عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Dec-2025

لماذا لا يكرهوننا ولماذا لا نكرههم؟*حسني عايش

 الغد

إذا جُبْت الإعلام في العالم من الغرب إلى الشرق، ومن الشمال إلى الجنوب، تجد جامعا مشتركا عظيما من الكراهية بين أنظمة حكم وشعوب بقية العالم للمسلمين (العرب وغير العرب) والإسلام.
 
 
 قد تختلف هذه الكراهية في الدرجة ولكنها لا تختلف في النوع. والكراهية تعني هنا: الارتياح أو القبول لما يتعرضون إليه أو يقع عليهم أو يصيبهم من قمع واضطهاد وحتى إبادة.
لقد انتهت الفترة الذهبية القصيرة التي كان فيها الإسلام وبالتالي المسلمون في النصف الثاني من القرن العشرين موضع ترحيب واستقبال وبخاصة في أوروبا وأميركا، وقد عبرت عن دهشتي وسروري من ذلك بمقال كتبته في جريدة الرأي بعنوان «أميركا جنة الأديان»، ولكن الكراهية حلت محلهما في القرن الحادي والعشرين.
السبب الأول كان في انقلاب القاعدة، حليفة أميركا في مقاومة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، من منظمة مقاومة أو «جهاد» إلى منظمة إرهابية عمياء تفتك في الأبرياء المصادفين من غير المسلمين والمسلمين، وتفريخها عددا غير قليل من المنظمات الإرهابية وبخاصة في أفغانستان وباكستان.
 وقد بلغ إرهابها في الحليف الأميركي أوجه حين دمرت البرجين وجزءا من وزارة الدفاع على رؤوس من فيها في 11/9/2001. ولعله لهذا وذاك أو من هناك أخذ رصيد المسلمين والإسلام الإيجابي في الهبوط.
أما السبب الثاني، فتفريخ القاعدة منظمة أشد إرهابا منها. وهي بما عُرف بمنظمة داعش التي اخترق إرهابها الدموي العالم، مستبيحة الحياة والكرامة الإنسانية، وبخاصة عند اليزيديين والمسيحيين والمسلمين المكَفَّرين.
جنبا إلى جنب هذا الإرهاب المخيف المبثوث بالصوت والصورة، تراجع الرصيد إلى درجة الصفر مبدئيا، ثم إلى درجة الصفر المطلق أخيرا.
والمثير حقا في الصورة أنه وإن التحق بداعش أفراد وبنات من شعوب مختلفة، إلا أن تهمة الإرهاب لصقت بالعرب والإسلام؛ لأن بقية العالم، وبخاصة في الغرب، لا يفرقون بين العرب والمسلمين. إنهم يعتبرون كل مسلم عربيا وإن كان إيرانيا – مثلا – وكل عربي مسلما وإن كان مسيحيا.
والمثير للانتباه اتساع تهمة الإرهاب التي التصقت بتلك المنظمات لتشمل كل إنسان في العالم؛ فكلما أو عندما يراجع المرء وزارة، أو إدارة... أو يزور دولة، يوقف في طابور ويُفتَّش إلكترونيا وحسيا. ويُجبر – أحيانا – على خلع بعض ملابسه وكأنه متهم بالإرهاب، مما جعل أكثر من ثلاثة آلاف مليون مسافر في العالم سنويا يلعنون العرب/المسلمين ويكرهونهم. والنكتة السوداء في الأمر أنه يمكن أن يكون ضحية في أية لحظة بانفجار.
مرت فترة إبان تركيز إرهاب القاعدة وداعش على الغرب، كانوا يتساءلون فيها: لماذا يكرهوننا؟
والجواب: نعم، نكرههم، ولكن سياسيا قبل الإرهاب وبعده، بسبب الاستعمار قديما، وبإقامة إسرائيل في أرضنا وتشريد شعبنا بعده.
 يكفي تسليح الغرب لإسرائيل دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا وإبادتها لأهل غزة ليجعلنا نشعر بأشد الكراهية والاحتقار له، لكننا لم نكن نكرههم إنسانيا أو حضاريا، بل نحبهم ونقلدهم فيهما.
وبما أن الإرهاب الأعمى وكوارثه دمرت البلدان المسلمة أكثر مما فعل في الغرب، فلم يعد أحد – إجمالا – يهتم كثيرا بمعاناة المسلمين والأقليات المسلمة في الهند، أو في الصين، أو في بورما... لأن حُمّى القاعدة وداعش أو إرهابهما تسربت إليها، وصارت تلجأ إليه، أي تستخدمه في سعيها للحصول على حقوقها، بما في ذلك الانفصال عن الدولة أو لإقامة الدولة الإسلامية فيها.
 لقد وفّر أسلوب القاعدة وداعش الإرهابي الذي مارسته تلك الأقليات لحكومات تلك البلدان الفرصة لقمعها، وفي بورما لطردها خارج وطنها.
 لقد وفّرت لتلك الحكومات أحب وسيلة إليها لتأديبهم، والعالم بين متفرج أو مؤيد أو محايد. قبل أن تستل سيفك الداعشي لقطع رأسي لاستفزاز هذه الحقائق لك، أو لإصابتك بعدم الاتساق المعرفي، ضع نفسك مكان الآخر ولو لبضع دقائق وقل لنفسك: ماذا لو كان الأمر بالعكس، أو لو قامت الأقليات القومية أو الدينية في بلاد المسلمين بالمثل؟