عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Dec-2025

محاكمة بلفور .. وحصاد الطوفان*احمد ذيبان

 الراي

أمضى المفكر والباحث سلمان أبو ستة عمره منذ صباه في توثيق كل ما يتعلق بالقصية الفلسطينية، وهو من مواليد بئر السبع المحتلة عام 1937، ومؤرخ فلسطيني ومؤسس ورئيس جمعية أرض فلسطين في لندن، ومتخصص في توثيق الشؤون المتعلقة بأرض فلسطين وشعبها. عُرِف عنه وضع الخطط والخرائط الخاصة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ومن أشهر مؤلفاته : "أطلس فلسطين" و"حق العودة "و"النكبة الفلسطينية عام 1948" . "في 12 آب الماضي أقام المركز العربي للأبحاث – عمّان، ندوة بعنوان "محاكمة بلفور" استضاف فيها أبو ستة، وتضمنت الندوة عرض مادة فيلمية لمحاكمة رمزية أجراها أبو ستة سابقا، ضد آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا الأسبق، الذي أصدر" وعد بلفور" الذي ينص على "منح فلسطين وطنا قوميا لليهود".
 
وتم عرض الفيلم في جامعة إدنبرة عام 2022، وأظهر العرض تسلسلا تاريخيا لتداعيات الانتداب البريطاني على فلسطين، وما تلاه من دعم للحركة الصهيونية أفضى إلى إقامة دولة إسرائيل، وانتهاك حق الفلسطينيين في الحياة على أرض وطنهم، وارتكاب العصابات الصهيونية جرائم مروعة بحق الفلسطينيين.
 
كما تضمنت المحاكمة تحقيقا قانونيا واصطلاحيا بنص وعد بلفور، الذي يتكون من 67 كلمة يُفصِح فيها عن نيته منح وطن لليهود في فلسطين، وقد أدى هذا الخطاب إلى تشريد وقتل عدد لا يُحصى من الفلسطينيين خلال السنوات التي تلته.
 
وبين أبو ستة أن الوعد كان مجرد بيان في الأصل قبل أن تتلقفه الحركة الصهيونية وتحوله إلى "وعد" تطالب بالوفاء به، وهو وفاء تحقق في نهاية المطاف بالنكبة الفلسطينية.
 
وحاجج أبو ستة اللورد بلفور بخطاب له، وصف فيه الفلسطينيين بالهمجيين، مذكرا إياه بأن الشعب الفلسطيني أنجب إدوارد سعيد وإسماعيل شموط وغسان كنفاني وناجي العلي وغيرهم من المفكرين والفنانين والكتاب، إضافة إلى علماء كبار مثل الأخوين نايفة، ومخترعين ومخترعات ورواد فضاء، كما سخر منه إذ أبلغه بأن الشعب الفلسطيني الذي أريد له الفناء حين كان تعداده 700 ألف، أصبح تعداده اليوم نحو 14 مليونا، وما زال متمسكا بأرضه وحقوقه. وكان موقع إقامة الندوة في جامعة إدنبرا مرتبطًا بموضوعها، حيث شغل اللورد بلفور منصب مستشار الجامعة لمدة 40 عامًا.
 
وفي احدى مقابلاته الصحفية يقول أبو ستة : أنا من لاجئي حرب 1948، كان عمري عشر سنوات، عندما ذهبت لدراسة الدكتوراه في جامعة لندن عام 1961، هناك قلت في نفسي: هذا البلد سبّب الويلات التي حدثت لنا، أريد معرفة حقيقة الخرائط الفلسطينية، وذهبت إلى الجمعية الجغرافية الملكية وهي منشأة عام 1813 وفيها خرائط العالم. أجابوني: لا يوجد خرائط لفلسطين! طلبت خريطة الشرق الأوسط ووضعت اصبعي على موقع فلسطين. ردوا عليّ: تقصد إسرائيل. لقد شطبوا اسم فلسطين وأستبدلوا إسرائيل به. ثم بحثت عن مراكز الوثائق ووجدت خمسة عشر مكاناً جمعت منها خرائط ووثائق كثيرة. وأكملت المشروع وذهبت إلى المانيا وحصلت على صور جوية ألمانية لفلسطين في الحرب العالمية الأولى، وكذلك إلى باريس وحصلت على وثائق عن غزو نابليون لبلاد الشام، وأيضاً إلى واشنطن وحصلت على وثائق من مكتبة الكونغرس والأمم المتحدة، وعلى مدى سنوات درست وجمعت ووثقت كل الخرائط والوثائق، وفي عام 2000 قررت إنشاء هيئة أرض فلسطين في لندن، والتي اصبحت معتمدة في الأمم المتحدة، وخلال 25 عاماً أصدرت الأطالس والكتب والخرائط.
 
ويتساءل ابو ستة: هل يوجد ربط بين حرب غزة وإقامة المعرض؟ حرب الإبادة في غزة والتي شاهدناها على التلفزيون كانت حافزا قويا لكي نتبين، أن هذا فصل بشع في تاريخ معاناة الفلسطينيين، وانه لابد من معرفة جذور القضية، لأنها لم تبدأ في 7 أكتوبر 2023 كما يدعي الغرب بل بدأت قبل 28 ألف يوم منذ نكبة 1948.
 
ما يحدث اليوم في فلسطين والمنطقة بكاملها لم يمنع العدو الصهيوني، من نشر مشروعه بالتوسع، كما أعلن ذلك مجرم الحرب نتنياهو.
 
وعلى ذكر حرب الطوفان وما خلفته من كارثة انسانية في قطاع غزة، فقد وثقت في كتابي "غزة .. الكارثة والبطولة " الذي يرد على السردية الصهيونية الزائفة، بالمقابل فان حصاد الطوفان جعل القضية الفلسطينية تحتل الأولوية على أجندة السياسة الدولية.
 
وأكثر من ذلك ،كان من نتائج حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، تزايد عدد من الدول الأوروبية وكندا التي اعترفت بدولة فلسطين، وبضمنها بريطانيا صاحبة "وعد بلفور"!
 
ليس ذلك فحسب بل أصبحت المأساة الفلسطينية رافعة للرأي العام الدولي، الذي يتمثل بالمسيرات الجماهيرية الحاشدة والاعتصامات والاضرابات، للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مختلف دول العالم،وهو ما لم يكن موجودا قبل 7 اكتوبر عام 2023.