عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Apr-2020

فيروس كورونا: كيف تقنع الآخرين بفاعلية التباعد الاجتماعي؟

 

الغد- أدى انتشار فيروس كورونا المستجد في بعض بقاع العالم إلى أن تصبح الأماكن العامة هناك خاوية على عروشها بشكل يبعث القشعريرة في الأبدان.
 
لكن بقاعا أخرى، ظلت رغم تفشي الوباء مفعمة بالحياة بنفس وتيرتها السابقة، بل وربما أكثر. فقبل أن تشدد الحكومة البريطانية إجراءات الإغلاق المتخذة في البلاد، تدفق الزوار على ريف ويلز بشكل غير معتاد في مثل هذا الوقت من العام.
 
أما في استراليا، فقد بدا مرتادو شاطئ بوندي غير مستعدين لقبول أن يعكر عليهم فيروس كورونا صفو عطلتهم، حتى اضطرت الشرطة للتدخل في نهاية المطاف.
 
الصورة نفسها تكررت في ولاية ميامي الأمريكية، لكن هذه المرة مع طلاب جامعيين بدوا عازمين على مواصلة التمتع بعطلتهم الربيعية، بغض النظر عما يجري في العالم. وقال أحدهم: “إذا كنت سأصاب بكورونا فسيحدث ذلك بغض النظر عن أي شيء. ولن أدع هذا الأمر يفسد عليّ الاستمتاع بالحفلات والتجمعات” التي تشهدها العطلة.
 
المفارقة أن الشباب ليسوا المجموعة الوحيدة التي يصعب عليها إدراك الواقع الجديد للحياة في ظل التفشي الوبائي الحالي، والتعايش معه. فقد أظهر استطلاع للرأي، أُجري في الولايات المتحدة في منتصف مارس/آذار الماضي، أن نسبة من شعروا بالقلق حيال إمكانية مواجهتهم خطر الموت حال إصابتهم بالفيروس بين من تزيد أعمارهم على 60 عاما كانت أقل من 50 في المئة.
 
وتطلب الأمر بالنسبة لبعض الشبان، أن يمارسوا هم “أدوارا أبوية” مع آبائهم وأمهاتهم المسنين، للتحقق من أنهم لن يخالفوا الإرشادات الصحية ويتسللوا إلى الخارج.
 
ويشير ذلك إلى أنه بالرغم من أن المنظمات والجهات المسؤولة عن الصحة العامة في العالم، مثل منظمة الصحة العالمية وهيئة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، تؤكد بوضوح أن هناك طرقا فعالة لإبطاء تفشي فيروس كورونا المستجد، من خلال تحاشي التواصل الوثيق والقريب مع الآخرين، فإن هناك الكثيرين ممن لا يراعون ذلك، حتى بعد أن تم تطبيق إجراءات صارمة في هذا الصدد.
 
فما السبب في ذلك؟ وكيف يمكنك إقناع هؤلاء الأشخاص بالبدء في الاعتناء بأنفسهم وصحتهم وحماية من حولهم من الخطر كذلك؟
 
يتناقض عدم اكتراث البعض باحترام إجراءات الإغلاق مع نتائج دراسة أجريت خلال التفشي الوبائي الراهن. الدراسة كشفت – كما يقول باسكال جلدستزير الباحث في جامعة هارفارد – أن الأمريكيين والبريطانيين تمكنوا منذ وقت مبكر للغاية من فهم إجراءات الحماية الصحية التي استهدفت احتواء انتشار الفيروس.
 
وشملت الدراسة، التي أجراها جلدستزير نفسه في الفترة ما بين 23 فبراير/شباط و2 مارس/آذار، طرح استبيان عبر الإنترنت على 2986 شخصا في الولايات المتحدة وعلى عدد مماثل لذلك تقريبا في المملكة المتحدة، للتعرف على رؤيتهم لفيروس كورونا وما يفهمونه بشأنه.
 
وكشفت النتائج أن 93 في المئة من المشاركين في الولايات المتحدة و86 في المئة من نظرائهم في المملكة المتحدة يعرفون طبيعة التدابير التي يمكن من خلالها الحيلولة دون تفشي الفيروس، مثل غسل اليدين وتجنب التواصل عن قرب مع المصابين، وتحاشي لمس الوجه. لكن يبدو أن هناك فارقا بين معرفة الإجراءات التي قد تقلص فرص تفشي الوباء، وتطبيق هذه الإجراءات.
 
