الغد-هآرتس
ضياء حاج يحيى 26/3/2025
شارعان فقط يفصلان بين الواقع الذي يعيش فيه سكان مدينة جنين والذي يعيشه مخيم اللاجئين القريب. في الواقع الأول المشترون يملأون الحوانيت في الشارع الرئيس للمدينة قبل عيد الفطر الذي سيبدأ الأسبوع المقبل، والسوبرماركت الفاخر "ستي سنتر جنين" الموجود في شارع حيفا يضج بالحياة. حركة المشترين وضجة الشارع تختلط معا، حيث عشرات الأشخاص يتحركون بين البسطات والمطاعم ومحلات الحلويات وهم يحملون أكياس في أيديهم وإلى جانبهم أولادهم يركضون بانفعال.
على مسافة بضع مئات الأمتار من هناك، الطريق إلى مخيم جنين تذهب إلى عالم آخر، هكذا فان القوانين فيه مختلفة بشكل جوهري. الشوارع المعبدة أصبحت طرق ترابية، واجهات المحلات التي كانت تضج بالحياة في شهر رمضان استبدلت بالقضبان الحديدية، ولا يوجد ذكر للمصابيح التي تنبعث من السوبرماركت. منذ بدأ الجيش الإسرائيلي بالعملية العسكرية في المخيم في كانون الثاني الماضي والشوارع فارغة، معظم المحلات مغلقة والهدوء يخيم هناك. المخيم، الذي كان ذات يوم يضج بالحياة، يشبه الآن مدينة الاشباح.
على مدخل المخيم يبرز الدمار الذي زرعه الجيش. جدران مثقبة بالرصاص تقف إلى جانب بقايا هياكل المباني التي انهارت تحت وطأة الجرافات. على الأرض المياه التي تتدفق من الانابيب التي انفجرت تختلط بمياه المجاري وتخلق برك رمادية. عدد من البيوت التي تضررت ما زال قائما، لكن يتم استخدامها فقط مثل ديكور، لأنه تم منع سكانها من العودة اليها. مبان أخرى يتوقع أن تختفي في القريب، لأن الجيش الإسرائيلي أبلغ في الأسبوع الماضي عن نيته هدم 95 بيتا في المخيم بهدف تغيير مخططه وفتح طرق قابلة للوصول إليها للسيارات المحصنة.
الجيش يعمل في المخيم كجزء من تحديث أهداف الحرب في الكابنت في كانون الثاني، بحيث تشمل أيضا الضفة الغربية. نتيجة لذلك الجيش الإسرائيلي عمل في نطاقات كبيرة في مخيمات اللاجئين في الضفة. الهجمات من الجو في المنطقة ازدادت، في شوارع كثيرة ازدادت الحواجز وتم إخلاء من المخيمات ليس أقل من 30 ألف شخص. وحسب أقوال رئيس اللجنة الشعبية في مخيم جنين للاجئين، أكرم الرجوب، فإن 800 من بين الـ 1050 بيتا في المخيم تم تدميرها بالكامل أو بشكل جزئي، حتى قبل الهدم المخطط له.
لا يوجد من يدافع عنا
في هذا الأسبوع ثلاثة من سكان المخيم وقفوا على مدخل المخيم الشمالي قرب كومة من التراب التي وضعها الجيش، ونظروا بهدوء نحو الجهة التي كان فيها بيتهم. بين حين وآخر قاموا بحني رؤوسهم، وبعد ذلك مرة أخرى نظروا نظرة خاطفة نحو الشارع الذي يوجد خلف الحاجز المرتجل. غير بعيد عنهم سمع صوت إطلاق نار، ربما بهدف الردع أو ردا على إطلاق سابق. الرجال ظهروا متوترين ولكنهم لم يتفاجأوا. "ما الذي يحدث هناك؟"، سئل أحدهم. هو رد باختصار: "الجيش يطلق النار على كل من يقترب"، قال ذلك بهمس تقريبا وبدون أن ينظر.
قوات الجيش الإسرائيلي تمركزت على بعد 200 متر من هناك. أبو احمد، أحد سكان المخيم (في الخمسينيات) وضع يده على صدره وتنهد بعمق. "أنا أعيش على بعد خمسين متر من هنا"، وأشار إلى أحد الشوارع المدمرة. "بيتي سيتم هدمه وأنا أريد إخراج منه بعض الأغراض التي احتاجها أنا وبناتي. ولكني لا أستطيع. قبل يومين حاولت الدخول ولكني خرجت بدون أي شيء. لا يوجد هناك ما نفعله، الجيش لا يسمح لنا".
"شاهدت بيتي في النبأ الذي نشر، وهو أحد البيوت الـ 95 التي سيتم هدمها"، صوت أبو أحمد ارتجف قليلا وهو يواصل التحدث. "تفاجأت. وحتى الآن لا أستوعب ذلك. أنا منذ ستين يوم أسكن بالإيجار، وليس لدي المال لإنهاء الشهر. وضعي الاقتصادي صعب جدا والآن لا يسمحون لي بأخذ أغراضي. كل حياتي تدمرت".
قال سامر الهندي أيضا، أحد سكان المخيم (38 سنة)، ينظر من بعيد إلى الحي الذي تربى فيه والآن هو لا يستطيع الاقتراب منه. "منذ بضعة أيام وأنا أريد الدخول إلى الحي"، قال بذهول. "لكني لا أستطيع. أنا غير مستعد لذلك. هذه ليست حياة. لا يمكن مواصلة العيش في هذه الظروف. كل أسبوع، كل شهر، هناك اقتحام للجيش وتدمير آخر. هذا لا ينتهي".
خلافا لبيوت كثيرة أخرى في المخيم فإن بيت الهندي لا يظهر في قائمة المباني المعدة للهدم. ولكن هو وعائلته طلب منهم إخلاؤه قبل شهرين تقريبا. "ربما أن البيت ما يزال قائما، لكني لست هناك. أنا مهجر مثل آلاف آخرين. أحد أقاربي أطلقت عليه النار وقتل عندما حاول اجتياز الشارع. اطلاق نار من قبل الجيش في المخيم. نحن مكشوفون ولا يوجد من يدافع عنها".
قال بحزن الهندي تنفس عميقا ورفع عينيه نحو الشارع المدمر الذي عاش فيه في السابق وواصل بصوت مصمم أكثر. "هذا ما يريده رجال بن غفير وسموتريتش، إخراج جميع الفلسطينيين من بيوتهم وتدميرها، وتحويل المخيم إلى مكان غير قابل للحياة، وجعلنا نتنازل. ولكن نحن لن نتنازل. هذا وطننا. نحن سنبقى هنا أيضا حتى لو اضطررنا إلى دفع الثمن بدمائنا".
المغادرة تحت النار
منذ بداية العملية، مئات العائلات اضطرت إلى مغادرة البيوت في مخيم جنين تحت النار عندما دخل الجيش اليه. محمود بركات، احد سكان المخيم (46 سنة)، قال إنه حتى من امتثل لتعليمات الجيش كان في خطر. "نحن هربنا تحت النار الحية. في ظل إطلاق نار كثيف من كل الجهات"، قال. "الجيش استخدم مكبر صوت من اجل أمرنا بالخروج. لم يكن أمامنا أي خيار. بعد الإعلان بمكبر الصوت بدقائق بدأت النار الحية".