عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Aug-2025

الذكاء الاصطناعي يكشف عن دور "صانع المفاتيح" الجينية في جسدك

  الغد- لطالما حير العلماء لغز تحول خلية واحدة إلى مليارات الخلايا المتخصصة التي تشكل أجسام الكثير من الكائنات الحية، من خلايا دم تحمل الأكسجين إلى خلايا قلبية نابضة منذ بداية العمر إلى نهايته، وحتى خلايا دماغ عصبية معقدة وشديدة الحساسية. هذا هو جوهر ما يعرف بيولوجيا باسم "التمايز الخلوي".

 
 
ورغم احتواء كل خلية حية على الجينات نفسها، فإن كلا منها تتمايز بشكل مختلف أثناء النمو وتكون الجنين عبر نوع مميز من الخلايا، يسمى الخلايا الجذعية الذي يمتلك مرونة تمايز مذهلة.
 
وتكمن مشكلة التمايز الخلوي في أن "عوامل النسخ" - وهي البروتينات التي تعمل كمفاتيح لتشغيل وتثبيط الجينات - غالبًا ما توجد بمستويات متداخلة في الخلايا الجذعية، مما يصعب فهم كيفية اكتساب كل خلية هويتها الدقيقة.
وفي سياق هذا اللغز المعقد، ركزت دراسة حديثة، منشورة في دورية "ذا سيل"، على آليات بيولوجية مثيرة وغير متوقعة تتحكم في هذه العملية.
وتقول مي مبروك، أستاذة المعلوماتية الحيوية الطبية بجامعة النيل الأهلية المصرية، وغير المشاركة في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت "تعد الدراسة نموذجا متقدما في الربط بين التجريب واسع النطاق والنمذجة التنبؤية، وتفتح المجال لتطبيقات محتملة في العلاج الجيني والهندسة الخلوية".
وتضيف هذه الدراسة تعد الأولى من نوعها في تقديم تحليل وظيفي شامل للتفاعلات بين 38 عامل نسخ في خلايا جذعية دموية أولية، وهذا ما يمنحها ثقلا رياديا في هذا المجال".
اعتمدت الدراسة على منهجية مبتكرة، تقوم على استخدام تسلسلات حمض نووي اصطناعية، لتجاوز تعقيدات الجينوم الطبيعي، تبنى الباحثون نهجا فريدا من نوعه. فبدلا من دراسة الجينات كما هي في الطبيعة، قاموا بتصميم وبناء 64.400 تسلسل حمض نووي اصطناعي، تحتوي على مواقع ارتباط محددة لـ38 عامل نسخ رئيسي.
وسمحت هذه البيئة الجينية المحكمة بالتحكم الكامل في كل متغير، مثل عدد مواقع الارتباط وقوتها والمسافة بينها.
وتشرح مي مبروك "اعتمدت الدراسة على منهجية مبتكرة تقوم على استخدام تسلسلات حمض نووي اصطناعية مصممة بعناية، لتحتوي على مواقع ربط لعوامل نسخ مختارة ضمن خلفيات عشوائية، مما يسمح بعزل تأثير تلك العوامل بعيدًا عن التعقيدات الجينومية الطبيعية".
وتضيف "لقياس نشاط هذه المحفزات، استخدم الباحثون تقنية الاختبار الموازي على نطاق واسع للمراسل، وهي تقنية تسمح بتقييم آلاف التسلسلات في آنٍ واحد، من خلال ربط كل محفز "بكود باركودي" فريد يمكن تتبعه عبر التسلسل".
وتعد هذه التقنية أداة مثالية لتحديد القواعد التنظيمية لعملية التمايز التي يصعب اكتشافها باستخدام التسلسلات الجينومية الطبيعية وحدها. وقد أجريت التجارب على خلايا الدم الجذعية والسلائف الأولية للفئران، التي تمايزت في المختبر إلى 7 حالات خلوية مختلفة، مما يحاكي بدقة عملية التمايز الطبيعية في الجسم.
وهذه الخلايا نوع من الخلايا الجذعية متعددة القدرات، وتوجد بشكل أساسي في نخاع العظم، ولديها قدرة فريدة على تجديد نفسها وإنتاج جميع أنواع خلايا الدم المختلفة في الجسم، بما في ذلك خلايا الدم الحمراء، والخلايا الليمفاوية، والخلايا النخاعية وغيرها.
بعد جمع البيانات من التجارب، استخدم الباحثون أدوات الذكاء الاصطناعي لبناء نماذج يمكنها التنبؤ بكيفية تصرف المحفزات الجينية المختلفة في ظل ظروف معينة أو في خلايا محددة. وهذه النماذج تساعد على فهم القواعد التنظيمية المعقدة التي تحكم التعبير الجيني.
وقدمت الدراسة مفهوما غير مسبوق من ازدواجية ثالثة يعرف بـ"الازدواجية التركيبية"، حيث يمكن لمزيج من عوامل منشطة أن يؤدي إلى تثبيط التعبير الجيني، نتيجة لتآزر سلبي مثبط بين عوامل النسخ.
تفتح هذه الاكتشافات الباب أمام إمكانيات جديدة في تصميم المحفزات الجينية كمفاتيح تحكم للحياة بقدرات تنظيمية مذهلة. فقد تمكن الباحثون من تصميم محفزات اصطناعية تحقق أنماط نشاط محددة في خلايا معينة، مما يمثل قفزة نوعية في مجال البيولوجيا التركيبية. هذه القدرة على "تصميم" عناصر تنظيمية حيوية من الصفر، تحمل وعودا كبيرة في مجالات عدة.
وهذه الدراسة ليست مجرد إنجاز علمي، بل هي خطوة محورية نحو فك أحد ألغاز الحياة المعقدة والكامنة داخل خلايانا، كما تفتح بابا واسعا على الكثير من الأبحاث وتمنح البشرية أداة جديدة ربما تصنع المعجزات.