العزلة كملاذ آمن.. كيف نحترم خصوصية الآخرين؟
الغد- ربى الرياحي
تعد العزلة بمثابة وقت مستقطع من صخب الحياة، ومحطة لإعادة شحن طاقاتنا. غالبا ما تُتيح لنا فرصة اختيار وجهة جديدة نسعى من خلالها لتقديم أفضل ما لدينا.
اللجوء إلى العزلة يعني مساحة للتفكير والتأمل العميق في كل القرارات التي اتخذناها، ولملمة أوراقنا وتقييم مسارنا. وفي تحديد الاتجاه الصحيح الذي نريد السير فيه، لضمان خطوات واضحة ونتائج مرضية قدر الإمكان.
هي المنطقة الآمنة التي ندخلها باختيارنا لنستطيع رؤية الأمور من زوايا مختلفة. فحينما نحترم عزلة الآخر ولحظات انغلاقه فحتما سنتقبل حقيقة أن لا أحد متاحا طوال الوقت وأننا جميعا بحاجة لأن نختلي بأنفسنا ونتحدث معها لنفهم ماذا نريد بالضبط.
العزلة ليست قرارا بالتغير على من نحب، هذا ما تبينه رهام صالح والتي ترى أن من حق كل شخص أن يأخذ وقته من العزلة وفي المقابل ليس من حق أحد أن يلومه أو يتهمه بالتغير عليه لمجرد أنه يريد أن يكون مع نفسه ولو لوقت قصير.
تقول؛ "نمر بالكثير من الظروف التي تفرض علينا أن نتوقف عن الحوارات اليومية والتواجد في حياة الآخرين ومشاركتهم تفاصيلنا" لافتة إلى أننا نختار العزلة غالبا لنفكر بكل ما يحدث معنا ولنحدد أولوياتنا وربما أيضا لنأخذ قسطا من الراحة بعيدا عن ضجيج الناس وأسئلتهم الفضولية واقتحامهم للخصوصيات.
رهام تجد في العزلة منطقة آمنة تلجأ إليها كلما أرادت أن تستعيد قوتها وتكون أكثر نجاحا وتصالحا مع الواقع لذلك هي تحترم عزلة الآخر وتتفهمها.
أما غدير (31 عاما) تجد صعوبة في اللجوء للعزلة فهي كأم وزوجة ليس لديها الخيار بأن تقضي بعضا من الوقت مع نفسها، فالمسؤولية كبيرة وهذا ما يجعلها طوال الوقت مشغولة، معترفة أن الضغوطات باتت تتعبها لدرجة أنها حولتها لشخص عصبي جدا.
غدير تدرك أن الحياة لن تأتي على هواها وأن التأقلم مع تقلباتها يحتاج للكثير من الصبر لكنها أيضا تقدر مدى الحاجة للعزلة واحترام تلك المساحة، فالعزلة كخيار ترفع من مستوى صراحة الإنسان بنفسه وتبقيه في حدود التوازن.
العزلة أنواع بحسب الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة فهناك عزلة مرضية وأخرى اختيارية ولكل منها أسبابها لكن العزلة التي يحتاجها كل إنسان تلك العزلة الإيجابية يلجأ إليها بين الحين والآخر للتأمل والتفكير والتخفيف من متاعب الحياة وهذا النوع من العزلة ضروري كما يبين مطارنة لأنه يعيد الإنسان لذاته ويمنحه المساحة ليكون أكثر وضوحا تجاه ما يحتاج.
ويشير إلى قيمة العزلة في جانبها الإيجابي، تلك التي تسمح لنا بالهدوء النفسي والابتعاد عن الصخب لكونه يشتت التفكير والعزلة الإيجابية المقصود بها العزلة المفيدة وخاصة عند مراجعة قراراتنا الحياتية، عند التوقف والتقاط الأنفاس، التفكير بالأخطاء التي ارتكبت وتلك القرارات الصحيحة، إضافة إلى أن العزلة تسمح لنا بإعادة ترتيب الأولويات وتوضح لنا الصورة كاملة حول ما ينقصنا وما نحتاجه وكأنها تشحن النفس والروح بالمزيد من الحماس والاندفاع نحو السعادة ونحو الاندماج الصحيح.
