الغد-ترجمة: لجين عبد العزيز حسين
الاعتراف بالخطأ والقدرة على الاعتذار ليسا مجرد سلوك اجتماعي مهذب، بل مؤشر على وعي الذات وصحة العلاقات. ومع ذلك، تكشف الدراسات النفسية أن كثيرا من الأفراد يواجهون صعوبة شديدة في قول "كنت مخطئا" أو "أنا آسف"، خاصة إذا حاول الشخص القيام بالشيء الصحيح أو شعر أنه متهم ظلما. لكن بعض الناس لديهم صعوبة خاصة في الاعتراف بأنهم كانوا مخطئين، أو تحمل المسؤولية، أو قول "آسف" بطريقة ذات معنى.
ونرى هذا النمط في الشخصيات البارزة والسياسة العالمية، لكنه مألوف أيضا في علاقاتنا الشخصية، حيث يمكن أن تتداخل الدفاعات اللاواعية والسمات الشخصية والجمود مع السلوك التكيفي. إن إدراك ما يحدث خلف الكواليس عندما نكون عالقين في مأزق يمكن أن يساعدنا على اتخاذ خطوة إلى الأمام، أو التخلي، وكبح دورة التفاعلات المدمرة، بحسب موقع "سيكولوجي توداي".
فالعقبة الشائعة أمام الاعتذار هي القناعة بأنه لا ينبغي أن نعتذر لأننا لم نفعل شيئا "خاطئا". في بعض الحالات، قد يكون هذا صحيحا تقنيا من منظور قائم على الحقائق. لكن الاستثمار في إثبات أننا "على حق"، حتى في الحوار الداخلي للفرد، يطيل أمد الصراع ويزرع الانقسام. إذا كان شخص ما على حق، فإن الآخر يكون مخطئا. ومن منظور علائقي، الجميع يخسر.
الأبحاث الحديثة، من بينها أعمال مونيكا فيلهاور، دكتوراه في الفلسفة، وأبحاث جينيفر روبنولت، دكتوراه في القانون والفلسفة، وجيسيكا بريغانت، دكتوراه في القانون والفلسفة، وفيرِتي وينشيب، أستاذة القانون، إلى جانب دراسة لودفيغ وشومان وبورتر (2022) حول الاعتذار والتواضع، تبين أن رفض الاعتراف بالخطأ لا يقتصر على الحياة اليومية، بل يمتد إلى السياسة، القضاء، والعلاقات الدولية.
هذه الديناميكيات تشرح لماذا يختار البعض الدفاع أو الإنكار بدل الاعتراف، وكيف يمكن أن تتحول الاعتذارات الصادقة إلى أداة لإصلاح العلاقات، تخفيف النزاعات، وإعادة بناء الثقة.
لماذا يغلق البعض عقولهم؟
بعض الناس لا يتحملون المسؤولية أو يعترفون بأنهم كانوا مخطئين لأنهم يعتقدون أنهم دائما في الواقع "على حق". العجز عن "التفكير الذهني"؛ أي القدرة على التفكير الذاتي والارتباط بوجهة نظر أو عقلية غير عقلية الفرد الخاصة، يمكن أن يكون عائقا أمام التعاطف والاتصال والإصلاح. مسألة ذات صلة هي احتضان "اليقين المرضي" بشأن صحة الموقف الشخصي. هذا الجمود المعرفي يتجلى في انغلاق ذهني محبط، وفي الواقع عجز نفسي عن التعلم يتميز بعدم القدرة على استيعاب المعلومات الجديدة وتحويل الفهم.
الحاجة إلى أن يعاد تبرير الذات في أعين الآخرين بعد كشف خطأ أو ذنب يمكن أن ترتبط بشخصية مثالية جامدة و/أو بدفاعات نرجسية. هنا يعمل الضغط اللاواعي على الحفاظ على صورة مثالية للذات كحماية ضد تهديد النقد والخزي الذاتي.
الشعور المفرط بالذنب والعار
بالنسبة لبعض الناس، فإن الاعتراف بأنهم آذوا شخصا محبوبا أو ارتكبوا شيئا "خاطئا" يتم صده لاشعوريا لأنه يثير مشاعر الخزي والعار المخيفة. هنا يتم استرجاع ديناميكيات الطفولة التي ينطوي فيها أحد الوالدين على النقد أو التوبيخ أو عدم الاستجابة و/أو إلقاء عبء الذنب العاطفي.
