عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Jan-2020

أدراج عمَّان القديمة.. مليون درجة تحكي ذكريات الناس
 
عمان - حسين نشوان - تقوم مدينة العاصمة الأردنية على عدد من الجبال، وتنقسم في تسمياتها بين الجبال والوديان وتضم جبال عمان واللويبدة والتاج والقلعة ووديان الحدادة والرمم والسير، وجميعها ربطت بعدد من الأدراج منذ القدم للتنقل بينها مشيا على الأقدام أو بواسطة الدواب بسبب الصعوبة الطبوغرافية والتضاريس الجبلية.
 
ويقال إن أول درج أقيم في عمان كان زمن العصر الروماني ليربط بين المدرج الروماني الأثري وجبل القلعة، إلا أنه أزيل من قبل أهالي عمان الذين استعملوه في بناء البيوت، كما يصنف درج الحسين الذي يربط بين وسط البلد وجبل الحسين بأنه أطول الأدراج ويبلغ عدد درجاته 352 درجة.
 
أما درج جبل القلعة -الذي يربط بين شارع الهاشمي (وسط البلد) وجبل القلعة الأثري الذي يشتمل على آثار رومانية وجامع أموي- فيبلغ عدد درجاته نحو 250 درجة، ويعود إلى بداية هجرة الشركس لعمان عام 1870 وبني من الطين قبل أن يرمم مطلع عشرينيات من القرن الماضي برصفة حجرية.
 
ويعرف كل واحد من الأدراج التي بنيت غالبيتها في الثلاثينيات بأسماء محددة منها: درج "سينما الأردن" و"شوباش" و"سراج" و"البلبيسي" و"حتّر" و"جويبر" أو "الكواكب" و"الشرعية" لملاصقته للمحكمة الشرعي، و"منكو" لتوسطه للسوق الذي يحمل اسم التاجر الذي أسسه، ودرج حي الأرمن لارتباطه بالطائفة الأرمنية.
 
ومن الأدراج الشهيرة "الكلحة" الذي تبلغ درجاته 112 درجة، وحمل اسم مختار المنطقة واشتهر بمحل أبو علي لبيع القطايف في شهر رمضان، وحمل الشابسوغ اسم عائلة شابسوغ الشركسية التي كانت تقيم في تلك المنطقة.
 
ضفاف المكان
يقول المؤرخ عمر العرموطي "عدد درجات الأدراج العمّانية تصل إلى المليون وهي تشبه الشواطئ أو الضفاف لسكان المدن البحرية ومتنفس لأبناء المنطقة والصغار الذين يصعب نزولهم مئات الدرجات للعب فيختارون منصة للعب، وبقيت تحمل ذكرياتهم".
 
أما الكاتب الصحفي وليد سليمان فيقول "هناك نحو خمسمئة درج في مناطق عمان المختلفة، وتختلف في عدد درجاتها التي يصل بعضها إلى أكثر من 350 درجة".
 
وكانت الأدراج في عمان القديمة وسيلة للنقل وشبكة للتعارف وربط العلاقات فصنعت نمطا معماريا خاصا وشكلت ثقافة خاصة بها وساهمت في توطيد العلاقات الاجتماعية بين الناس، ولا يتردد كل من يصيبه العطش وهو يصعد الدرج أن يقرع باب أي بيت لطلب الماء مما ساهم في نشر الألفة والود.
 
وتركت تلك الأدراج ذكرياتها عند من مروا بها أو جلسوا على عتباتها، فلكل درجة حكاية، ومنها درج الشرعية الذي يرتبط بذكريات الشباب والفتيات الذين صعدوا بفرح لعقد قرانهم ويحمل ذكريات قصص حزينة عن الفراق بين زوجين انتهت علاقتهم بالانفصال.
 
ويقول نايف محمد خليل (تاجر) إن الكثير من المناسبات تقام عل نهايات الأدراج للأعراس والنجاح والأتراح، وإن كل درجة تمثل صفحة من كتاب الذكريات. في حين يقول محمد القرالة (مصور صحفي) إن الأدراج تشكل شرايين المدينة، وإنه كان ينزل الدرجات لشراء الأغراض من وسط البلد عن طريق درج السرور الذي يربط بين الأشرفية وجبل التاج وسيل عمان (وسط البلد).
 
ونظرا لضيق المساحة كانت ربات البيوت تزرعن النباتات والورود أمام أبواب البيوت وعلى حواف الأدراج بأصص (قواوير) من العلب المعدنية التي جعلت منها حدائق معلقة، ويجعل نهاية الدرج تمثل مطلة للشباب للسهر، وأصبحت فيما بعد تمثل ذكرياتهم.
 