روح زمن الحرب
ومن بين الأسباب المحتملة التي تفسر الصعوبة البالغة التي تكتنف تطبيق هذه القواعد، أننا غالبا ما ننسى تجاربنا التاريخية السابقة، التي نستند إليها عادة لفهم الكوارث التي نتعامل معها. الغريب أن ذلك يحدث رغم أن لدى بعض دول العالم أمثلة تاريخية واضحة، يمكنها الاستفادة منها، في التعامل مع فيروس كورونا، مثل تلك المتعلقة بتفشي الفيروس المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) والمسبب لمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس)، وهما فيروسان ينتميان إلى أسرة الفيروسات التاجية، التي ينتمي لها فيروس كورونا المستجد كذلك.
 
لكن حتى في كندا، التي شكلت إحدى بؤر تفشي (سارس)، تبدد ما كان عالقا في ذاكرة المواطنين بشأن ذلك الوباء وتأثيره، كما تقول جاكلين دافين الأستاذة الفخرية في تاريخ الطب بجامعة كوينز الكندية.
 
فمع أن ذاك الفيروس أودى بحياة 44 شخصا في كندا خلال عام 2003، إلا أن ذلك لم يدفع السلطات هناك لوضع خطط متماسكة وطويلة المدى للتعامل مع أي تفشٍ وبائي في المستقبل لفيروس يصيب الجهاز التنفسي.
 
وتقول دافين في هذا الشأن: “كان التخطيط لمواجهة مثل هذا الوباء المفترض أمرا ملموسا بشدة، في الفترة التي تلت تفشي سارس مباشرة. واستمر الأمر لبضع سنوات في كندا. لكن من المدهش السرعة التي تلاشى بها ذلك”.
 
وتشير دافين إلى أن فيروس كورونا المستجد يبدو أمرا مختلفا، حتى بالنسبة للأشخاص الذين عايشوا تفشي فيروسيْ (ميرس) و(سارس). أما بالنسبة لمن لم يعايشوا أيا من الحدثين، فيفتقرون لأي نموذج تاريخي مروا به بشكل شخصي، يمكن أن يقارنوا به ما يمرون به حاليا.
 
ويقول روبرت وست، الأستاذ الجامعي في الصحة والعلوم السلوكية بلندن: “رغم أننا لم نشهد أمرا كهذا من قبل، فإننا مررنا بوقائع تتشابه معه بشكل ما. دائما ما يسعى البشر، عندما يُواجهون بموقف جديد عليهم، إلى البحث عن مواقف أخرى مشابهة أو مناظرة له”.
 
في أوروبا، ربما تمثل فترة الحرب العالمية الثانية نموذج المقارنة الأول، الذي طرأ على الأذهان، خاصة إذا كنا نتحدث عن كبار السن من سكان القارة. ويعلّق وست على ذلك بالقول: “بوسعك ملاحظة من يتحدثون الآن عن فترة قصف لندن المعروفة باسم `بليتز` (وهم يتناولون أزمة التفشي الوبائي). فهناك بعض أوجه التشابه بينهما، وثمة اختلافات كذلك”.
 
ويتمثل وجه الشبه – كما يقول وست – في فكرة محورية، مفادها أن الاثنين – سواء الوباء أو القصف – يمثلان تهديدا وجوديا. ويوضح قائلا: “الأمر الذي يشترك فيه فيروس كورونا المستجد مع حملة قصف لندن يتمثل في الشعور المجتمعي السائد بالقلق إزاء الأمرين”.
 
في الهند يحرص الناس على مراعاة ترك مسافة بين بعضهم بعضا خلال اصطفافهم في طوابير
ويفيد تأمل مثل هذه التشابهات في تفهم رد فعل الناس على التعليمات التي تصدر من السلطات بشأن سبل الحفاظ على الصحة العامة، ورؤية ما إذا كانوا سيتبعونها بدقة أم سيقابلونها بالتجاهل وعدم الاكتراث.
 
ويقول وست في هذا الإطار: “سنرى البعض يجولون هنا وهناك ويشعرون بأنهم على ما يرام لأنهم لا يعتقدون أن مكروها سيلحق بهم، وأن بوسعهم التعامل مع أي موقف حينما يحدث دون الحاجة للتخطيط له مسبقا. وسنجد في المقابل أناسا أخرين يساورهم شعور مزعج بالقلق والتوجس على مدار الساعة”. وبحسب وست، يؤدي حدوث الكوارث والأزمات إلى أن تعرف ما إذا كنت تنتمي إلى هذه الفئة أم تلك.
 
