عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Sep-2025

قضايا حقوق الإنسان وتشريد اللاجئين*د.سلطان المعاني

 الدستور

تتصدر قضايا حقوق الإنسان وتشريد اللاجئين قائمة التحديات العالمية التي تلقي بظلالها الثقيلة على حاضر البشرية ومستقبلها. ورغم عقود من المواثيق والاتفاقيات الدولية، ما تزال الملايين من الأرواح عرضة للانتهاك بسبب الفقر والتغير المناخي والنزاعات المسلحة وانعدام الأمن الصحي، وهي عوامل متشابكة تدفع بموجات غير مسبوقة من النزوح واللجوء. هذه المعضلات تعكس إخفاقات الأنظمة المحلية، وتكشف كذلك عن قصور عميق في قدرة النظام الدولي على حماية الإنسان باعتباره قيمة مطلقة لا ينبغي أن تكون رهينة للجغرافيا أو السياسة.
 
الفقر ما يزال الجرح المفتوح الذي ينهش حياة مئات الملايين عبر القارات، حيث يعيش أفراد كثر تحت خط الكفاف محرومين من التعليم والرعاية الصحية والمياه النظيفة. هذا الحرمان البنيوي يسهّل وقوع انتهاكات حقوقية أخرى، فالمجتمع الفقير يصبح أكثر عرضة للاستغلال والعمل القسري والتمييز، فيما تنعدم أمام أفراده الفرص العادلة للمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية. إن الفقر حالة اقتصادية، وشكل من أشكال الإقصاء الذي يحرم الإنسان من أبسط حقوقه في الكرامة والاختيار.
 
يفاقم التغير المناخي بدوره هذا المشهد، إذ تتحول الكوارث البيئية إلى محرك أساسي لحرمان الإنسان من حقوقه الأساسية. الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والفيضانات والعواصف تدمر الأراضي الزراعية وتدفع بملايين المزارعين إلى النزوح من مناطقهم. هذه الهجرات القسرية، التي يصفها الخبراء باللجوء المناخي، لا تجد اعترافًا كافيًا في القوانين الدولية، ما يجعل ضحاياها بلا حماية واضحة. هنا يصبح المناخ لاعبًا صامتًا لكنه قاسٍ في إعادة تشكيل خرائط النزوح واللجوء، في ظل عجز الأنظمة عن إيجاد سياسات وقائية أو برامج تعويضية حقيقية.
 
إنّ اللاجئين يمثلون الوجه الأكثر قسوة لهذه المعادلة، إذ تجاوز عددهم عالميًا مئة مليون بين لاجئ ونازح داخليًا، وهو رقم غير مسبوق في التاريخ الحديث. هؤلاء يفقدون بيوتهم ووظائفهم، ويُجردون من الشعور بالانتماء، ويُتركون عالقين بين حدود لا تعترف بهم ودول ترهقها الضغوط السياسية والاقتصادية. إن المخيمات الممتدة من الشرق الأوسط إلى إفريقيا وآسيا ليست سوى شهادات حيّة على تقصير العالم في إيجاد حلول جذرية للنزاعات التي تنتج موجات اللجوء. ومع تزايد خطاب الكراهية في بعض الدول المضيفة، يصبح اللاجئ ضحية مزدوجة: ضحية الحرب أو الكارثة التي هجرته أولًا، وضحية التمييز والإقصاء الذي يواجهه لاحقًا.
 
إن الأمن الصحي هو بعد آخر لا يقل خطورة، إذ تكشف الجوائح وانتشار الأوبئة هشاشة البنية العالمية لحماية حق الإنسان في الصحة. ملايين البشر في الدول الفقيرة ما زالوا يفتقرون إلى لقاحات وأدوية أساسية، بينما يحتكر الأغنياء تقنيات العلاج والبحث العلمي. هذا التفاوت الصارخ يحوّل الصحة من حق عالمي إلى امتياز طبقي، ويكشف كيف أن الأزمات الصحية يمكن أن تتضاعف في غياب التضامن والعدالة. إن انعدام الأمن الصحي يشير إلى ضعف الأنظمة الطبية، وهو تهديد مباشر لحق الإنسان في البقاء.
 
إن قضايا حقوق الإنسان وتشريد اللاجئين تعكس صورة عالم يسير في مفترق خطير، حيث تختلط الأزمة الاقتصادية مع البيئية والسياسية والصحية في شبكة واحدة من الأزمات المتراكبة. إن تجاهل هذه القضايا أو الاكتفاء بالاستجابات الطارئة لن يقود إلا إلى المزيد من الفوضى، إذ يظل ملايين البشر رهائن لظروف خارجة عن إرادتهم. العالم بحاجة إلى مقاربة جديدة تعيد الاعتبار للإنسان كقيمة عليا، وتمنحه حقه في الأمن والكرامة والحياة المستقرة، بعيدًا عن التمييز أو الاستغلال. إن صون حقوق الإنسان في هذا السياق ضرورة وجودية لضمان بقاء المجتمعات قادرة على الاستمرار والتعايش في وجه العواصف القادمة.