح الجماعة في زمن ومكان محددين، يتحول إلى مجرد تسلية لصاحبه. ومن هنا، فإن مقاربة القصيدة الفلسطينية من الداخل والخارج معا، حسب افتراضنا، تجعلنا أقدر على الفهم والمشاركة، ومن ثم التذوق الحقيقي.