عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Mar-2021

إذا أجريت الانتخابات الفلسطينية، قد تكون لحماس اليد العليا

 الغد-غيث العمري* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 2021/3/25

 
ما يزال من غير الواضح ما إذا كانت انتخابات “المجلس التشريعي الفلسطيني” ستجري في موعدها. فالانقسامات داخل حركة فتح قد تتجاوز ما توقعه محمود عباس. وقد يقرر رئيس السلطة الفلسطينية تأجيل موعد الانتخابات بالنظر إلى الانقسامات الداخلية داخل فتح، والوحدة النسبية لخصومه، والأضرار التي يمكن أن تلحقها نتائج معينة بالعلاقات الفلسطينية مع الغرب.
* * *
على الرغم من العراقيل الكثيرة التي يمكن أن تهدّد بتعطيل انتخابات “المجلس التشريعي الفلسطيني” المقرر إجراؤها في 22 أيار (مايو)، إلا أن العملية الرسمية لتسجيل المرشحين تسير على قدم وساق في الوقت الحالي، وسيتمّ نشر قوائم بأسماء المرشحين في نيسان (أبريل). كما تتبلور ملامح الخريطة الانتخابية، حيث تبدو حركة حماس مترابطة، في حين تظهر انشقاقات في صفوف فتح. وقد تغيرت بعض العوامل الرئيسية منذ إجراء الانتخابات الأخيرة في العام 2006، لكن الصورة العامة متشابهة بشكل مثير للقلق.
حماس موحدة
على الرغم من التوترات الداخلية، تُظهر حركة حماس جبهة موحدة مع دخولها الدورة الانتخابية الحالية، والتي قد تشمل أيضاً إجراء انتخابات رئاسية وغيرها من المنافسات في وقت لاحق من هذا العام. والشخصيتان الرئيسيتان اللتان تدفعان بالحركة إلى المشاركة في هذه العملية، هما صالح العاروري، نائب رئيس مكتبها السياسي، ويحيى السنوار، مسؤولها البارز (رئيس مكتبها السياسي) في غزة. وفي حين يطمح كلاهما إلى قيادة الحركة في نهاية المطاف، وبالتالي لا بد أن يتواجها في مرحلة ما، إلّا أنهما أرسيا أسس علاقات عمل فعالة في الوقت الحالي بشأن عدد من القضايا، ومن بينها الانتخابات.
حين أجرت حماس انتخابات داخلية في الشهر الماضي، واجه السنوار تحدياً جدّياً من نزار عوض الله، إحدى شخصيات الحرس القديم الذي لم يكن مرتاحاً من انفتاح السنوار على إقامة تفاهمات عملية مع إسرائيل ومصر، من جملة أمور أخرى. وعندما بدأت هذه التوترات في الظهور علناً، سارعت الحركة إلى إعلان فوز السنوار في التصويت في غزة. وعلى الرغم من أن هامش فوزه كان ضئيلاً وقد يشير إلى مواجهته صعوبات مستقبلية في السيطرة على حماس في غزة، إلا أنه ليس هناك جدال حول سلطته المحلية في الوقت الحالي. وفي ظل ثبات مكانة السنوار وشراكته الراسخة مع العاروري، تستعد الحركة لخوض الانتخابات بشكل موحد ومنضبط.
فتح تتصدع
يستحضر الانقسام الحالي في حركة فتح ذكريات سيئة عن هزيمتها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في العام 2006. وبعد تلك الانتكاسة، سعى رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم فتح، محمود عباس، إلى إحكام قبضته من خلال قمع واستبعاد أي آراء معارضة في صفوف الحركة. وعلى الرغم من نجاحه في فرض سيطرته الكاملة على الهياكل الرسمية للحركة، إلا أنه تم إبعاد جماعات انتخابية كبيرة بسبب نهجه القسري.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الجديدة، يستخدم عباس تكتيكات مماثلة لضمان انضباط فتح، ومنع أعضاء هيئاتها القيادية من الترشح لمقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني، وتهديد المرشحين من خارج القائمة الرسمية بالطرد -حتى باستخدام العنف، وفقاً لبعض التقارير الإعلامية. لكن هذه المقاربة لا تستميل بعض الفئات القادرة على التأثير في الانتخابات، بمن فيها رئيس جهاز الأمن السابق البارز في غزة، محمد دحلان، والسياسي الذي يتمتع بشعبية كبيرة، مروان البرغوثي.
