عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Jul-2020

سنون عجاف في أرض الكنانة… إهداء إلى الراحل حسنين كروم - الطاهر الطويل

 

القدس العربي - منذ أكثر من ربع قرن، استرعى انتباهي في صحيفة «القدس العربي» التقرير اليومي عن الصحف المصرية بقلم الصحافي حسنين كروم، الذي رحل عن الدنيا الفانية هذا الأسبوع.
ومما يشد الانتباه أن ذلك التقرير، الذي يندرج ضمن توصيف «السهل الممتنع» لم يكن محض جرد لأقوال الصحف، بطريقة تقريرية جافة، بقدر ما كان أسلوبا جذابا وشائقا، يضفي عليه الصحافي حسنين الكثير من ذاتيته، ويتدخل للانتقال من فقرة إلى أخرى بالتعليق والنقد على هذا الكاتب أو ذاك الموقف.
وكانت تلك الذاتية تُكسِب مقالات زميلنا الراحل طرافة وفرادة مميزتين، تتقويّان أكثر بالملمح الساخر من جهة، ومن جهة ثانية بالخلفية السياسية القائمة على الانحياز إلى الشعب والطبقة المسحوقة، وانتقاد الانحرافات الحاصلة في السلوك السياسي لدى الطبقة الحاكمة. ورغم أن حسنين كروم لم يكن يخفي «ناصريته»، بل يجاهر بها في الكثير من تقاريره، فإن ذلك لم يكن يمنعه من فسح المجال للآراء المختلفة وتقديمها إلى قارئه، تكريسا للموضوعية والتوازن.
وحتى عندما صارت تقارير زميلنا الراحل تشغل صفحة كاملة من صفحات «القدس العربي»، فإن هذا التوسع في الحيز لم ينقص من جاذبيتها، بالعكس من ذلك صارت مادة دسمة تفتح الشهية للقراءة والاستمتاع، بما يحقق «لذة النص» وفق تعبير رولان بارث.
 
«الحالة الملائكية»
 
رحيل حسنين كروم جاء في خضم الذكرى السابعة لما سمّي «ثورة 30 يونيو» في مصر. وسمّاها آخرون «انقلابا» عن الشرعية، فيما اختارت لها فئة ثالثة نعت «نكسة».
وقد تكرّم الزميل حسنين كروم على عبد الفتاح السيسي ببعض الفقرات التي استقاها من خطابه «التمجيدي» بهذه المناسبة، في الوقت الذي تباينت فيه مواقف الفضائيات العربية إزاء الموضوع.
في مقدمة الجوقة التطبيلية، لن يجد المرء أحسن من عمرو أديب (نجم أم بي سي 5 مصر) الذي طفق يعدد النعيم الذي صار يرفل فيه المصريون تحت حكم السيسي، لدرجة أن البلد تحقق فيها فائض من الكهرباء، وأمست مصر قادرة على تصدير هذه الطاقة إلى بلدان أخرى، تمامًا مثلما تُصدّر نموذجها السياسي الفريد من نوعه.
وفي السياق نفسه، كاد الإعلامي تامر أمين في قناة «النهار» ينطّ من البهجة، ويقفز من على كرسي البرنامج، وهو يعلن احتفاله بالذكرى «المجيدة»، ويُظهر للمشاهدين فرحه بارتدائه سترة بيضاء، لباس الملائكة (حسب تعبيره، ولا ندري من أخبره بأن الملائكة يرتدون لباسا أبيض؟)، وقال إن هذا اللباس يصلح للتعبير عن الحالة «الملائكية» التي كانت موجودة لدى كل مصريين يوم 30 حزيران/ يونيو 2013.
وجاء المستشار عدلي منصور، أيضا، ليصرّح لإحدى قنوات السيسي مقسمًا بأغلظ الأيمان أن ما حصل في البلد «إعجاز» في كل المجالات، وأن مَن يعارضه أو ينتقده ليس إلا حاقد ومُغرض!
إنهم يرونها «سبع سنين شدادا»، ولكن آخرين يعتبرونها «سنينا عجافا» ستطول إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. وهكذا، اختار إعلامي قناة «مكملين» المعارضة، محمد ناصر، التهكم على إعلام السيسي الذي بَشَّرَ بقيام «دولة ثانية» في مصر.
لكنّ الموعد تأجل، وصار على المصريين انتظار عشر سنين أخرى، حسب ما فُهم من مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، حين عرض خطة الحكومة التي ستمتد إلى 2030.
أما إنجازات السيسي فقد تقزمت ـ وفق قول محمد ناصر ـ إلى تشييد خمسة جسور وخمسة محاور فقط. وفي خضم الانتشاء بذكرى الثورة «المجيدة»، اختارت الحكومة المصرية أن تقدم للشعب هدايا ثمينة عربونا للدولة «الجديدة»، كشف عنها إعلاميّ قناة «مكملين»، وتتمثل في الإعلان عن خصم نسبة واحد في المائة من دخل موظفي القطاعين العام والخاص لمواجهة كورونا، وإقرار ضريبة بمبلغ مائة جنيه على كل من يمتلك جهاز مذياع في سيارته، وزيادة أسعار الكهرباء والطماطم…
 
