عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Jun-2024

الجيش الأكثر أخلاقيّة في العالم*د. صلاح جرّار

 الراي

دأب المسؤولون الإسرائيليون بعد كلّ مجزرة يرتكبها جيشهم وبعد كلّ تهمة توجّه إليهم في إطار عدوانهم المجنون على قطاع غزّة والضفّة الغربيّة على الردّ على كلّ من ينتقدهم أو يدين جرائم جيشهم بالقول إنّ جيشهم هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، ثم يحاولون بعد زعمهم هذا في كلّ مرّة أن ينزعوا صفة الأخلاقيّة عمّن ينتقدهم من المسؤولين الدوليين وزعماء الدول التي اكتشفت حقيقة الصهاينة وتاريخهم الأسود.
 
وأمام وصف جيشهم بالأخلاقية ونزع الأخلاقية عمّن سواهم فإنّ المرء بين خيارين: إمّا أن يكون هؤلاء المسؤولون الصهاينة كاذبين بدليل ما يشاهده العالم من الجرائم والممارسات الأقذر في تاريخ الحروب قديماً وحديثاً التي يرتكبها الجيش الصهيوني، وإمّا أن يكون لمفهوم الأخلاقية عند الصهاينة مواصفات غير التي اصطلح عليها الناس والمفكرون والعلماء والفلاسفة والشعوب في كلّ العصور.
 
وقد يتساءل المرء ضمن هذه المواصفات المفترضة إن كان الأمر مرتبطاً بالتمييز العنصري، أي أنّه إذا كان القتلُ والإحراقُ والتجويع والحرمان من الماء والدواء والهواء موجّهاً ضد العرب فهي أعمالٌ أخلاقية أمّا إذا كانت موجّهة ضدّ غير العرب فتكون أعمالاً لا أخلاقيّة؟! وإلاّ فماذا يسمّي المسؤولون الإسرائيليون وأبواقهم في الإدارة الأميركية قتل أكثر من ستة وثلاثين ألفاً أكثرهم من الأطفال والنساء بالقصف والتمزيق والحرق والدفن وهم أحياء؟! وماذا يسمّون إصابة أكثر من خمسة وثمانين ألفاً من المدنيين وهدم منازلهم وتشريدهم هنا وهناك وحرمانهم من الماء والغذاء والدواء والكهرباء والمأوى؟! فإذا كان ذلك ليس من الممارسات اللاأخلاقية فما هي الممارسات اللاأخلاقية في نظرهم والتي لم يرتكبوها حتّى الآن؟! إنّ عدم أخذ هذه الجرائم في الاعتبار عند الحديث عن الأخلاق أو التجرّد عن الأخلاق يعني أحد أمرين لدى المسؤولين الصهاينة ولدى مناصريهم في الغرب، أولهما أنّ هذا العدد الكبير جداً من الأرواح والدماء المسفوكة من الفلسطينيين ليس له أي قيمة في نظر هؤلاء الصهاينة وبالتالي لا بشكّل قتلهم أي نوع من أنواع التجاوز الأخلاقي، لأنّ التجاوز الأخلاقي يكون ضدّ شيء ذي قيمة أو أشخاص ذوي قيمة في نظرهم. والأمر الثاني أنّ هؤلاء الصهاينة يرون أنّهم بقتلهم الفلسطينيين مدنيين أو مقاتلين وطحن جماجم أطفالهم وتقطيع أوصالهم إنّما يقومون بأعمال أخلاقية خالصة لوجه الله.
 
وأيّاً ما كان الدافع الصهيوني وراء وصف الجيش الإسرائيلي بأنه الأكثر أخلاقية في العالم واعتبار المجازر الوحشية التي يرتكبها ضدّ المدنيين في غزّة ممارسات أخلاقية، فإنّ مسؤولية الردّ على هذه الهرطقات والمزاعم تقع على عاتق عدّة جهات يتقدّمها جميع من يدّعون الدفاع عن الأخلاق والحثّ عليها وتحديد مواصفاتها وشروطها من علماء ورجال قانون وفلاسفة ومفكرين ومثقفين وأدباء وفنانين ورجال دين وأساتذة جامعات ومتخصّصين في العلوم الإنسانية وغيرهم، فعلى هؤلاء جميعاً أن يتصدّوا لهذا العدوان الغاشم على المفاهيم الأخلاقية ومحاولات الصهاينة تشويه القيم والحقائق الإنسانية ومفاهيم العدالة بالكتابة والنشر والحوارات وعمل الدراسات وغير ذلك ممّا يتناسب مع اختصاص كلّ منهم.
 
ويلي هؤلاء في تحمّل المسؤولية العديد من الدول العربية والإسلامية ووسائل إعلامها المختلفة، إذ يجب على هذه الدول أن لا تتسامح في موضوع قيمة الإنسان العربي عندما يُسْتَهْدفُ أو يُقْتَلُ أو يُجرح أو يُشَرَّدُ أو يُهَجَّر أو يُجَوَّع أو يُعتَقلُ أو يُعَذَّب أو يهانُ أو يُهَدمُ بيتُه أو تصادرُ أرْضُه أو غير ذلك ممّا يلحق به سواءً أكان فلسطينياً أم غير فلسطيني.
 
وأمّا الجهة الثالثة التي تتحمّل مسؤولية إثبات لاأخلاقية الممارسات الصهيونية فهي المنظمات الدولية الحقوقية والقانونية والمحاكم الدولية التي من واجبها تفنيد مزاعم المسؤولين الإسرائيليين وتحديد مواصفات العمل الأخلاقي والعمل اللاأخلاقي وإصدار القرارات المناسبة التي تضع حدّاً للتجاوزات الأخلاقية المتمادية التي يمارسها الجيش الصهيوني.