وغدت الأدراج مكانا للقاء العشاق الذين يضعون الأقفال على السياج الحديدي المثبت على حافة الدرج، وصار يمثل ميثقا وعهدا بينهم، كما قال أحد العاملين في مقهى مجاور لواحد من الأدراج.
 
وكانت عادة جلوس نساء الحي صباحا لشرب الشاي أو القهوة أو تحضير الطعام والتطريز والنسج من التقاليد التي ارتبط بأحياء الأدراج، ويجلس الرجال مساء يتبادلون الحكايات والأحاديث، في حين تستخدمه البنات للعب.
 
أنماط معمارية تراثية
ولطوبغرافية عمان التي تتصف بالمرتفعات كانت الأدراج وسيلة التنقل، ومتنفسا وفضاء للبيوت المتشابكة التي تتراصف فوق بعضها بعضا، ويقول المهندس محمد رفيع إن طبيعة البناء على السفوح صنعت ثقافة احترام الآخر، لافتا إلى أن الأدراج تمثل أحد عناصر العمارة المكونة لعمان القديمة وأن الطبيعة الجبلية فرضت هذا الشكل من البناء.
وحظيت الأدراج كنمط معماري وثقافي باهتمام أمانة (بلدية) عمان والمجتمع والفنانين كمناطق سياحية بالترميم والتزيين بالرسومات والألوان لتمثل روح عمان القديمة الحديثة، وتحولت بعض البيوت المحاذية للأدراج إلى مقاه ومكتبات ومحلات لبيع الأعمال الفنية واللوحات والقطع التراثية مما أضفى على الأدراج جمالية كبيرة.
 
ولم تغب الأدراج عن ذاكرة الشعراء، ومنهم حيدر محمود الذي كتب:
"منذ القرن الماضي
لم أصعد درج الكلحة/ لكن حين رآني،
ناداني باسمي".
 
وعملت الجمعيات الثقافية والمبادرات على تحويل الأدراج إلى منصات للفنون المرئية والسمعية والموسيقية، ويقول الكاتب يحيى صافي مؤسس منتدى جدل ومنسق برامج مديرية الثقافة بأمانة عمان "تجربة ثقافة الأدراج معروفة عالميا في برشلونة وغرناطة بإسبانيا والبرازيل والقاهرة، وهي التي حولت الدرج من وسيلة للتنقل إلى منصة ثقافية ومكان حضري ثقافي اجتماعي جمالي".
 
ويرى أن الأدراج تمثل أرشيفا ووثيقة للتشكل الاجتماعي في عمان القديمة وأنها تشبه الممرات التي تحمل الإنسان لعوالم أخرى صعودا وهبوطا، وأن هذا الممر حمل صفات تلك الوظيفة وهويتها وأن المبادرات التي يقوم بها الشباب المتطوعون للرسم الغرافيتي تركز على هذا الجانب لاستعادة ذاكرة المكان. 
 
منصات فنية
حظيت الأدراج بعناية الشباب والزوار -تحديدا الأماكن الشعبية بعمان القديمة- وهو ما دفع المؤرخ العرموطي للدعوة لتسجيلها باليونسكو ضمن التراث العالمي وموسوعة غينيس ومنها: مبادرة "لنلونها" برسم عدد من الجداريات والأعمال الغرافيتية، ومبادرة "حجرة ورقة بلد" التي ظللت الأدراج بالشمسيات الملونة وعقدت جلسات لسرد الحكايات العمانية وعرض المشاهد المسرحية القصيرة.
 
يقول الفنان محمد العامري "فكرة الصعود ممزوجة باللهاث والتعب، ويأتي الفن التشكيلي ليخفف بصريا من قسوة الصعود ويغير مزاج الأمكنة لتصبح أكثر راحة وجمالا" في حين يقول رئيس رابطة التشكيليين الأردنيين كمال أبو حلاوة إن عمان تتنفس بجبالها من خلال شرايينها التي هي الأدراج وإن مساهمة الفنانين لتزيينها تأتي لاستعادة ذكرياتهم بتدوينها بصريا.
 
وتحولت الأدراج إلى منصات فنية لتقديم العروض الموسيقية، ونظمت فرق موسيقية مهرجانات قدمت خلالها فقرات غنائية لعدد من الفرق المستقلة ليتحول الدرج من مكان للتنقل إلى منصة ومدرج للثقافة والفنون. 
 
المصدر : الجزيرة