عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Nov-2023

"غزة.. بحث في استشهادها".. مذابح متتالية وحصار خانق يترجمها أيمن حداد

 الغد-عزيزة علي

 صدر عن مركز دراسة الوحدة العربية كتاب بعنوان "غزة: بحث في استشهادها"، تأليف نورمان ج. فنكلستين، وقام بترجمته المترجم أيمن حداد، وأهدى فنكلستين كتابه إلى "غزة الحقيقة".
 
 
يتحدث الكتاب عن كفاح الشعب الفلسطيني عموماً، مع التركيز على غزة وما حل بها من مذابح متتالية وحصار خانق. وهو يصف كيف ظل الإسرائيليون ينبذون عروض السلام، ويمارسون الضغوط بمعونة الراعي الأميركي على مختلف المحافل الدولية لإسكات الشهود، والنجاة من المساءلة، والإفلات من أي عقاب.
 
جاء الكتاب في أربعة أقسام وملحق؛ القسم الأول يتناول عملية "الرصاص المصبوب" وتبعاتها، إضافة إلى سرد وافٍ لما ورد في تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية في شأنها، والحجج التي أقامها المدافعون عن الاحتلال وتفنيدها. فيما يحلل القسم الثاني تقرير "غولدستون"، وتراجعه لاحقاً عن النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق الأممية في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، والتي ترأسها غولدستون.
ويتناول القسم الثالث حادثة الهجوم على قافلة سفن المساعدات الإنسانية وتبعاتها السياسية والقانونية. في حين يتناول القسم الرابع عملية "الجرف الصامد" مع عرض مفصل للفظائع الإسرائيلية وخيانة منظمات حقوق الإنسان لشعب فلسطين عقب هذه الجريمة.
كتب مقدمة الطبعة العربية للكتاب أستاذ اللسانيات والمفكر نعوم تشومسكي الذي يقول "إن سبر أغوار الوحشية الإنسانية مهمة شاقة، وحتما ليست مهمة ممتعة"، مؤكدا أن الباحث فنكلستين قد تصدى لهذه المهمة بحجج محكمة وعاطفة جلية وعمل بحثي مسفيض.
ويرى أن المؤلف في كتابه "غزة: بحث في استشهادها"، يصف انفعالات متتالية من الغضب والخط، فمن الصعب أن نرى كيف لمرء يمتلك ولو نزرا يسيرا من الإنسانية ألا يشعر بهذه الانفعالات إزاء السجل القاتم الذي يتبدى في هذا الكتاب.
ويوضح تشومسكي أن تقارير مؤثرة صدرت، وغالبا صادمة، تسرد مأساة غزة، ومن أكثرها إثارة للغيظ هي الإفادات الحية من الميدان أثناء التصعيد الدوري للجرائم المرتكبة بحق غزة. كما صدرت دراسات عن لجان تحقيق رفيعة المستوى فوضتها جماعات دولية رئيسية معنية بحقوق الإنسان، وقد تمعن مؤلف الكتاب فيها جميعا في بحثه. وثمة أعمال أخرى أنتجها صحفيون وباحثون بارزون عززت فهمنا للأحداث، مشيرا إلى أن فنكلستين بحث في دراسته على نطاق واسع ومعمق بتحليل النقدي الحاذق، وقد انفرد به وحده بشكل خاص.
ويقول تشومسكي بعد زيارة المفوض العام للأونروا، بيير كرانبول، إلى المراكز الصحية في غزة بعد الفظائع الإسرائيلية في ربيع العام 2018 أثناء "مسيرات العودة الكبرى"، إنه وجد مشاهد "صادمة تثير كدرا عميقا"، بما في ذلك "نمط دخول الرصاص وخروجه من أجساد المصابين الذي يدل على استخدام ذخائر بقصد التسبب بأضرار جسيمة لأعضاء الجسم الداخلية وللأنسجة العضلية والعظام".
ويوضح تشومسكي أن فنكلستين في كتابه "يستعرض هذه الحالات بالتفاصيل، ويظهر زيف هذا التظاهر؛ فقد كان يكفي الاحتلال أن ينفذ حلا إنشائيا لسد الطريق أمام الناس اليائسين الذين يواجهون كارثة، ويطالبون بالعودة إلى البيوت التي طردوا منها بوحشية. وكان يمكن تجنب العنف لو قبل الاحتلال عرض حماس الذي قدمته -مرة تلو أخرى- بالتوصل إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار (هدنة)، ولكن الاحتلال تجاهل هذه العروض من دون حتى أن تعلق عليها".
