الغد-عزيزة علي
أكد مشاركون في اختتام مؤتمر "ثقافة المقاومة في مواجهة التحديات" الذي نظمته لجنتا فلسطين ومقاومة التطبيع في رابطة الكتاب الأردنيين، على العمق العربي للقضية الفلسطينية، وعلى خصوصية العلاقة الأردنية الفلسطينية.
ولفتوا في المؤتمر، الذي عُقد على مدار يومين، على جدلية العلاقة بين القضايا الوطنية والقومية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وبين القضايا الاجتماعية والديمقراطية، مشيرين إلى الارتباط المصيري ووحدة المهمات الوطنية للشعبين في مواجهة المشروع الصهيوأميركي في المنطقة.
وأشاروا إلى أن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع وجود لا صراع حدود، وأن طبيعته تناحرية، مؤكدين أهمية المقاومة بجميع أشكالها، وعلى رأسها الكفاح المسلح. كما شددوا على أن ثقافة المقاومة تُعد الحصن الأخير، غير القابل للاختراق أو التطويع.
ودعو إلى مواصلة نهج مقاومة التطبيع بكافة أشكاله وعلى مختلف الصعد، لافتين إلى أن الإمبريالية الأميركية كانت وما تزال العدو الرئيس لفلسطين، وأن العدو الصهيوني هو العدو المباشر لفلسطين وللأمة جمعاء.
تناولت الجلسات، "ثقافة المقاومة في أدب كنفاني وأعماله الروائية"، التي تحكي قصة شعب يناضل من أجل وجوده وهويته. تناولت المداخلات رؤية فنية تتجاوز النص إلى قراءة عميقة في أبعاد الصراع العربي–الإسرائيلي، واستشراف لما تعنيه الدولة العبرية من منظور سياسي وإستراتيجي، كما استعرضت كيف تحولت تجربة النكبة واللجوء إلى محطات أساسية في بناء وعي فني يحمل القضية الفلسطينية على عاتقه.
في ظل الصراعات والتحديات، يظل الأدب والفن مرآة صادقة تعكس آمال الشعوب وآلامها، ومنبرا للمقاومة والرفض. كان غسان كنفاني، ذلك الصوت الفلسطيني الراقي، رمزا لهذه المقاومة التي لم تقتصر على الساحات وحدها، بل امتدت إلى الحرف والكلمة والصورة.
تحدث في الجلسة الأولى، التي أدارها الشاعر رامي ياسين، الدكتور حسن عليان حول "الرؤية الفنية في أعمال غسان كنفاني الروائية"، حيث أشار إلى أن كنفاني كان واعيا لروح الصراع العربي–الإسرائيلي، ولمخططات الاستعمار في المنطقة، ومدركا لأبعاد الوجود الصهيوني في فلسطين، وما تعنيه الدولة العبرية، وما الذي تريده من المنطقة العربية على المستويين التكتيكي والإستراتيجي.
وأشار عليان إلى أن كنفاني كان يدرك ما تريده الدولة العبرية من المنطقة العربية، تكتيكا وإستراتيجية؛ فهي – من وجهة نظره – تقف في وجه الفعل التاريخي، وتسعى إلى تغيير مساره الفكري وتعطيل حركته الطبيعية المتجهة نحو المستقبل.
وأضاف أن وعي كنفاني قد تبلور نتيجة إدراكه لنتائج المشروع الصهيوني، بعد أن أُقيمت دولة عنصرية ودينية على حساب الوجود الفلسطيني والعربي والدولي.
فعلى الصعيد الفلسطيني، عاش غسان تجربة الفقر والبؤس، واختبر واقع اللاجئ الفلسطيني تحت "السقف الواطئ" في المخيمات، بما تحمله من ذل وجوع واغتراب، وقد عبّر عن ذلك بعمق في أعماله الروائية: "رجال في الشمس"، "ما تبقى لكم"، "عائد إلى حيفا"، و"أم سعد"، حيث تجسدت في هذه الروايات مراحل الوعي بالصراع.
وخلص عليان إلى أن الرواية الأولى لكنفاني "رجال في الشمس". قد شكّلت صورة مأساوية للحياة الفلسطينية بأبعادها الزمانية والمكانية، بعد نكبة عام 1948.
أما في الجلسة الثانية، فقد تحدث الناقد فخري صالح عن "نقد الأدب الصهيوني عند غسان كنفاني"، حيث استعرض في مداخلته ما قدّمه كنفاني من تحليل لبعض الروايات التي تناولت الأدب الصهيوني، حتى قبل نشوء الحركة الصهيونية السياسية.
وفي الجلسة الثالثة، تحدث الزميل ناصر الجعفري عن "ثقافة المقاومة في فن الكاريكاتير والفن التشكيلي العربي"، حيث استعرض العلاقة بين ثقافة المقاومة والفنون البصرية، ولا سيما الكاريكاتير والفن التشكيلي، ضمن السياق العربي.
