عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Mar-2023

من يحمي الاطباء؟*د. محمد رسول الطراونة

 الراي 

عند تقديم الخدمة الطبية للمريض فان الطبيب يلتزم ببذل العناية الطبية الفائقة وليس تحقيق الشفاء، لأن الشفاء بيد الله- عز وجل- وهذا ما جاء في قوله تعالى {وإذا مرضت فهو يشفين}، فجوهر هذه الخدمة يقوم على «احتمال شفاء المريض وليس ضمان الشفاء»، بالرغم من هذه الحقيقة وغيرها من الحقائق التي لا يتسع المجال لسردها إلا أن حالات الاعتداء على الكوادر الطبية خاصة الاطباء منهم ازدادت في الآونة الأخيرة واصبحت تاخذ منحنى اكثر شراسة وايذاء، هذه الظاهرة المستهجنه في مجتمعنا المتسامح بفطرته والدخيلة على عادتنا وتقاليدنا قد تتفاقم اكثر إذا لم يتم مواجهتها اليوم قبل الغد بحزم وشجاعة.
 
إن تزايد الاعتداءات على الكوادر الطبية تحديدا في مستشفيات وزارة الصحة مؤشر خطير على فشل كل المحاولات التي تبذل ومنذ عقود لكبح جماح هذه الظاهرة، فمع كل حادثة إعتداء تتداعى الجهات المختصة والإعلامية لتسليط الضوء على الحادثة وشجبها واستنكارها، ثم ما يلبث الموضوع أن يطوى وينسى وامل ان لا يناب حادثة الاعتداء الاخيرة على احد الزملاء في مستشفى الامير حمزة شيء من النسيان والخذلان للاطباء.
 
لقد اصبح واضحا بإن تنامي هذه الظاهرة ما هو الا مؤشر على أن فجوة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة الخدماتية آخذة بالاتساع، وأن المؤسسات الصحية ومرافقها في القطاع العام ليست إستثناء من أزمة الثقة التي نعيش، فحري القول بان ردم هذه الفجوة يحتاج الى جهودً متكاملة من جميع الجهات المعنية والى تبني نهج تشاركي من القطاعات المختلفة بعيدا عن المجاملات، فهناك الكثير من الحلول التي يجب المباشرة بالعمل عليها لمواجهة هذه الظاهرة لعل في مقدمتها وضع إستراتيجية وطنية بالتعاون والتنسيق بين جميع الجهات ذات العلاقة من وزارات ا?صحة والداخلية والتربية والجامعات والنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني للقيام بالتوعية اللازمة بخطورة هذه الظاهرة وأثرها على مستوى الخدمات الطبية خاصة عندما ينتاب الكوادر الطبية شعور بعدم الامان والخوف أثناء مزاولتها لعملها.
 
ولعل الواجب يتطلب العمل وبالسرعة الممكنة على زيادة أعداد الكوادر الطبية في نقاط التماس المباشر مع المواطنين وفي مقدمتها اقسام الاسعاف و الطواريء والتوزيع العادل للكوادر الطبية بين المستشفيات وحتى بين اقسام المستشفى الواحد، والعمل على تطوير كفاءاتهم بالاضافة الى تخفيف العبء على أقسام الطوارئ في المستشفيات من خلال تنظيم العمل فيها بشكل افضل مما هو علية اليوم بحيث يتم الفصل التام بين اماكن انتظار مرافقي المريض واماكن تقديم العلاج للمرضى وبما يضمن ايضا انسيابية المرضى وذلك منعاً لأي احتكاك بين الطرفين وزيادة ا?داد الكوادر الطبية في اقسام الطوارئ والأقسام التي تشهد ازدحاماً، وبات من الضروري ايضا الاسراع في تفعيل دور مراكز الرعاية الصحية االشاملة كنقطة التماس الاولى مع المريض واعادة تاهيلها لتساهم في تخفيف الاكتظاظ في اقسام الطوارئ ومن الظروري ايضا الاهتمام بتطوير مهارات الكوادر الطبية في التواصل مع المواطنين، وإعادة النظر في بيئة عمل هذه الكوادرومنها ساعات العمل الطويلة للاطباء المقيمين وأن لا يغيب عن الاذهان تطوير التشريعات الرادعة لكبح جماح هذه الظاهرة بما فيها بتشديد (تغليظ) العقوبة على المعتدين.
 
الأمر يتطلب التعامل مع جذور هذا الشكل من العنف وفقا لنموذج منظمة الصحة العالمية الموجه نحو جذور العنف ضد الكوادر الطبية، حيث يشير النموذج الى ثلاث مجموعات من عوامل الخطورة لحدوث العنف منها عوامل تتعلق بالشخص المعتدي والذي قد يعاني من اضطرابات الشخصية (الشخصية العدوانية) او يعاني من بعض الامراض النفسية او الادمان، وعوامل خطورة تتعلق ببيئة العمل غير الآمنة مثل اكتظاظ اقسام الطوارئ بالمراجعين وعدم كفاية المساحات فيها وعدم وجود مقاعد مناسبة في اماكن الانتظار وعدم كفاية الكوادر الطبية، وعوامل خطورة متعلقة بالصو?ة النمطية السلبية السائدة في المجتمع وفي الاعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي حول تردي الخدمات الصحية في مستشفيات وزارة الصحة والاعتقاد الخاطئ والسائد حول عدم كفاءة اطباء القطاع العام اذ يشكّل فقدان الثقة أرضيّة خصبة للتوتر لدى الطبيب والمريض ومرافقينه على حدّ سواء، وبالتالي زيادة احتمال حدوث العنف ضدّ الكوادر الطبية خاصة الأطباء منهم.
 
خلاصة القول، عدة عقود مضت على أول حادثة إعتداء على طبيب وما زلنا نبحث عن حلول لهذه المشكلة، اتمنى أن لا تضيع الحلول كما ضاعت لحية صاحبنا بين «حانا » و"مانا».