أن تكون متعاطفا وتتحمل المسؤولية يمكن أن يقود الأشخاص ذوي هذا النمط إلى المبالغة في التماهي مع المعاناة المتخيلة أو المسقَطة للشخص الآخر، وإلى شعور مبالغ فيه بـ"الجريمة" أو الخطأ أو الذنب أو المسؤولية العاطفية عن مشاعر الشخص الآخر.
ويمكن أن ينشأ سوء الفهم والشعور بـ"الحق" من التباين بين النية الواعية للتواصل أو الفعل، ورد فعل الطرف الآخر المؤذي. قد يكون السبب غياب الوعي الذاتي الذي يؤدي إلى تواصل غير متوافق، حيث تتسلل المشاعر والعمليات اللاواعية إلى النص أو "اللحن" الخفي للرسالة، من دون وعي. على سبيل المثال، مشاعر غير معبَّر عنها أو مفصولة، مثل التهيج أو نفاد الصبر أو الاستياء، تتسرب بشكل روتيني من خلال النبرة أو طبقة الصوت أو صياغة الكلمات. هذه "الموسيقا" في التفاعل تنتقل على الفور إلى دماغ المتلقي، مرسلة إشارة خطر، وتطغى على محتوى سطحي يبدو بريئا.
متى يكون التمسك
بالموقف سلوكا تكيفيا؟
في بعض المواقف، يمكن أن يكون الاستمرار في الدفاع عن وجهة النظر أو السلوك استراتيجية لاواعية طبيعية أو تكيفية، مثل الاستجابة لدافع نمائي لإعطاء الأولوية للاستقلالية كما في فترة المراهقة. وبالمثل، قد يأتي التمسك بالموقف من الحاجة المشروعة لحماية النفس من دينامية علائقية قمعية. على سبيل المثال، قد يكون ذلك وسيلة للتأكيد على الاستقلالية أو الحدود عند وجود إساءة استخدام للسلطة أو في مواجهة شخص متحكم.
عندما تكون المخاطر عالية، سواء سياسيا أو شخصيا، يصبح إنكار أو الدفاع عن الأفعال التي سببت ضررا أمرا معقدا بدوافع إضافية وجهود للسيطرة على السرد، مهما كان مضللا. على عكس "الحكمة" التقليدية، الناس في الواقع أكثر عرضة لرفع الدعاوى في غياب اعتذار ذي معنى يعترف بالخطأ أو الضرر.
وتؤكد أبحاث جينيفر روبنولت وبريغانت وفيرِتي وينشيب أن غياب الاعتذارات يؤدي إلى زيادة النزاعات القضائية، حتى مع وجود تسويات مالية كبيرة. كما بينت أن الاعتذار في كثير من الأحيان يندرج ضمن شروط التسوية، وأن غيابه يترك الأطراف في حالة إحباط رغم المكاسب المادية.
وأحيانا، يكون سوء التقدير والصراع و"الإخفاقات التعاطفية" أمر لا مفر منه، خاصة في العلاقات الوثيقة. حتى بين الأمهات المتناغمات وأطفالهن، تحدث لحظات انفصال. لكن القدرة على أن تكون مستجيبا بشكل موثوق واستعادة الإيقاع أو الرابطة المكسورة هي التي تحدد أمان الطفل وصحة العلاقة، وبالمثل صحة العلاقات أو سهولة حل النزاع.
وتلبي الاعتذارات الإصلاحية حاجتنا الإنسانية في أن يتم الاعتراف بالضرر أو خرق الثقة، وأن يُفهَم ويُشعَر به بطريقة ما من قبل الشخص المسيء، وذلك في خدمة استعادة العدالة، وتقليل اللوم الذاتي، وتقاسم العبء. عندما يتم تجاهل هذه الحاجة، تعمل الانتقامات وصراعات السيطرة كبدائل للهدف نفسه، مسببة مزيدا من الضرر للجميع. أولئك القادرون يمكنهم اختيار الترياق لمزيد من التصعيد، ومن خلال تقديم غصن زيتون حقيقي أو تقليل المشاركة في الدورة، يسهمون في جعل العالم المحيط بهم أكثر قابلية للعيش.