عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Apr-2020

وإذا الفيروس أنشب أظفاره ألفيت كل تميمة لا تنفعُ - محمد عيد الزبيدي
 
 
الدستور- كان الإنسان قديماً يؤمن بأن الأمراض أرواح شريرة تصيب الأبدان، وتتملك الأرواح ولا تفارقها الا اذا قدّم أقارب المريض الأضاحي والقرابين، وصعدوا لأعالي الجبال للدعاء صائحين للآلهة بأن ترفع ابتلاءها عنهم وتزيح سخطها عن مريضهم المتألم الموجوع.
 
وعندما يتماثل ذلك العزيز للشفاء بعد انقضاء فترة حضانة الفيروس، كان البشر يظنون ان الآلهة استجابت لدعائهم وقبلت قرابينهم، فيخرجون عندها في احتفالات صاخبة، ويزينون بيوتهم، ويوزعون الحلوى شكراً للآلهة على كرمها.
 
وبعد انقضاء فترة المرض هذه، يقوم اهل المريض بأخذ مريضهم المتعافي الى رجل دين او حكيم يُظهر الورع والتقوى ليصنع له تميمة يعلقها المتعافي في عنقه، لتدفع عنه الكائنات الأثيرية الضارة وتجلب له رضى الأرباب، وترفع بلاءها وسخطها عن ذلك العبد الضعيف.
 
كل ذلك كان في الماضي. وان كانت أقوام كثيرة تعيش بين ظهرانينا، وما زالت تؤمن وتمارس هذه الطقوس، ظناً ان الأوبئة سخط من الآلهة، وتحسب ان الفيضانات والزلازل غضب وعقوبة على أفعال صغيرة ارتكبوها.
 
بل وتفسر تلك العقول البدائية البرقَ والرعد والإعصار على انها غيظ سماوي ونقمة، لأن الكاهن فلان لم يقم بإصلاح باب المعبد او لم يجزّ الأعشاب الضارة في فناء بيت الصلاة.
 
ولكن كثيرا من أمم الأرض من غير هؤلاء، وفي القرون الأخيرة قد تحرروا من أغلال هذه التأويلات والتفسيرات الوهمية وغير الواقعية لأنهم أطلقوا العنان لعقولهم متسلحين بالفلسفة الناقدة أولا ثم بالبحث العلمي الرصين.
 
وقد خلصوا الى ان الأمراض سببها فيروسات أو بكتيريا او اعتلال فسيولوجي او نفسي. واخترع العقل الباحث هنا الفيتامينات والمضادات الحيوية وتدخلا جراحياً لعلاج الأمراض الباطنية. واوجد ذلك العقل المبتكِر مانعة الصواعق لدرء خطرها، وبنى السدود لمنع الفيضانات وغيّر « كودات « البناء لكي تتمايل مباني الإنسان ولا تنهدم عندما تزلزل الأرض زلزالها.
 
وعندما تفشى وباء كورونا في أرجاء العالم، خرج علينا البعض من مختلف الأديان  وغيرهم، كما كان يخرج أسلافهم القدماء صائحين بتفسيراتهم القديمة عن السخط والغضب السماوي. وان الفيروس جاء ليعاقب الناس على سوء صنيعهم.
 
وكانت صيحاتهم في بداية هذا العام تجمع الناس حولهم بالخوف، ومن ثم يمارسون فروض الطاعة لهم، وليغدق الميسور من الناس اموالا وهدايا على هؤلاء الكهنة ومعبدهم.
 
ولكن العلم الحديث سرعان ما أزاح تلك الغشاوة عن أعين الناس، وأبان لهم ان هذا الوباء المعدي، سببه فيروس متحور ومنتقل من الحيوانات الى الانسان.
 
وتدخلت العلوم الصحية هنا بمخزونها الهائل من المعرفة الطبية لتلقي بتمائم رجال الكهنوت بعيداً، وتطلب منهم عدم تجميع الناس في صعيد واحد كما هي عادتهم عند نزول النوازل في الغابر من الايام ولان التجمعات تزيد الوباء انتشاراً.
 
وقد أبدى كثير من رجال المعابد رفضهم هذه الإجراءات لظنهم انها ستسحب البساط من تحت اقدامهم، ثم لم يجدوا بداً من الاستسلام لسلطان العلم واوامر الاطباء بسبب وعي الجماهير وحجج العلوم الطبية الصادقة والمجربة.
 
وهاهي البشرية جمعاء اليوم بكل أطيافها الدينية والسياسية والعرقية والثقافية، تقف متحلقة حول علماء الكيمياء الحيوية وشاخصة بالأبصار الى الباحثين في الإنتاج الصيدلاني وملبية أوامر خبراء العلوم الصحية، انتظارا لإنتاج عقار شافٍ ولقاح واقٍ يدفع بلاء الكورونا عن بني الإنسان. ولن يُخيّب العلمُ الحديث ظنهم وان طالت المعركة مع الفيروس قليلاً.