عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Mar-2023

لماذا يجب أن تتجه الأمة العربية إلى الصين؟!*د. أحمد بطّاح

 الراي 

بعد أن انعتقت الأمة العربية من السيطرة العثمانية في أعتاب الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) واجهت الاستعمار الأوروبي الذي قسم المنطقة العربية في إطار اتفاقية سايكس بيكو (1916)، واتفاقية سان ريمو (1920)، كما واجهت بدايات الخطر الصهيوني بصدور وعد بلفور (1917)، ولذا فقد كان النصف الأول من القرن العشرين محاولة من شعوب الأمة في كافة أقطارها للتخلص من الاستعمار الأوروبي (البريطاني، الفرنسي، الاسباني، الايطالي)، ومع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين تقريباً كانت معظم الدول العربية قد استقلت (الأردن، سوريا، ا?عراق، لبنان، مصر،....) وإن كان استقلالاً منقوصاً فقد ظلت الدول الأوروبية ذات نفوذ مُعتبر في هذه الدول المستقلة من خلال القواعد العسكرية التي أنشأتها في هذه البلدان ومن خلال النفوذ الاقتصادي والثقافي الذي أخذ أشكالاً عديدة ومهمة، أما الخطر الصهيوني فقد أصبح حقيقة واقعة باحتلال معظم أراضي فلسطين، وإنشاء دولة إسرائيل في عام (1948).
 
ومع قيام ثورة 1952 في مصر بدأت الأمة العربية ممثلة في مصر "كدولة قائدة" تظهر إرادة وقدرة على مقاومة بقايا الاستعمار الأوروبي، وقد تمثل ذلك في اتفاقية الجلاء بين بريطانيا ومصر (1955)، وتأميم قناة السويس (1956)، واستقلال السودان وتونس (1956)، واستقلال الجزائر (1962) والواقع أن هذه المرحلة (1952 – 1970) كانت تمثل مرحلة مقاومة بل مطاردة للاستعمار في المنطقة العربية من أجل الاستقلال والتحرر فضلاً عن أنها كانت محاولة حقيقة للتنمية (بناء السد العالي مثلاً)، والمهم في هذه المرحلة أن العرب حاولوا أن يفيدوا من توازن?القوى بين الغرب والاتحاد السوفييتي، بل ونجحوا في أن يكونوا من مؤسسي حركة عدم الانحياز (1955)، الأمر الذي عزز دورهم بين الأمم، ودعم نضالهم الهادف إلى نيل الحرية والاستقلال كما حصل عند مواجهة العدوان الثلاثي (بريطانيا، فرنسا، اسرائيل) على مصر عام 1956.
 
ومع انقضاء هذه المرحلة في عام 1970 فقد بدأت مرحلة التراجع أمام النفوذ الإسرائيلي الذي كان قد ظهر جلياً بهزيمة (1967) الكارثية، وأخذ أبعاده في اتفاقية كامب ديفد (1978)، بين مصر وإسرائيل، وما تلاها من اتفاقيات كاتفاقية أوسلو (1993) بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، واتفاقية وادي عربة (1994) بين الأردن واسرائيل. إن المتغير الرئيس الذي حدث في هذه المرحلة هو سقوط الاتحاد السوفييتي (1991) كقوة عظمى موازية للقوة الأمريكية (أعظم حدث جيوسياسي في القرن العشرين على حد تعبير الرئيس الروسي بوتين)، الأمر الذي عَنَى?ببساطة تفرد الولايات المتحدة بالنفوذ والهيمنة، وقد انعكس على المنطقة العربية كما انعكس على غيرها من مناطق العالم.
 
وحيث إن دوام الحال من المحال كما يقولون، وحيث إن الحياة تميل دائماً إلى "التعادلية"، "والتوازن" فقد تولدت بشكل تدريجي قوة عالمية جديدة هي الصين والتي أصبحت تشكل خطراً استراتيجياً على الولايات المتحدة باعترافها. لقد أصبحت الصين ثاني اقتصاد في العالم (أو مصنع العالم كما تُسمى)، كما يتوقع أن تصبح رائدة الذكاء الاصطناعي في العالم مع حلول عام 2030. صحيح أنها ما زالت خلف الولايات المتحدة في معظم المجالات (العسكرية، الاقتصادية، الطاقة، التقنية المتقدمة) ولكنها تسير بخطى حثيثة لكي تصبح القطب الموازي للولايات المتح?ة وبخاصة أنها تتحالف مع أقطاب مهمين آخرين في العالم كروسيا التي تخوض حرباً ضروسًا الان في أوكرانيا ضد حلف الناتو ساعية إلى إنهاء الهيمنة الغربية (وبالذات الأمريكية على العالم). ماذا يعني هذا للعرب؟ أنه يعني ببساطة أنه يمكن أن يجدوا حلفاء أقوياء مهمين يقفون إلى جانبهم في معركتهم ضد الهيمنة الأمريكية الاسرائيلية عليهم وبخاصة أن الصين ليست دولة استعمارية وقد انفقت "تريليون" دولار كمساعدات لدول العالم في إطار مشروع "الحزام والطريق"، فضلاً عن أنها كانت تقف تاريخياً إلى جانب حقوقهم، وأنها الأقرب إلى ثقافتهم الشر?ية.
 
إن هذه هي اللحظة التاريخية للعرب إذا أرادوا الفوز في معركتهم ضد أعدائهم فالصين قادرة على التسليح، وقادرة على تقديم المساعدة الاقتصادية، وقادرة على الدعم السياسي (هي عضو دائم في مجلس الأمن)، وهي راغبة في أن تتبوأ مكانتها كدولة عظمى خلال العقد أو العقدين القادمين على الأكثر وفي هذا السياق يمكن فهم رعايتها للاتفاق الإيراني السعودي، وإن كانت حتى الآن تميل إلى استخدام قوتها الناعمة (القدرة على الجذب لا على الإكراه والقسر).
 
ماذا يتطلب هذا عربياً؟ إنه يتطلب أن تتفهم القيادات العربية توازنات القوى في العالم، وأن تدرك أن الصين هي عملاق جديد يأخذ مكانه على مسرح العالم، وبالتالي فإن من المصلحة العربية العليا أن تتحالف معها بأسلوب عقلاني يأخذ مصالح كل طرف بالاعتبار، وبخاصة أن الصين ما زالت بحاجة ملحة إلى النفط العربي. ولكن هل هذا ممكن عملياً في ظل توزع العرب على (22) دولة؟ إنه ممكن حتى لو أخذت به الدول العربية الرئيسة في العالم العربي كمصر، والسعودية (بدأت بذلك من خلال القمة السعودية والخليجية والعربية مع الصين التي عقدت في الرياض ?ؤخراً)، وسوريا، والجزائر. إن صراع العرب مع أعدائهم صراع تاريخي ووجودي في بعض جوانبه، لذا فلا بدّ من الوعي بالمعادلات الدولية السائدة في العالم، والإفادة منها، بل وتوظيفها في سبل تحقيق الأهداف الكبرى للأمة.