إذا كيف يمكن أن تتعامل مع شخص لا يشعر بقلق أو انزعاج من أي نوع، خلال فترة تفشٍ وبائي كتلك التي نمر بها حاليا؟
 
تقول ليزلي مارتين، الأستاذة الجامعية في مجال الطب النفسي بجامعة لا سييرا في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، إن على البشر اللجوء إلى مخيلتهم بشكل أكبر حال مواجهتهم كوارث لا يجدون لها في ذاكرتهم سوابق يمكنهم أن يقارنوها بها.
 
وتشير مارتين إلى أنه بمقدورنا تخيل شكل العالم بعد أن تنتهي فترة الانتشار الوبائي الحالية، سواء استغرق ذلك شهورا أو سنوات و”تأمل الطريقة التي تصرفنا بها خلال الأزمة، بأثر رجعي افتراضي، والتساؤل عما إذا كنا سنندم وقتها على الطريقة التي اتبعناها في التعامل مع الوباء أم لا”.
 
قواعد يتعين علينا الامتثال لها
وتقول مارتين إن من بين التحديات الكبرى الأخرى، على صعيد مراعاة إرشادات الصحة العامة الرامية لمواجهة وباء كورونا، ذلك الطابع غير المرئي أو الملموس لمسألة انتشار الفيروس. وتوضح قائلة: “بوجه عام، يصبح البشر أكثر استجابة، عندما يوجد دليل فوري يُبين النتيجة المترتبة على استجابتهم هذه. لكن وجود فترة حضانة طويلة وحقيقة أن الأعراض المرضية لا تظهر على الكثيرين في المراحل الأولى من المرض، جعلا الناس لا يدركون أهمية أن يعزل كل منهم نفسه ذاتيا، سوى في وقت متأخر للغاية”.
 
وفي العديد من النماذج المصورة التي تُستخدم لشرح كيفية انتشار الفيروس وتوضيح مدى فاعلية أسلوب “التباعد الاجتماعي”، يُجسد المصابون في شكل نقاط ذات لون موحد. ويعني ذلك أنه إذا كان بوسعنا تمييز حاملي فيروس كورونا على أرض الواقع بهذا القدر من الوضوح، ربما سنتمكن بشكل أفضل من إدراك أهمية أن يكون غير المصابين بالفيروس أكثر حرصا على الحفاظ على المسافة المنصوح بها بينهم وبين المرضى به. وهكذا، ففي غياب أي علامة واضحة تُميز من أصابهم المرض، يبدو التهديد المرتبط به – كما تقول مارتين – بعيدا ونظريا.
 
ربما سنصبح أكثر حرصا على الحفاظ على مراعاة الإرشادات الصحية، إذا استطعنا تمييز المصابين بالفيروس
ويتمثل السبب الثالث، المتعلق بصعوبة الالتزام بالتعليمات الحالية الهادفة لتقليص انتشار وباء كورونا، في أننا نتخذ الكثير للغاية من قراراتنا من وحي اللحظة، ودون الكثير من التدبر، كأن يفاضل الشخص منّا مثلا ما بين “هل أغسل يديْ بعد عودتي من خارج المنزل، أم أنني غير مضطر للاكتراث بذلك؟”.
 
ويقول وست: “عندما يتخذ الناس مثل هذا النوع من القرارات دون تفكير، وهو ما يحدث دائما، تطرأ على ذهنهم فكرة مفادها `سيكون الأمر على ما يرام هذه المرة`”.
 
ويشير إلى أن مسألة الإقلاع عن التدخين تشكل أحد الأمثلة الجيدة على ذلك، فالمدخن يظن دائما أن سيجارته التالية لن تقتله، وهو ما يحدو به لمواصلة هذه العادة، برغم أن تراكم السجائر على هذه الشاكلة يزيد فرص مواجهته لخطر الموت المبكر.
 
ويعقب وست على ذلك بالقول: “ينزع الناس للتفكير في أن `الأمور ستمضي دون مشكلات هذه المرة`، ونحن بحاجة لأن يفهموا أن ذلك ليس صحيحا”.
 
وفي واقع الأمر، تفيد الأدلة العلمية بأن الناس يميلون إلى تقييم ما يواجههم من مخاطر وما يسنح لهم من فرص بشكل سيء للغاية. ويشكل ذلك أحد العوامل التي تفسر السبب في أن الناس يخشون من السفر بالطائرة أكثر من خشيتهم من التنقل بالسيارة، رغم أن خطر الوفاة جراء التعرض لحادث، أو حتى احتمالات وقوع الحادث نفسه، تزيد كثيرا إذا ما كنت في سيارة.
 
