عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Apr-2019

رسالة من رام الله - بقلم: تل لیف رام
معاریف
 
في واقع تسود فیھ قطیعة تامة بین حكومة اسرائیل وزعامة السلطة الفلسطینیة حتى لقاءا
للصحافیین نظمتھ منظمة مبادرة جنیف مع مسؤولین كبار في السلطة ومقربین من ابو مازن یبدو
كحدث استثنائي.
رحلة دقائق معدودة من معبر قلندیا، فاذا بنا في رام الله، نشعر وكأننا في خارج البلاد باستثناء التواجد الملموس للشرطة واجھزة الأمن الفلسطینیة، الذین یقفون في كل مفترق ومیدان في المدینة، مع قبعات حمراء على رؤوسھم وسلاح اوتوماتیكي في ایادیھم. ھذه فترة متوترة بالنسبة للسلطة، ولیس فقط من ناحیة العلاقات مع إسرائیل. فالتوتر الداخلي یتعاظم والضائقة الاقتصادیة تھدد الحكم.
یفعل المضیفون من جانبھم كل شيء كي نشعر بالراحة. یصل الى المكاتب المتواضعة للجنة
التواصل مع المجتمع الإسرائیلي في م.ت.ف الناطق بلسان أبو مازن ووزیر الإعلام نبیل أبو ردینة، عضو اللجنة المركزیة لفتح، محمد المدني، وزراء ومقربون من رئیس السلطة. یمكن للمرء أن یأخذ الانطباع بان ھذا اللقاء مھم لھم. فھم یریدون نقل رسالة إلى المجتمع في إسرائیل لان وجھتھم نحو الحوار، الحدیث وحل الدولتین، الذي ابتعد عن الخطاب الجماھیري بشكل خاص بعد الانتخابات الاخیرة، والتي غابت عنھا المسألة الفلسطینیة.
لا یكثر أبو ردینة من اللقاء مع وفود من الصحفیین الإسرائیلیین. ولكن مبادرة الرئیس الأمیركي دونالد ترامب دفعتھ لان ینقل رسالة: ”طالما لم تكن القدس على الطاولة فان خطة ترامب ھي الاخرى لن تكون على الطاولة“. نقطة البدء في المفاوضات من ناحیتھم ھي الاعتراف بحل الدولتین على اساس حدود 1967 وتقسیم القدس.
ولكن فضلا عن المواضیع السیاسیة، والتي یكاد حلھا یبدو متعذرا، عني الحوار في الغرفة بالممارسة الیومیة. وبالاساس بالوضع الاقتصادي الصعب للسلطة وبالقرار الإسرائیلي لاقتطاع أموال عائلات السجناء من أموال الضرائب. ویعتقد مسؤولو السلطة بان ھذه الخطوة تقربھم من الھوة. لماذا اتخذت إسرائیل الآن بالذات ھذا القرار؟ یتساءلون. الاحساس ھو أن إسرائیل تبدي مرونة أكبر مع حماس وتناطح السلطة الفلسطینیة رأسا برأس.
رغم ان النقاش یجري بشكل منفتح وحضاري، لا یمكن للمرء أن یتفادى احساس السفر في مسار
بلا مخرج. فالمسافة بین الاجماع الإسرائیلي الذي یرى في تحویل الاموال، خطوة غیر معقولة وبین الفلسطینیین الذین یرون في ھذا العمل تدخلا فظا من الحكومة الاسرائیلیة في ادارة اموالھم وفي التزامھم تجاه عائلات الاسرى – غیر قابلة للجسر.
ولكن بعد كل ھذا، توجد ایضا الحیاة نفسھا. في أجواء رسمیة أقل، في مطعم ”دارنا“ في البلدة
القدیمة، نسمع من ایاد ولمیس الشابین من رام الله اللذین یرافقان الوفد عن الجیل الشاب الذي
یرغب بالحیاة الطیبة والكریمة ولا یعنى بالسیاسة. فھما یتحدثان عن حیاة اللیل المزدھرة في المدینة ویشیران إلى أن التصعید السیاسي أو الأمني مع إسرائیل لھ تأثیر على أماكن الترفیھ. مثلما
ھو الحال عندنا، ھكذا ھو عندھم ایضا.
في الطریق إلى البیت نتوقف لتناول الكنافة في نفیسھ. في محل الحلویات الھائل لم یتوقعوا بالتأكید
الجمھور الكبیر من اسرائیل الذي ھجم على الكنافة. 40 شیكلا فقط للكیلو وطعم یبعث لدیك منذ
الآن الشوق لھ. زیارة من ھذا النوع تبقي غیر قلیل من الافكار. لا توجد سذاجة. فاحتمالات الحل
السیاسي طفیفة. من الصعب أن نتخیل كیف یمكن جسر الفوارق في المواقف، في وصف الحقیقة،
في الروایة وفي الصور الوطنیة. ومع ذلك، للحوار ایضا توجد اھمیة. فالقطیعة المطلقة بین اسرائیل والسلطة تزید التوتر والاغتراب. وانفجار الانتفاضة الشعبیة في یھودا والسامرة لن یخدم ایا من الطرفین. ولكن حماس ستخرج منھا رابحة.
