عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Apr-2020

فيروس كورونا يعري نظام العولمة - علي ابو حبلة

 

الدستور- يعتبر انهيار سور برلين، وتفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط النظام الاشتراكي والذي كان يتقاسم الهيمنة مع الولايات المتحدة انتصاراً للنظام الرأسمالي الليبرالي والتي أظهرت ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يدعو إلى النظام الرأسمالي وتبني أيدلوجية النظام العالمي الاستعماري ــ باتت فيه الولايات المتحدة الامريكية القوة المهيمنة والمتحكمة في الاقتصاد العالمي، تفشي فيروس كورونا عرى النظام العالمي الاستعماري وبانت حقيقة هذه الدول وهشاشة نظامها الاقتصادي،حيث عجزت هذه الدول وفي مقدمتها أمريكا عن مكافحة فيروس كورونا وعجزها عن تأمين الأجهزة الكافية لآلاف المصابين بفيروس الكورونا ــ وليس الملايين ـــ الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، وإيطاليا، وإسبانيا اللتين تعدان أيضاً من الدول الأوروبية الغربية المتقدمة، حتى بلغ الأمر فيهما إلى مرحلة عجزت فيها حكومات هذه الدول عن تامين المستلزمات الصحية لعلاج المصابين بفيروس كورونا وأدى هذا العجز للتسبب في وفاة الآلاف من المرضى.
 
فالعلاقات الدولية، في هذه الآونة، تمر بحالة من التوتر الشديد، خاصة بين الصين وروسيا من جهة، وبين أمريكا من جهة أخرى، مما يؤشر إلى أن (النظام العالمي)، الذي قام استناداً إلى تفاهمات المنتصرين، في الحرب العالمية الثانية، يتعرض الآن إلى هزة كبيرة، ويواجه تحديات جوهرية، قد تطيح به، فيما يؤكد مراقبون انه فعلاً آخذ بالانهيار.
 
فقد تبادل أقطاب عالم اليوم تهماً خطيرة وجدية، حول الجهة التي نشرت فيروس (كورونا)، ووضعت البشر في حالة تهديد وجودي. إذ اتهمت موسكو وزارة الدفاع الأمريكية بأنها هي التي نشرت (كورونا) ضمن حربها البيولوجية، ثم تبعتها بكين بتوجيه ذات التهمة إلى أمريكا، فيما ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اللوم على الصين، وقال ان الفيروس انتشر فيها أولاً. فهل سيكون فيروس (كورونا) القشة التي ستقصم ظهر النظام العالمي، الذي حكم العلاقات الدولية منذ 75 عاماً، وحال دون نشوب حروب عالمية جديدة، حتى اليوم؟
 
تفردت الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة العالم، كونها الدولة الأولى والأقوى، وبذلك هيمنت بسياستها على المعترك الدولي، وأصبح لا يُقضى أمرٌ في العالم، صغيراً كان أم كبيراً، إلا أن توافق عليه واشنطن. ووُضعت جانباً المواثيق، والقوانين الدولية، والاتفاقيات، والمعاهدات، والأعراف الإنسانية، وصارت المصلحة الذاتية العليا هي أساس التعامل الدولي، فرفع ترامب شعار (أمريكا أولاً). ثم أفرطت في استخدام القوة العسكرية، فتحول العالم الى غابة. واختفت الأسسُ المتعارف عليها في حل الخلافات، وصارت هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة، في كل قضية تواجه العالم، فطغت وتجبرت. لكن العقود الماضية شهدت بروز الصين كقوة عالمية، أصبحت نداً قوياً تنافس الولايات المتحدة، على النفوذ، وعلى المجالات الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والتقدم العلمي، وباقي مناحي الحياة. وأدى هذا التنافس بين القوتين إلى خلافات تجارية، تحولت إلى حرب تجارية حامية الوطيس.
 
على صعيد القارة الأوروبية، وضعت دول أوروبا الغربية، بعد الحرب العالمية الثانية، اطاراً لتجنيب القارة ويلات الحروب. فقامت بدايةً بتأسيس (الجماعة الأوروبية للفحم والحديد)، عام 1951 في باريس، من أجل إيجاد تفاهم فيما بينها على اقتسام الثروات الطبيعية، منعاً لنشوء النزاعات والحروب، كما كان يحصل في الماضي، خاصة بين المانيا وفرنسا. وقد استندت الجماعة إلى مقولة (أن الهدف ليس جعل الحرب في أوروبا لا يمكن تصورها فحسب، بل جعلها مستحيلة). وهكذا تولت الجماعة الرقابة على إنتاج وتسويق الفحم والحديد بين الدول الأعضاء.ثم تطورت الفكرة إلى إنشاء (السوق الاوروبية المشتركة)، عام 1957، وتطورت فكرة السوق إلى إنشاء (الإتحاد الاوروبي)، عام 1993. وقد عمل الاتحاد على نقل صلاحيات الدول القومية الى مؤسساته. لكنه تلقى، مطلع عام 2020، ضربة موجعة، إن لم تكن قاضية، بخروج بريطانيا منه. وتحاول دوله الان، بقيادة المانيا وفرنسا، لملمة شمل القارة العجوز مرة اخرى، حتى لا تغادر الاتحاد دول أخرى، فيضعف تدريجياً، وعندها ربما يتلاشى حلم الأوروبيين أن يعيشوا بدون حروب.
 
لقد اتسم نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية بهيمنة الحضارة الغربية على باقي العالم، وتر سخت سيطرة القوى الكبرى على العلاقات الدولية. وإذا لم تتوصل هذه القوى إلى تسويات لخلافاتها بعد أزمة تفشي فيروس كورونا، واستمرت سياسة تعارض المصالح بعد ان تعرت الدول الكبرى وانهيار اقتصاديات العالم وسقط نظام العولمة وبات يخشى الوصول لمرحلة التصادم بفعل تعارض المصالح ، واذا حصل قد لا يُبقي ولا يذر. وبعد ذلك سيخرج من بين الركام عالم جديد، ربما يسوده الرحمة والعدل، لهذه الإنسانية المعذبة.