وكان دحلان قد طُرد أساساً من فتح، وهو يعيش في المنفى في الإمارات العربية المتحدة، لذلك يَعتبر العملية الانتخابية والتطورات المحيطة بها خطوة أولى نحو عودته إلى الحياة السياسية الفلسطينية الرسمية -وهو مسار قد يتضمن محاولته خوض سباق الرئاسة في النهاية. وعلى الرغم من عدم إمكانه الترشح بنفسه لمقعد في المجلس التشريعي الفلسطيني لأنه أُدين غيابياً بتهم فساد في العام 2014، فإنه ما يزال يتمتع بدعم كبير في غزة ومناطق في الضفة الغربية. في غزة، أتاحت حماس لدحلان وأنصاره مجالاً للعمل أوسع من ذلك الذي منحته للأعضاء الرسميين من حركة فتح. وخلال الأسابيع الأخيرة، على سبيل المثال، أرسل دحلان شحنات من لقاحات “كوفيد -19” إلى غزة، وسُمح لبعض كبار مساعديه -أبرزهم رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة سابقاً رشيد أبو شباك- بالعودة إلى القطاع للمرة الأولى منذ العام 2007. وليس واضحاً بعد ما إذا كان دحلان سيقدّم لائحة خاصة به لخوض انتخابات “المجلس التشريعي” أو أنه سيدعم لائحة أخرى.
أما بالنسبة للبرغوثي -الذي يقضي خمسة أحكام بالسجن المؤبد في إسرائيل، لكن استطلاعات الرأي ما تزال تعتبره السياسي الفلسطيني الأكثر شعبية إلى حد بعيد- فمن غير المرجح أن يقدّم لائحة لانتخابات أيار (مايو) لأنه يتطلع إلى خوض انتخابات رئاسية محتملة، ولا يريد أن يتحمل مسؤولية تقسيم فتح في هذه الأثناء. ومع ذلك، زاد هو ومناصروه من حدة الانتقادات لنهج عباس، ومن غير المرجح أن يحشدوا دعماً كبيراً للائحة الرسمية لحركة فتح، خاصة إذا استثنتهم الحركة، كما هو متوقع. وقد شعروا بتهميش متزايد منذ المؤتمر العام الأخير لحركة فتح في العام 2016.
من المرجح أن يكون عباس قد توقّع حدوث تعقيدات مماثلة مع دحلان والبرغوثي، لكنه يواجه تحدياً مفاجئاً من ناصر القدوة الذي أعلن عزمه على تشكيل لائحة والترشح لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني. ومن الصعب التشكيك في مدى انتمائه لحركة فتح؛ فهو ابن شقيقة ياسر عرفات، وأصبح عضواً بارزاً في الحركة في سبعينيات القرن الماضي، حيث ترأس “الاتحاد العام لطلبة فلسطين” في العام 1974، وشغل منصب ممثل منظمة التحرير الفلسطينية لدى الأمم المتحدة، وأصبح لاحقاً وزير خارجية السلطة الفلسطينية. وكان في الفترة الأخيرة عضواً في “اللجنة المركزية لحركة فتح”، ورئيس “مؤسسة ياسر عرفات”. ويراه البعض على أنه نخبوي يفتقر إلى اللمسة الشعبوية، لكن سجله خال من الاتهامات بالفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان.
وردّ عباس على إعلان ترشح القدوة بأسلوبه المعتاد، حيث قام بطرده من حركة فتح ومن مؤسسة ياسر عرفات، وبمضايقة بعض مساعديه. ومع ذلك، يبدو أن ردود الفعل هذه تعزز سردية القدوة بأنه يجذب العديد من الفئات المستاءة في فتح وخارجها. وقد تَواصَل مؤخراً مع معسكر البرغوثي، حتى وعد بالتنازل عن ترؤس لائحته في حال ترشح البرغوثي للانتخابات. ورغم أنه نأى بنفسه عن دحلان وكبار مساعديه بسبب ضعف مواقفهم، إلّا أن القدوة تَواصَل مراراً وتكراراً مع مؤيديهم غير القياديين. كما يقيم روابط مع بعض المستقلين وناشطي المجتمع المدني. وإذا تحققت أي من هذه التحالفات المحتملة، فقد تشكل لائحة القدوة تحدياً كبيراً لقائمة فتح.