مكالمة منتظرة
مر اقل من أسبوعین منذ ان أوشكت إسرائیل وحماس على المواجھة الجبھویة في قطاع غزة. في
ھذه الاثناء نشھد میل ھدوء. وما یزال، فان عناصر عدم الاستقرار، وفي اساسھا الوضع الاقتصادي في قطاع غزة لم تختف وسترافقنا في الاشھر القادمة ایضا.
صحیح حتى الآن اختارت إسرائیل وقیادة حماس الخط البراغماتي لابعاد المواجھة العسكریة عن
جدول الأعمال. فالحل الوسط الذي وضعتھ المخابرات في موضوع الھواتف العامة في أقسام السجن الأمني اوقف اضرابھم عن الطعام، وازال في ھذه المرحلة عائقا ھاما كان یمكنھ أن یؤثر على الوضع الأمني في الجنوب ایضا.
وحسب الاتفاقات ستركب ھواتف ھامة تخضع للرقابة في كل الاقسام التي یحتجز فیھا السجناء.
وفي كل السجون تنصب موانع لحظر المكالمات في الھواتف النقالة. ھذا الحل لم یخفض فق مستوى اللھیب في السجون، بل وساعد الطرفین على عرض انجازات للجمھور. فانجاز اسرائیل كان في أنھا لم تخضع لانذار السجناء وتقاتل لاول مرة ضد قصور تھریب الھواتف الخلویة واستخدامھا في السجون الامنیة. اما حماس فتتباھى في أنھا نجحت في ان تدخل لاول مرة ھواتف عامة الى السجون. عززت المنظمة موقفھا في أن اسرائیل لا تفھم الا لغة القوة وانھ بھذه الطریقة فقط یمكن الوصول الى انجازات.
في جھاز الامن ایدوا الحل الوسط، ولكن في المخابرات سمعت اصوات اخرى ادعت بان ھذا الحل
ادى الى تآكل في موقفھم. یطعنون ضابطا، یحرقون حجرات وبالمقابل یحصلون على ھواتف.
المشكلة في المستقبل ستكون مع سجناء فتح، كما یضیفون – فھم یرون حماس تحصل على
انجازات حیال اسرائیل ویشعرون انھم في فخ.
في ھذه الاثناء نصبت موانع في قسمین. وفي الصیف سیتم توسیع المشروع التجریبي. وفي الخلفیة توجد استنتاجات اللجنة العامة لفحص ظروف السجناء والتي عینھا وزیر الامن الداخلي جلعاد اردان، والتي اوصت بتشدید ظروف حیاتھم وسحب الامتیازات التي اعطیت لھم في الماضي. إذا تحققت استنتاجات اللجنة فقد نرى اشتعالا متجددا في المیدان.
غیر أنھ بعد التطورات الاخیرة یبدو ان رئیس الوزراء سیواصل اختیار جانب المساومة انطلاقا من الرغبة في عدم الانجرار في ھذه المرحلة الى مواجھة في قطاع غزة. كما أن زعیم حماس في غزة یحیى السنوار یطلق الاشارات بانھ غیر معني بمواجھة عسكریة. في جھاز الأمن یعتقدون ان أزمتھ ھي قبل كل شيء اقتصادیة. فھو ملتزم بتغییر الوضع الاشوه لسكان القطاع ویعمل بشكل مخطط وبراغماتي. وحسب فكره، فانھ نجح في دحر اسرائیل الى الزاویة في السنة الاخیرة مع مسیرات العودة. والان لیس فقط لا یمكن تجاھلھ بل ویجب توفیر الحلول لھ للتخفیف من الحصار.
وفي الشھر الاخیر مع الوساطة المصریة، المال القطري والتسھیلات الاسرائیلیة، یقترب من الانجاز الذي یمكنھ أن یلوح بھ امام سكان القطاع.
أما عملیا فقد اتخذت اسرائیل وحماس بالاجمال بضع خطوات الى الوراء، دون تسویة ذات مغزى تبدأ قبل كل شيء بحل مسألة الاسرى والمفقودین. كما أن التفاھمات الاخیرة ھي في ھذه اللحظة
ھشة ولا سیما على خلفیة حقیقة ان السنوار یتعرض لضغوط من الجناح العسكري لحماس. ویمكن
للجھاد الاسلامي انشاء ان یقلب الجرة على رأسھا باعمال الارھاب. في كل الأحوال، یبدو في ھذه
المرحلة ان اسرائیل تتعامل مع مسؤولي حماس في غزة وفي السجون أكثر مما تتعامل مع ابو مازن وقیادة السلطة الفلسطینیة.
ان سیاسة نتنیاھو تجاه غزة لم تتغیر. فرئیس الوزراء یؤید موقف جھاز الأمن الذي یدعو الى استنفاد الخطوات السیاسیة قبل الوصول الى مواجھة عسكریة. وھذا الفھم لا یستوي مع مطالب افیغدور لیبرمان، الذي خرج من الانتخابات الاخیرة معززا سیاسیا.
لیبرمان معني بحقیبة الدفاع، ھكذا قیل، ولكنھ یشھد على جلدتھ نقاط ضعف الحقیبة المنشودة وعلى علم باحتمال الضرر السیاسي الذي یمكن ان تلحقھ بھ. في ھذه الاثناء یطلب من نتنیاھو الحسم ولیس الاحتواء، ولكن مشكوك أن یتمكن رئیس الوزراء من تلبیة ھذا الطلب ولا حتى جزئیا.