ووفق مطارنة؛ فإن الاحتياج للعزلة يأتي من كونها تسمح للعقل بالهدوء والسكينة والتركيز نحتاج للعزلة الانتقائية الاختيارية بين وقت وآخر لشحن النفس بالطاقة والتأكد من أننا على الطريق الصحيح. لذلك فلكل شخص الحق باللجوء للعزلة متى أحس بذلك وأيضا على الجميع أن يحترموا هذا القرار ويتقبلوه دون اعتراض أو اتهامات لا معنى لها.
وتبين مدربة المهارات الحياتية نور العامري أن العزلة هي حالة تجربها الأفراد عندما يجدون أنفسهم بمفردهم دون تواجد أو تفاعل مع الآخرين لفترات طويلة. يمكن أن تكون العزلة نتيجة للظروف الخارجية مثل الانتقال إلى مكان جديد أو الانفصال عن الشركة، أو قد تكون اختيارية عندما يبحث الفرد عن الهدوء والانفراد للتفكير أو الاسترخاء.
تأثير العزلة يمكن أن يكون مختلفا من شخص لآخر، وفق العامري، حيث يمكن أن تؤدي إلى الاستمتاع بالهدوء والتأمل، أو إلى الشعور بالوحدة والاكتئاب. ومن المهم أن يكون هناك توازن بين الوقت المقضى بمفردك وبين التفاعل الاجتماعي لضمان الصحة العقلية والعاطفية الجيدة فنحن نحتاج العزلة في الكثير من الأوقات والظروف.
وتضيف، نحتاج العزلة بعد فترات طويلة من التواصل الاجتماعي المكثف ومن الانخراط الاجتماعي المكثف مثل الاجتماعات الطويلة أو الفعاليات الاجتماعية. كذلك عندما نحتاج للتفكير والتأمل وعند اتخاذ قرارات مهمة أو لمعالجة مشاعرنا وأفكارنا بشكل أعمق، وعند الشعور بالإرهاق العاطفي أو النفسي وعند البحث عن الهدوء والسكينة.
وفي بعض الأحيان، نحتاج العزلة للهروب من صخب الحياة اليومية والبحث عن الهدوء والسكينة، وعند العمل على مشاريع شخصية أو إبداعية مثل الكتابة أو الرسم أو لتطوير مهاراتنا في مجال معين.
ووفق العامري، لعزلة إيجابيات عديدة منها التأمل والتفكير في الأمور والمشاكل الشخصية والمهنية دون تشتت الانتباه، وبتعزيز الإبداع وزيادة مستويات الإنتاجية، حيث يمكن للفرد التركيز بشكل أفضل على المهام من دون انشغاله بالتفاعلات الاجتماعية. إلى ذلك، الاسترخاء والتجديد، توفر العزلة فرصة للراحة وإعادة شحن الطاقة وتجديد النشاط، ويمكن لفترات العزلة أن تساعد في التفكير بشكل أعمق في الذات والتطلع للنمو والتطور الشخصي، وأيضا في تقليل الضغط النفسي والاستجابة لاحتياجات الذات بدون تدخل خارجي.
مع ذلك، فإن الاستسلام للعزلة بشكل مفرط ودائم قد يكون مؤذيا للصحة العقلية والعاطفية، بحسب العامري، إذا أصبح الفرد معزولا عن العالم الخارجي بشكل دائم دون التواصل مع الآخرين، فقد يواجه تأثيرات سلبية مثل الوحدة، والاكتئاب، ونقص الدعم الاجتماعي، وتدهور العلاقات الإنسانية.
التواصل الاجتماعي الصحيح والمتوازن يلعب دورا مهما في صحة الإنسان، حيث يساهم في تقليل مستويات التوتر والقلق، وزيادة الدعم العاطفي والمعنوي. على الرغم من فوائد العزلة في بعض الأحيان، إلا أنها لا تنبغي أن تكون الحالة الدائمة، بل يجب أن يكون هناك توازن بين العزلة والتواصل الاجتماعي لضمان الصحة النفسية والعاطفية.