ويتحدث تشومسكي عما حصل في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، عندما تم التوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار. وقد صمدت الاتفاقية بضعة أسابيع حتى ارتكب الفلسطينيون جريمة كبرى، وهي إجراء انتخابات اعتبرت حرة ونزيهة، ولكنهم انتخبوا الجهة الخاطئة، وهي حماس، وقام الاحتلال والولايات المتحدة بتصعيد العنف وفرض عقوبات شديدة على حماس بسبب هذه الانتخابات.
فيما يصف فنكلستين في تمهيده للكتاب ما حل بغزة هو "كارثة إنسانية من صنع الإنسان"، وتتضح هذه الكارثة بكل امتدادها الزمني وشدتها، كما أنها لا تتضح وسط ضباب الحرب أو ضمن غموض النأي، وإنما تتكشف جهارا ونهارا، وبتواطؤ من عديدين، ليس من خلال ما يقومون به، بل من خلال ما يمتنعون عن القيام به، وهذا يجعل ما يجري جريمة أكثر قبحا وفداحة.
ويؤكد المؤلف، أن القارئ سيحكم إذا كان هذا الوصف ساذجا أم أن السجل الموثق يثبته ويؤكده؛ وإذا كان مؤلف الكتاب متحيزا لغزة أم أن الحقائق هي المتحيزة لها؛ إن كانت غزة تمثل تحديا بشأن "سرديات"، متنافسة أم أنها تطرح تحدي إجلاء براءتها من خيوط الأكاذيب التي تحجبها، إن مسألة غزة تتعلق بكذبة كبيرة مؤلفة من آلاف الأكاذيب الصغيرة التي عادة ما تكون مبهمة ومحجوبة.
ويقول فنكلستين، إن هذا الكتاب يكشف هذه الأكاذيب واحدة واحدة، ولم يكن جمع هذه الأكاذيب بالشيء السهل، بل كان جهدا مثابرا ودقيقا مدفوعا بالإدراك الفطري للكشف عن الزيف، خصوصا عندما يتم توظيف هذا الزيف لخدمة القوة وعندما تكون حياة الناس على المحك، فإذا كان الشر يكمن في التفاصيل، فإن من غير الممكن مواجهته والتخلص منه إلا بالاستخدام المنهجي للمنطق والأدلة.
كما ويشير المؤلف إلى ما قاله رئيس وزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، بأن غزة هي "سجن مكشوف"، وثمة حارس إسرائيلي مسؤول عن هذا السجن، فإن الاحتلال يتصرف دائما تقريبا ردا على "الإرهاب"، أو انتقاما من مرتكبيه. ولكن لا الحصار اللاإنساني وغير الشرعي الذي فرضه الاحتلال على غزة ولا "العمليات" الإسرائيلية الإجرامية الدولية التي شنتها نابعة من قيام حماس بإطلاق صواريخ، بل هي قرارات إسرائيلية ناتجة من حسابات سياسية إسرائيلية، ولا تشكل أنشطة حماس العسكرية سوى عامل ضئيل فيها.
ويقول فنكلستين "في واقع الحال ظلت إسرائيل تتصرف ردا على امتناع حماس عن القيام بعمل عسكري؛ فقد رفضت الحركة الإسلامية تزويد إسرائيل بذريعة "الإرهاب"، التي سعت إليها بغية شن عملية، والتي كان منبعها سياسيا وليس عسكريا "دفاع عن النفس"، وبالطبع لو أن غزة "غرقت في البحر"، (على حد تعبير إسحاق رابين الحائز على جائزة نوبل للسلام)، أو أنها سلمت مصيرها من جانب واحد إلى الإدارة الإسرائيلية، فستمتنع إسرائيل حينها عن الفتك بها. ولكن فيما عدا هذين الخيارين، ليس بوسع غزة ممارسة أي فاعلية سوى الفاعلية المتاحة لأي شعب تحت الأسر. أما القناعة بأن الألعاب النارية المحسنة (صواريخ حماس)، المنطلقة من مخبأ هنا أو هناك ستؤدي بحد ذاتها إلى التأثير في سياسة دولة تعد من بين الدول الأقوى عسكريا في العالم، فهذا قناع يثير الضحك".
وخلص المؤلف إلى التحدث عن سياسات استشهاد غزة، فقد أظهرت تحليلات شاملة تناولت الجانب الاقتصادي باقتدار وعلى نحو كاف. ولا يسع المراقب إلا أن يشعر بالدهشة من حجم الكتابات التي ظهرت لتحليل اقتصاد غزة واقتراح وصفات له، رغم أن اقتصاد غزة هو أمر مفترض أكثر من كونه ملموسا. وقد أورد البنك الدولي في 2015-2016، أن غزة "تعتمد حاليا في 90 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي على إنفاق الحكومة الفلسطينية والأمم المتحدة وعلى التحويلات الخارجية والمشاريع التي يديرها المانحون".. فإذا تمكنت غزة من البقاء، فذلك بفضل الإعانات الأجنبية التي تتزامن مع المناسبات القليلة التي يرخي فيها الاحتلال الإسرائيلي قبضته قليلا.