البدور.. معلم يحمل لوحه وأقلامه و”يتفرغ” لتعليم طلبة البربيطة في بيوت الشعر
تغريد السعايدة
عمان - الغد- أن تكون صاحب رسالة سامية في الحياة، وتخط يداك حروفها، يعني أن لا تستطيع أن تتركها من دون إكمالها، وإيصال شذاها إلى الآخرين على مدى هذا العمر، وهو ما فعله المعلم في مدرسة البربيطة بالطفيلة عمر البدور، صاحب المبادرات الإنسانية والتعليمية.
يحمل البدور لوحه وأقلامه وكتب المنهاج الدراسي، ويتوجه كل يوم، لأماكن سكن الطلبة، ليكون قريبا ويقدم وجبة تعليمية وفق الإمكانيات المتاحة، وفي ظل ظروفهم المعيشية التي لا يتوفر بها أي نوع من أنواع التواصل في آلية التعلم عن بعد التي قررتها وزارة التربية والتعليم تماشياً مع إجراءات الحظر الذي من شأنه أن يحد من انتشار المرض في المملكة.
وعلى الرغم من نجاح عملية التعلم عن بعد لمئات الآلاف من الطلبة في المملكة، إلا أن هناك فئة من العائلات تغيب عنها أبسط مقومات الحياة بما في ذلك متابعة دروس أبنائهم عن بعد.
وعلى الرغم من قلة أعداد الطلبة في مدرسة البربيطة، والتدريس فيها لغاية الصف العاشر فقط، إلا أن البدور الذي احتضن الطلبة منذ بدايات عمله فيها، لم يقف مكتوف اليدين، بل قرر أن يكون المبادر لمتابعة التعليم وزيارة الطلبة في بيوتهم والسير قدماً في متابعة المنهاج الدراسي، وذلك منذ بدء تخفيف حدة إجراءات الحظر عن محافظة الطفيلة.
وفي حديثه لـ”الغد”، يوضح البدور أنه كان منذ البداية حريص على متابعة طلابه الذين يحملون في قلوبهم شغف التعلم ومتابعة التدريس إلى أعلى درجة ممكنة، على الرغم من صعوبة ظروفهم واختلافها؛ إذ يقطنون بيوت الشعر ويقطعون عشرات الكيلومترات سيراً على الاقدام للوصول إلى المدرسة. ويضيف أنه وبالتعاون مع زملائه ومدير المدرسة قام بتوفير المستطاع للطلبة لحثهم على متابعة الدراسة، وبالامكانيات المتاحة.
وخلال جائحة “كورونا” وتوقف العملية التعليمية في مدرسة البربيطة، وما حولها من قرى نائية كذلك، لم يجد البدور وسيلة للتواصل مع طلبته الصغار، وما إن تم “فك الحظر” جزئيا عن محافظة الطفيلة، حتى وجد لنفسه مخرجاً للتنقل بسيارته والإستعانة بأحد الألواح الصغيرة والأقلام، لتكون هي الوسيلة الأجدى و”الوحيدة” للوصول إلى الطلبة وشرح الدروس لهم، على اختلاف صفوفهم الدراسية، حتى الصف السادس الأساسي.
البدور يجد نفسه مرة أخرى بين طلبته يحاورهم ويتفقد أحوالهم، ولطالما كان عوناً لهم في أوقات سابقة من خلال توفير الوجبات لهم خلال تواجدهم في المدرسة، عدا عن التواصل مع المبادرات الخيرية لإيصال المساعدات لهم على فتراتٍ مختلفة.
الصيام والأجواء الصعبة في منطقة البربيطة، التي تفتقر للعديد من متطلبات البنية التحتية، لم تكن عائقاً في عمل البدور، حيث لم يكتف بمتابعة طلبته في مدرسة البربيطة، بل قام كذلك بالوصول إلى طلبة من مدرسة “سيل الحسا” القريبة من المنطقة، والتي وجد منهم أربعة طلبة يعيشون ذات ظروف أطفال البربيطة، وقام بتقديم الدروس لهم بذات الحب والاهتمام، على الرغم من أنهم ليسوا ضمن “اختصاصه” الوظيفي.
طلبة تلك المناطق “الجنوبية”، تفتقر حياتهم لأدنى متطلبات السلامة والعيش، يعيشون في بيوتٍ من الشعر، ويواجهون حر الصيف وبرد الشتاء، كانوا يذهبون إلى مدرستهم في فترة ما قبل الحظر، ليتابعوا دروسهم أسوةً بالطلبة في باقي مناطق المملكة، إلا أن تبعات “كورونا” أمست أكثر قسوة ووطأة عليهم، لحرمانهم من حقهم في التعلم، ليكون البدور من يطرق بابهم ويدعوهم للدراسة تحت سقف خيمةٍ بالية أمست هي البيت والمدرسة.
البدور، حصل قبل ثلاثة أعوام على شهادة تكريم من المنظمة العالمية “الاعتماد الدولي”، والتي تمنح الاعتماد للمؤسسات التعليمية والشركات والمهنيين والأفراد المؤهلين وهيئات الاعتماد الإقليمية، وذلك بعد أن انطبقت عليه شروط الاعتماد والتكريم، من خلال عمله في مدرسة البربيطة وحرصه على تقديم العون والمساعدة للطلبة في المدرسة، وهم من الفئة المحتاجة لذلك، كونهم يعانون من ظروف معيشية صعبة “للغاية”، بحسب البدور. وكان البدور يعمد إلى توفير ما يستطع من النقود من خلال تبرعه وتبرع زملائه ومدير المدرسة، ليقوم بتوفير وجبة غذائية متواضعة للطلبة في المدرسة، بعد أن لاحظ عدم قدرتهم على توفر ما يتناولنه خلال تواجدهم في المدرسة، حتى أعتاد الأطفال على تقديم تلك الوجبات، وتعلقهم الكبير بـ “البدور” الذي أصبح محفزاً لهم لاستمرار التعلم، قدر ما يستطيعون.
ومن خلال عمله الحالي في متابعة دروس الطلبة “بالتجول”، يتمنى أن يجد الكثير من المدرسين طريقة مناسبة لتواصلهم من طلبتهم لضمان استمرار عملية التعليم لهم، خاصةً ممن لا يجدون أدنى وسيلة للتواصل مع منصات التعلم عن بعد، وهم طلبة كثر بحاجة إلى مد يد العون لهم، فالجميع يبحث عما يقوم به من عمل يخدم وطنه في ظل جائحة كورونا التي امتدت آثارها على العديد من الجوانب الحياتية في العالم ككل.