عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Oct-2021

مغالطات ماكس بوت..!* علاء الدين أبو زينة

 الغد

لا بد أن ينطوي أي خطاب يناصر الكيان الاستعماري-الاستيطاني الصهيوني في فلسطين على مغالطات تاريخية وأخلاقية. لكنّ المنخرطين في الدفاع عن هذا الكيان يمتلكون قدرة عجيبة على تصديق ما يقولون ومحاولة عقلنته للآخرين. وقد بدأ هذا الخطاب المفارق للواقع بتقرير أنه “ليس هناك شيء اسمه الشعب الفلسطيني”، وفكرة “شعب بلا أرض لأرض بلا شعب”.
إذا كان بالإمكان تسويق هذه المقولات في وقت سابق لم يكن الناس يملكون فيه مصادر سهلة إلى المعلومة والحقيقة، فإن ثمة إصراراً على استخدام نفس المغالطات في زمن انتقال المعلومات، وتقديم أطروحة متهافتة لجمهور غربي ربما يغلب عليه الجهل أو اللامبالاة على الأقل. ومن ذلك مقال أخير لكاتب صحيفة “الواشنطن بوست” ماكس بوت. وتبدأ المغالطة في المقال الذي يدافع عن الكيان من العنوان نفسه: “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، تكشف عن النفاق بمقاطعة إسرائيل وليس الصين”.
من الواضح أن كاتب “البوست” لا يعرف تعريف حركة المقاطعة وأهدافها، وإلا لعرف أنها “حملة بدأت في 9 تموز (يوليو) 2005 بنداء من 171 منظمة فلسطينية غير حكومية، بهدف المقاطعة، وسحب الاستثمارات وتطبيق العقوبات ضد إسرائيل حتى تنصاع للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان”. وبما أنها حركة بدأها الفلسطينيون وتهدف إلى التحشيد لقضيتهم، فما دخل الصين في الموضوع؟ وأين النفاق في أن هذه الحركة لم توسع تعريفها وأهدافها بحيث تستهدف الدول التي يعتقد بوت أنها غير ديمقراطية؟
إن أي دولة تمارس حكما غير ديمقراطي تجاه شعبها لا تُقارن بكيان استعماري استيطاني إقصائي قوام وجوده إلغاء شعب آخر بالكامل ومصادرة أرضه. ويزعم بوت أن “إسرائيل”، تعامل المواطنين الفلسطينيين الذين احتلت أرضهم وصادرت ممتلكاتهم بمساواة وتعطيهم كامل الحقوق، ثم يعود بوت نفسه فيعدد الجهات والشخصيات الكثيرة التي وصفت الكيان بأنه نظام فصل عنصري، ويضيف أن “إسرائيل” لا تعامل الفلسطينيين في الضفة الغربية بشكل إنساني. فهل يمكن الفصل حقاً بين معاملة الكيان لعرب 1948، كمواطنين من الدرجة الثانية في الحقيقة، وكونه كيان احتلال في أراضي 1967؟
ينتقد بوت الروائية الأيرلندية سالي روني على رفض ترجمة دار نشر في الكيان روايتها الأخيرة إلى العبرية احتجاجاً على ممارسات الكيان الذي أشارت إليه بأنه “دولة الفصل العنصري”، بينما وافقت على ترجمة كتبها إلى اللغة الصينية. كما ينتقد التقدميين الغربيين على موقفهم من الكيان، فيكتب: “بينما يرحب العالم العربي بإسرائيل بشكل متزايد، يتجنبها التقدميون الغربيون”. ويستشهد على ترحيب العالم العربي بالكيان بخطوات التطبيع التي اتخذتها بعض الدول. وكان يجب أن يعرف أفضل؛ لو كان مطلعاً حقاً على مشاعر الشعوب العربية تجاه الكيان، من بين كل البشر الذين لا يقبلون كياناً عنصرياً واستعمارياً، لعرف أن هذا التطبيع لا يخص الغالبية الساحقة من المواطنين العرب، ولعرف الدوافع والضغوطات والمصالح التي كانت وراء هذه الخطوات المنفصلة عن الموقف الشعبي العربي الساحق الرافض تماماً لإضفاء أي شرعية على استعمار فلسطين.
كما أن بوت يستخدم وصف “التقدميون”، (من دون أقواس طبعاً)، لوصف الغربيين المنتقدين للكيان. ويبدو ذلك اعترافاً غير مقصود منه بأن التقدمية تفترض بداهة مناهضة المنظومات العنصرية والوحشية، مثل الكيان الصهيوني، بينما تصادق على هذه المنظومات الاتجاهات الرجعية التي ينتمي إليها بوت واعتذاريو الاستعمار والاضطهاد.
وفي مكان آخر من المقال، ينتقد بوت المطالبين بعودة اللاجئين الفلسطينيين، على أساس أن ذلك سيلغي “يهودية الدولة”؛ بمعنى أن الأكثر من سبعة ملايين فلسطيني المشردين لحساب مهاجرين يهود غرباء ليحلوا محلهم يجب أن يذهبوا إلى الجحيم، ولا يحق لأحد الدفاع عن حقهم إلى وطنهم.
بشكل عام، يحاول بوت أن يقول في مقاله: انظروا، هناك الصين، ودول عربية تضطهد مواطنيها ولا ينتقدها ويقاطعها أحد، بينما ينتقدون “إسرائيل”. وهذا أسوأ دفاع ممكن عن الكيان، حيث يرتكز دفعه على فكرة: غيرنا يرتكب المخالفات ويفلت بها، ولذلك لا يجب محاسبتنا على مخالفاتنا، ولنُعامل مثل هؤلاء الآخرين. وفي الحقيقة، يذكر معلق أميركي على مقال بوت، فيذكره بأن عليه أولاً أن ينتبه إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها بلده في الداخل والخارج، قبل أن يتنطح للدفاع عن بلد آخر مخالف للقانون الدولي جهاراً ويزداد الذين يعرّفونه على أنه كيان عنصري كل يوم.