ويمكن التوقف عن تقييم المخاطر بشكل خاطئ على هذه الشاكلة، عبر الكف عن الاعتماد على اتخاذ قرارات من وحي اللحظة. وإذا طبقنا ذلك على مسألة تفشي فيروس كورونا، سنجد أن الأمر هنا – كما يقول وست – تحكمه معادلة بسيطة فـ”كلما زادت الحواجز التي تضعها في طريق انتقال الفيروس من رئة هذا الشخص إلى ذاك، قل عدد الإصابات”.
 
تلقي الرسالة واستيعابها
الآن، وفي ضوء كل هذه التحديات، كيف يمكنك التواصل – وعلى نحو يتسم بالفاعلية – مع الأشخاص الذين لا يأخذون الإرشادات الصحية الرامية للحد من تفشي وباء كورونا على محمل الجد؟
 
أولا: عليك أن تستشهد في حديثك مع هؤلاء بإرشادات المؤسسات الطبية والأطباء، ممن هم في أفضل وضع ممكن لتقديم المعلومات المرتبطة بالوباء، مثل الهيئات المستقلة المعنية بالصحة العامة، التي تستند في نصائحها على الأدلة العلمية. ويعني ذلك – بنظر وست – أن تكون “الرسالة قادمة من خبير. إذ أن احتمالات تعاملنا مع النصيحة بجدية تزيد إذا جاءت من أُناس نعتقد أنهم يعرفون ما الذي يتحدثون عنه”.
 
ثانيا: ينبغي عليك أن تجعل رسالتك إيجابية. وتوضح مارتين ذلك بالقول: “نظرا لأننا نطلب من الناس أن يبقوا قيد العزل، وهو ما لا يبدو أمرا إيجابيا بالنسبة للجانب الأكبر منهم، يتعين علينا تصوير مسألة العزل هذه على أنها أمر إيجابي. كأن نشير إلى أنها تمنح المرء مزيدا من الوقت للقيام بأمور ربما لن يُفسح له المجال لفعلها في ظروف أخرى، مثل الانغماس في القراءة”.
 
أما بالنسبة لكبار السن ممن لا يفتقدون وقت الفراغ ذاك من الأصل، يمكن أن يفيدك التركيز – كما تقول مارتين – على القول إن فترة العزل ستوفر لمن يخضع لها منهم الفرصة لإنجاز أمر مبتكر أو مفيد، مثل تنسيق الحديقة، أو المضي قدما على طريق إنجاز عمل فني طالما أراد الشخص القيام به ولكنه لم يفعل.
 
ثالثا: عليك جعل رسالتك ذات طابع شخصي، والاستعانة فيها بالأشخاص المقربين والمحبوبين لمن توجهها إليهم. وتقول مارتين: “كلما استطعنا جعل هذه الرسائل شخصية الطابع، زادت فرص تلقيها بشكل إيجابي. علينا أن نضع في الاعتبار حقيقة أننا نفعل للآخرين أشياء، لا نقوم بها لأنفسنا بالضرورة. فكر – مثلا – في أحفادك أو والديْك، أو الأشخاص الآخرين من حولك، وقل لنفسك `هل أريد حقا أن أتخذ أي خطوات من شأنها تعريضي لمخاطر إضافية قد تلحق بهم الضرر؟`”.
 
يمكن القول إننا هنا بصدد مواقف يقل فيها تأثير الرسائل التي تبثها المؤسسات المعنية بالصحة العامة عبر وسائل الاتصال الجماهيري، مقارنة بتأثير ما يقوله الناس لبعضهم بعضا.
 
وتوضح مارتين ذلك بالقول: “يمكن أن يصبح الناس قادة رأي داخل أسرهم أو بين المجموعات الاجتماعية التي ينتمون إليها، ليضربوا بذلك نموذجا جيدا للضغوط التي يمكن أن يمارسها الناس على أقرانهم”.
 
وتضيف: “رغم أنه لأمر شاق أن تصبح أول من يتبنى رأيا أو موقفا ما، فإن تحولك لنموذج من هذا القبيل يمثل هدية قيمة يمكنك تقديمها لمن حولك”.
 
في النهاية، بوسعنا القول إن فيروس كورونا يثبت في كل يوم أنه مرض يدير العقل، فقد حوّل إشارات ولفتات المودة التي يتبادلها الناس إلى تصرفات شديدة الخطورة، يمكن أن نلحق عبرها الضرر بمن نحبهم. وفي مواجهة ذلك، قد تصبح الاستراتيجية المُثلى لحماية من حولنا هي توجيه رسائل ذات طابع شخصي لهم وحثهم على عدم الإضرار بالمحيطين بهم. ويستوي في ذلك إذا كنت تخاطب شابا عشرينيا يهوى الحفلات والتجمعات بشدة، أو شخصا في الثمانينيات أو التسعينيات من العمر.