ھآرتس
كان لرئیس الجزائر عبد العزیز بوتفلیقة أول أمس بشرى مزدوجة لمواطني الدولة: صحیح أنھ لن یتنافس في الانتخابات القادمة، لكن في ھذه الاثناء أیضا لن تجرى انتخابات. یبدو أن الاحتجاجات الكبیرة التي بدأت في الشھر الماضي والتي طالب فیھا آلاف المواطنین بانسحاب بوتفلیقة من الترشح للرئاسة، توجت بالنجاح. لقد كان ھناك من توج اعلان الرئیس كجولة ناجحة اخرى لثورات الربیع العربي، بعد ثماني سنوات من اندلاعھا في تونس. ولكن إلى جانب نجاح الجمھور والاعتراف بقوتھ (وتھدیداتھ) تقف الآن عدة علامات استفھام تواصل تحریك الاحتجاج في الشوارع.
ھتافات الفرح ورفع الاعلام وصافرات الشوارع التي عبرت عن الاحتجاج یمكنھا أن تحل قریبا محل احتجاجات ومظاھرات جدیدة. الجمھور یتوقع أن یطلب معرفة على الاقل متى سیتم اجراء الانتخابات القادمة واذا كان بوتفلیقة یخطط لاستغلال فترة التأجیل حتى النھایة والبقاء رئیسا.
الرئیس وعد بإجراء حوار وطني في مسألة التعدیلات في الدستور، واجراء اصلاحات اقتصادیة تضمن زیادة اماكن العمل وتقلیص الفجوات الاجتماعیة. ولكن الخوف ھو من أن تأجیل الانتخابات سیفرض على الجزائر فترة جمود وتعزیز النخبة التي بدأت في تعزیز صفوفھا من اجل ضمان أن یكون الرئیس القادم، مھما كان، أن یضمن لھا الامتیازات التي حظیت بھا خلال عشرین سنة من ولایة بوتفلیقة.
طالما أن الرئیس الحالي بقي الحكم، فإن النخبة السیاسیة التي تتركز في الحزب الحاكم والجبھة
القومیة واصحاب رؤوس الاموال، المقربین من بوتفلیقة، یمكنھا رسم صورة الاصلاحات التي تكون مستعدة لھا. وھي أیضا یمكنھا التأثیر على التعدیلات في الدستور.
السؤال الرئیسي بناء على ذلك ھو ھل مقاربة النظام في الجزائر وقوة النخبة في الدولة ستتغیر
بعد ذھاب بوتفلیقة النھائي، أو أن الامر یتعلق فقط بتغییر الاشخاص في حین أن المقاربة نفسھا
لن تتضرر. جزء من الجواب یكمن في سیاسة الجیش، الذي بصورة تقلیدیة قرر من یقود الدولة وكیفیة قیادتھا. بین الرئیس الحالي وبین قادة الجیش تسود علاقات تعاون، لكن أیضا الشك والتھدید.
بوتفلیقة لدیھ معلومات تفید أن قادة الجیش والمخابرات تعرضوا للخطر ، التي بناء علیھا الكثیر من القادة شاركوا في حرب الاستقلال العنیفة ضد فرنسا. كشف ھذه الاسرار یمكن أن تثیر عاصفة في اوساط الجمھور وتؤدي إلى المطالبة بتقدیم عدد من ھؤلاء الضباط للمحاكمة على جرائم حرب. آخرون یمكنھم أن یقدموا للمحاكمة على افعال غیر قانونیة نفذوھا في الحرب الأھلیة بعد اندلاعھا بعد الغاء النظام للانتخابات في 1991 .مع ذلك، أیضا للجیش واصحاب رؤوس الاموال ما یكفي من المواد عن بوتفلیقة نفسھ الذي ھرب من الدولة بعد اتھامھ بسرقة كبیرة وعودتھ بعد 16 سنة من المنفى في سویسرا.
میزان القوى الھش بین الجیش واصحاب رؤوس الاموال من جھة والانتفاضة المدنیة التي اجبرت الجیش على الادراك بأن الاستخدام المبالغ بھ للقوة یمكن أن یدھور الدولة إلى فوضى تصعب السیطرة علیھا من جھة اخرى، ستجبر قیادة المعسكرین على التوصل إلى تفاھمات تمكن كل طرف من الادعاء بأنھ قد انتصر.
میزة الجزائر مقارنة مع مصر وتونس ولیبیا والیمن، دول ثورات الربیع العربي، تكمن في أن سیاستھا مؤسسة، وأن احزاب المعارضة انبتت من داخلھا قادة محلیین. الحدیث لا یدور فقط عن حركات احتجاج اقیمت بتسرع ویرأسھا شباب غیر معروفین مثلما حدث في احتجاجات الدول العربیة الاخرى، ھذه البنیة یمكن أن تضمن سلوكا سیاسیا منظما شریطة أن یسارع النظام إلى تحدید موعد جدید للانتخابات یجر ھذه الحركات إلى الانتظام السیاسي وإلى المنافسة على دور القیادة.
كلما تأخر موعد اجراء الانتخابات سینضم إلى حركات الاحتجاج شباب رادیكالیون، بالاساس من التنظیمات الاسلامیة. ھذه الجھات یتوقع أن ترجح استراتیجیة العمل وأن تملي جدول الاعمال الایدیولوجي. ھذا الامر یمكنھ أیضا أن یحدد موقف الجیش من الاحتجاج: اذا كانت قوات الامن حتى الآن تصرفت بضبط نفس نسبي وحتى أنھا اعلنت أن الجیش والشعب یرون بنفس المنظار مستقبل الدولة، فإنھ اذا غیر الاحتجاج طبیعتھ السیاسیة واصبح ایدیولوجیا، فمن شأن الجیش أن یتبنى ھو أیضا مقاربة اكثر قسوة من شأنھا أن تؤدي إلى مواجھات عنیفة.
إن اتجاه الاحداث یتعلق الآن بسلوك بوتفلیقة المریض ومستشاریھ المقربین. في عمر الـ 82 یمكننا التقدیر بأنھ یفكر بالارث الذي سیخلفھ وبطابع الدولة التي حارب من اجل تحریرھا.
الرئیس لم یكن نموذجا مثالیا للزعیم الدیمقراطي. لقد استند إلى قوى لم تنتخب من قبل الجمھور
وعلى الجیش. ومنع نمو قادة اقویاء في حزبھ. في المقابل، ھو الزعیم الذي نجح في تحقیق المصالحة الوطنیة في الجزائر وانھاء الحرب الأھلیة التي قتل فیھا 200 ألف شخص تقریبا.
یمكننا أن ننسب قرار انسحابھ من المنافسة في الانتخابات وتأجیل اجرائھا إلى حكمتھ، التي
اوضحت لھ أن الجمھور لا یوافق علیھ لولایة خامسة، ولیس فقط بسبب وضعھ الصحي المتدھور.