«اصبروا وسترون»
 
«الجزيرة» هي أيضا، كان لها تقييم للسنوات السبع من «الثورة» المصرية، إذ رجعت إلى تصريح أدلى بها السيسي خلال الأشهر الأولى من استيلائه على الحكم وانقلابه على الشرعية، إذ طلب من المصريين أن يمهلوه سنتين، سنتين فقط، لتحقيق نقلة نوعية في أوضاعهم المهترئة. قال لهم: «اصبروا، وسترون!»، لكن «الجزيرة» أجابته منذ بضعة أيام إنهم صبروا ولم يروا شيئا في السنة السابعة. واستعانة بالأسلوب القرآني، وَرَدَ في التقرير أيضا: «لم يُغَث المصريون، ولم يُعْصَروا، بل صاروا يخشون على شربهم ومياههم من جفاف يقترب…» واستفاضت القناة في استعراض ما يعانيه أبناء الكنانة من أوضاع صعبة، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وهي الأوضاع التي استحضرها أيضا بعض رواد منصات التواصل الاجتماعي عندما بثّوا فيديوهات يتحدثون فيها عن «نكسة 30 يونيو» التي تمت بإيعاز ومباركة من أجهزة استخباراتية دولية، وفق ما جاء في إحدى قنوات «اليوتيوب».
 
لا احتفالَ شعبيا!
 
ما أثار اندهاش معتز مطر، إعلاميّ قناة «الشرق» المعارضة، هو غياب أي احتفال شعبي ولا «شبهة احتفال» بذكرى «ثورة يونيو» المجيدة، تساءل مستغربا: لا احتفال بالمرحلة الجديدة في زقاق أو في ميدان أو قرية أو نجع… بلد فيها 100 مليون نسمة ولم يقم فيها أي احتفال شعبي واحد؟! وتابع ساخرا: ليس هناك أي فيديو يُظهِر ـ مثلا ـ مجنونين اثنين وهما يحتفلان بالذكرى العطرة وبالشمس التي أشرقت أشعتها الذهبية، اللهم إلا إذا تمّ اعتبار احتفال شيخ قسيس مع الممثلة إلهام شاهين احتفالا شعبيا؛ وهو يقصد بذلك استضافة إحدى قنوات السيسي لرجل دين قبطي وحديث إلهام شاهين هاتفيا معه عن ذكرى «ثورة 30 يونيو».
 
«مصر التي في خاطري»
 
ما يحصل في بر مصر ليس شأن المصريين فحسب، فأمّ الدنيا تعني العرب جميعا، وكل تطور حضاري أو ديمقراطي يؤثر إيجابا على باقي الدول العربية، والعكس صحيح؛ لأن مصر قلب العالم العربي، وهي أيضا قِبلتهم الثقافية والفنية والإعلامية لسنين طويلة، كما أنها في الواقع بلد كل مواطن عربي تقريبًا، ممّن تعلموا من أدبائها ومفكريها وصحافييها، واستمتعوا بأفلام ومسلسلات نجومها، واستهوتهم أغاني مطربيها، وأسرتهم حضارتها ونيلها وحاراتها.
ولذلك، فحين يكتب كاتب عربي غير مصري عن مصر، ولو مُنتقدًا، فإنه ينطلق من موقع المحبة والغيرة على هذا الوطن العظيم وعلى هذا الشعب الأبيّ الذي يُراد لها أن يعيش الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، شأنه في ذلك شأن باقي الشعوب العربية.
مصر العظيمة، «مصر التي في خاطري وفي فمي… أحبها من كل روحي ودمي»، تستحق حكّاما أفضل وإعلاما مسؤولا لا يحجب الحقائق!
ومرة أخرى، رحم الله زميلنا حسنين كروم.
 
٭ كاتب من المغرب