وقد تتبّع الجعفري جذور هذه العلاقة، وأبرز محطاتها السياسية، مع تسليط الضوء على أهم الأسماء التي أسهمت في ترسيخ هذا الاتجاه البصري الملتزم بالمقاومة.
قال الزميل الجعفري إن الفن يُشكل، في العالم العربي، أداة مركزية للتعبير عن المقاومة، سواء في مواجهة الاحتلال أو في التصدي للاستبداد الداخلي. لافتا إلى أنه من بين الفنون البصرية، برز فن الكاريكاتير كوسيلة شعبية ساخرة، تلامس وجدان الجماهير، وتُمرّر رسائل سياسية واجتماعية مكثفة. كما لعب الفن التشكيلي دورا موازيا في تشكيل الوعي، من خلال رموزه الجمالية والواقعية التي عبّرت عن الوجع الجمعي والهوية المهدَّدة.
وتحدث الجعفري عن تاريخ الكاريكاتير العربي من نشأته وحتى دوره في التعبئة السياسية، مبينًا أن الكاريكاتير العربي بدأ يظهر في أواخر القرن التاسع عشر مع صعود الصحافة المطبوعة، لا سيما في مصر ولبنان. ورغم تأثره في بداياته بالأسلوب الأوروبي، سرعان ما اتخذ الكاريكاتير مسارا خاصا يعكس الواقع السياسي والاجتماعي العربي.
في مصر، مثلت صحف مثل "روز اليوسف" منابر مبكرة لهذا الفن، حيث برز رسامون مثل صاروخان ورخا وسانتيز، الذين استخدموا الكاريكاتير كأداة نقد للاستعمار وسخرية من الطبقة الحاكمة. وفي تلك المرحلة، أصبح الكاريكاتير وسيلة مباشرة لتصوير الصراع الطبقي والسياسي.
ثم تحدّث الجعفري عن فن الكاريكاتير المقاوم، مركزًا على ناجي العلي وجيل الريادة، قائلا: "مع نكسة عام 1967، برز اتجاه جديد في الكاريكاتير العربي، تميّز بالاستقلالية والالتزام بقضايا المقاومة والحرية. وفي طليعة هذا الاتجاه، ظهر الشهيد ناجي العلي، الذي مثلت شخصيته "حنظلة" رمزا دائما لرفض الظلم والتعبير عن الهوية الفلسطينية المقهورة."
وقال الجعفري إن ناجي العلي لم يكن حالة منفردة، بل كان جزءا من جيل واسع من رسامي الريادة، منهم: محمود كحيل (لبنان)، الذي جمع بين الرشاقة البصرية والرسائل السياسية العميقة، جلال الرفاعي، ورباح الصغير، وزكي شقفة (الأردن)، الذين رسخوا حضور الكاريكاتير في الصحافة الأردنية كفن سياسي مرتبط ارتباطا مباشرا بالقضية المركزية.
ورأى الجعفري أن هذا الجيل استخدم الرسم كأداة للمقاومة، ورفض التبعية السياسية، ودفع بعضهم ثمنا باهظا لمواقفهم، كما حدث مع اغتيال ناجي العلي في لندن عام 1987. مشيرا إلى أن الفن التشكيلي العربي ودوره في المقاومة الجمالية، حيث لعب إلى جانب الكاريكاتير دورا مهما في بناء خطاب المقاومة، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وأشار الجعفري إلى أن النكبة والنكسة تحولت إلى محفزين رئيسيين للفن المقاوم، إذ وظّف الفنانون رموزًا بصرية مثل المفتاح، والكوفية، والجدار، والطفل، للتعبير عن الصراع مع الاحتلال، واللجوء، والهوية.
من أبرز الأسماء كما قال الجعفري: "إسماعيل شموط (فلسطين)، الذي استخدم الأسلوب الواقعي لتوثيق النكبة والمنفى. كمال بلاطة، الذي مزج بين الحداثة والتراث الإسلامي لإعادة تصور الهوية الفلسطينية. ضياء العزاوي (العراق)، الذي وظّف رمزية عالية في تصوير معاناة الفلسطينيين والعراقيين على حد سواء".
وخلص الجعفري إلى أن الفن التشكيلي لم يكن مجرد تعبير فردي، بل تحول إلى سجل مرئي للوجدان العربي الجمعي، وامتد حضوره إلى المعارض، والمجلات، والكتب المدرسية، وحتى الجدران في مخيمات اللاجئين. ومع اندلاع ثورات الربيع العربي، خرج الفن من القاعات المغلقة إلى الشارع العام، خصوصًا فن الجداريات، الذي تحول إلى أحد أبرز أشكال المقاومة الثقافية.