سوف تكون عملية تشكيل اللائحة الرسمية للحركة على الأرجح محاطة بالتوترات بالنظر إلى تداعياتها على السؤال الدائم حول من سيخلف عباس. وكان أمين سر الحركة، جبريل الرجوب، هو القوة المحركة لقرار فتح الدعوة إلى إجراء انتخابات، ومن المرجح أن يحاول الاستفادة من هذا الزخم لتعزيز قاعدة دعمه -وهي خطوة ستواجه حتماً معارضة من الطامحين الآخرين. ولطالما سارع عباس إلى تقويض أي زعيم من فتح يُظهر بوادر بأنه أصبح قوياً جداً، بمن فيهم الرجوب نفسه في العام 2015. وستُظهِر التشكيلة الرسمية النهائية للائحة فتح ما إذا كان هذا النمط سيستمر.
فصائل أخرى
أعلن رئيس الوزراء السابق للسلطة الفلسطينية، سلام فياض، الذي أُجبر فعلياً على النفي بعد انقضاء ولايته كرئيس للحكومة، عن نيته الترشح على رأس لائحة مستقلة. ونظراً لافتقاره إلى آلية سياسية منظمة وراسخة، فمن غير المرجح أن يحصل على العديد من المقاعد، ولكن حتى تحقيقه فوزاً متواضعاً سيسمح له بالعودة إلى الحياة السياسية الرسمية.
وإضافة إلى ذلك، أشارت العديد من المنظمات اليسارية إلى رغبتها في الاتحاد ضمن لائحة انتخابية واحدة. لكن هذه الجهود لتحقيق ذلك لم تحرز، حتى الآن، تقدماً كبيراً.
العام 2021 ليس العام 2006
على الرغم من أوجه التشابه بين الديناميات الحالية وتلك التي كانت سائدة في العام 2006، إلّا أن هناك اختلافات مهمة تجعل من الصعب التنبؤ بنتيجة الانتخابات. وإذا حصلت عملية الاقتراع فعلياً هذا العام، فستخضع لقانون انتخابي مختلف يجعل من الصعب على حزب واحد الفوز بأغلبية ساحقة. ورغم أن حركة حماس ما تزال منضبطة داخلياً، إلا أن عدداً لا بأس به من الفلسطينيين يلومونها على إدامة الانقسام مع فتح، وإدارة غزة بطريقة فاسدة، وعجزها عن تحسين الأداء الاجتماعي والاقتصادي السيئ في القطاع. وفي ظل هذا السجل، قد تواجه الحركة صعوبات في تصوير نفسها على أنها حزب يحكم بشكل جيد ونظيف، كما فعلت في العام 2006. وقد يبرز تطور مفاجئ آخر يتمثل في طرح لائحة مشتركة بين حركتي فتح وحماس، وهي فكرة ما تزال مُدرجة على الأجندة، على الرغم من المعارضة الداخلية من كلتا الحركتين.
وربما الأهم من ذلك، أنه ما يزال من غير الواضح ما إذا كانت انتخابات “المجلس التشريعي” ستجري في موعدها. فالانقسامات داخل فتح قد تتجاوز ما توقعه عباس. وبالمثل، أصبحت التداعيات السلبية المحتملة للسياسة الخارجية موضع تركيز أكثر حدة، لا سيما فيما يتعلق بعلاقات السلطة الفلسطينية مع الولايات المتحدة. وقد تدفع هذه العوامل بعباس إلى تأجيل موعد إجراء الانتخابات. وكما هو الحال الآن، تبدو حماس في وضع أفضل لخوض الانتخابات، وإذا فاز أعضاء هذه الحركة -التي صنفتها الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب- بمقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني المعاد إحياؤه، فستخلّف نتائجها تداعيات كبيرة على السياسة الأميركية تجاه السلطة الفلسطينية وعملية السلام في الشرق الأوسط. ولتجنب أي حسابات فلسطينية خاطئة، على إدارة بايدن أن تراقب عن كثب هذه التطورات وتوضّح انعكاساتها الثنائية.
 
*زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى