«غزة الإنسانية».. أداة تجويع وتهجير تحت غطاء الإغاثة*لما جمال العبسه
الدستور
في ظل الحصار اللانساني المستمر على قطاع غزة، لم تعد المساعدات الإنسانية مجرد وسيلة للبقاء، بل تحولت إلى أداة سياسية تُستخدم لإعادة تشكيل الواقع الديموغرافي للقطاع، وهذا الامر يتجسد مثالا حيا في ما يُعرف بـ»مؤسسة غزة الإنسانية» التي تأسست بدعم أمريكي صهيوني وباشرافهما، هذه المؤسسة ليست مجرد منظمة إغاثية، بل هي جزء من مخطط أوسع يهدف إلى فرض سيطرة أمنية على توزيع المساعدات، مما أدى إلى تعميق أزمة الجوع ودفع السكان نحو الهجرة القسرية خارج القطاع.
في قطاع غزة المحاصر، لا تقتصر المأساة الممتدة على مدار 20 شهرا على القصف والغارات، بل امتدت لتأخذ شكلًا أكثر قسوة وهو «الموت جوعا وعطشا او من تراجع مستوى الخدمات الطبية نتيجة قصف المستشفيات ومنع دخول المستلزمات الطبية» وكلها لم تفلح في تهجير الناس، الى ان اتخذت حكومة الفاشي بنيامين نتنياهو من سياسة التجويع الممنهج اسلوبا ترى فيه سبيلا لتحقيق حلمها في اخلاء القطاع، حيث دمرت آلة القتل الصهيوامريكية مراكز توزيع المساعدات ومنعت دخول المساعدات الى القطاع، واقتصرت ذلك في مؤسستها المشؤومة، التي اصبح الوصول لها موتا محققا.
منذ 25 أيار الماضي كان هناك نهج جديد لوحشية آلة القتل الصهيوامريكية، ففي ذلك اليوم بدأ توزيع المساعدات الغذائية لشعب القطاع المحاصر ضمن آلية اقل ما يُقال عنها انها «مُذلة»، ليصبح هذا التجمع للناس فرصة لا تعوض لإعمال القتل في المجوعين من خلال اطلاق النار عليهم مباشرة فمن لم يمت يصاب، اي ان الحصول على لقمة عيش محفوفة بمخاطرة الموت.
إذا ما نظرنا الى الأهداف الأعمق من هذه المؤسسة وحتى مكان وجودها فهي في وسط وجنوب القطاع، ما يشير الى ان هذا الامر سيدفع سكان شمال القطاع للنزوح نحو مناطق تواجد المؤسسة وبالتالي تحقيق هدف اخلاء شمال القطاع، وبالتالي تمهيد تهجيرهم للخارج، كما ان هذه المراكز تستخدم تقنيات مراقبة متقدمة، تحقق اهداف انشاء المؤسسة والمتمثلة في جمع بيانات بيومترية عن المستفيدين، مثل بصمة الوجه والصوت، بالطبع لاستخدامها في عمليات أمنية مستقبلية تستهدف السكان.
استمرار سياسة التجويع والاستهداف في غزة لا يترك مجالا للشك في أن العقاب الجماعي أصبح أداة سياسية لفرض واقع جديد على الفلسطينيين، في ظل تنديد دولي تحرك اخيرا في مجلس الامن الدولي لاخذ قرار دخول المساعدات واناطة توزيعها للمؤسسات الدولية الا ان القرار لاقى فيتو امريكيا تجاهل عمدا مأساة الغزيين بدعوى ان المساعدات تسرقها المقاومة.
قطاع غزة اليوم ليس مجرد عنوان في الأخبار، بل جرح مفتوح يحتاج إلى تدخل دولي عاجل ينهي معاناة المجوعين هناك، بل وضغط قوى من قبل الدول خاصة تلك المصدرة للأسلحة لدولة الكيان بأن تتوقف عن هذا وأن تضغط أكثر على داعمتها «واشنطن».