عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Aug-2019

السلطة الفلسطینیة تسعی إلی الانفصال عن الاقتصاد الإسرائیلي - بقلم: عمیره ھاس
ھآرتس
 
سلطة النقد الفلسطینیة وثلاث شركات اتصالات فلسطینیة أعلنت ھذا الأسبوع عن بشرى عید
الأضحى لموظفي القطاع العام في الضفة الغربیة وقطاع غزة: خطوط الھواتف والإنترنت لن یتم
قطعھا إذا تأخروا بالدفع، والبنوك وشركات الاعتماد لن تأخذ كامل الاقساط الشھریة للقروض التي
أعطوھا لھم ولن یفرضوا علیھم غرامات تأخیر.
سلطة النقد وشركات الاتصال استجابت للطلب المباشر لرئیس الحكومة محمد اشتیة بإبداء
المسؤولیة الوطنیة والتضامن الوطني والاخذ في الحسبان وضع موظفي القطاع العام. منذ خمسة
أشھر وھم یحصلون فقط على 60 % من رواتبھم (الذین رواتبھم اقل من 2000 شیكل یحصلون
على كامل الراتب). تفسیر ھذا اللغز الكبیر – كیف یتدبرون أمورھم – ھو قبل أي شيء سیاسي.
الرواتب المقلصة ھي الثمن الذي تدفعھ عشرات آلاف العائلات لصالح المعركة المبدئیة التي
یدیرھا محمود عباس ضد دولة إسرائیل.
وبتوجیھ من الرئیس، منذ شھر شباط (فبرایر) الماضي ترفض وزارة المالیة الفلسطینیة تسلم من
إسرائیل عائدات الضرائب والجمارك التي تعود لھا، والتي بلغت في 2018 ،4.2 ملیار دولار،
وھذا طالما أن إسرائیل تقتطع المبالغ السنویة المدفوعة كمخصصات لعائلات السجناء والسجناء
المحررین (138 ملیون دولار في السنة حسب تقدیرھا).
عباس یسعى لیس إلى أقل من الغاء القانون الإسرائیلي الذي یسمح بھذه المصادرة للأموال – سرقة
بلسان الفلسطینیین. ھو یفترض أن إسرائیل التي تدرك جیدا الاخطار السیاسیة الكامنة في انھیار
اقتصاد السلطة ستتراجع أولا. وھو لم یخطئ تماما: اسرائیل اقترحت على الفلسطینیین أنھ بدلا من
أن تأخذ ضریبة ”البلو“ على الوقود المشترى لصالح الضفة، وھو مبلغ شھري یبلغ 65 ملیون
دولار، فان السلطة تقوم بجبایتھ مباشرة. ھكذا یتقلص المبلغ الاجمالي الذي تصادره إسرائیل خلافا
لاتفاق باریس وھو الملحق الاقتصادي لاتفاق اوسلو. حتى لو كان اقتصادیون وموظفون كبار أیدوا
ھذا الحل المؤقت، إلا أن عباس ما یزال یرفض. كلمتھ كما ھو معروف، ھي التي تقرر. ھو لم
یتراجع وإسرائیل اوقفت تراجعھا والجمھور الفلسطیني یؤیده.
أموال جمارك الاستیراد والضرائب شكلت في 2018 نحو 60 % من مداخیل السلطة، وبسبب
التنازل السیاسي عنھا تبنت میزانیة طوارئ للعام 2019 والتي استندت إلى المداخیل من الضرائب
المحلیة وزیادة أخذ القروض من البنوك ووعود دول عربیة لمنحھا ”شبكة امان“ تبلغ 100 ملیون
دولار شھریا (في ھذه الاثناء 40 % منھا فقط تمت تغطیتھ) ووقف تحویل مرضى الى
المستشفیات الإسرائیلیة كجزء من خطة لـ ”الانفصال عن اقتصاد إسرائیل“.
إضافة إلى ذلك، الحكومة الفلسطینیة لا تدفع دیونھا للمزودین (بدءا من الكراجات والمطابع وحتى
شركات التأمین وشركات طبیة ومستشفیات). تقاریر بدأت تتحدث عن تأثیر الدومینو الاقتصادي:
اجازات قسریة للموظفین في القطاع العام، الطلاب یتنازلون عن التعلیم في شھر ایلول (سبتمبر)
المقبل، عائلات تتوقف عن دفع التأمینات المختلفة بما فیھا الصحیة، انخفاض في المبیعات (بما في
ذلك عدد رؤوس الاغنام التي بیعت لعید الأضحى) وتجمید مشاریع. ھذا الأمر یمكن أن یؤثر بدوره
على البلدیات وحجم الضرائب المحلیة وحتى على تقلیص آخر للرواتب.
عباس یعارض شخصیا وسیاسیا استخدام السلاح الذي بسببھ یقضي عدد من السجناء أحكاما في
السجن. عاطفیا واجتماعیا لا یظھر اھتمام كبیر بھم وبعائلاتھم، وعلاقتھ متوترة باعضاء التنظیمات
الإسلامیة. وأجھزة الأمن الفلسطینیة تواصل محاولة اخضاعھا في الضفة الغربیة، احیانا كمقدمة
لاعتقال اعضائھا من قبل الجیش والشباك، واحیانا بعد أن تم اطلاق سراحھم من السجون الإسرائیلیة. بتعلیمات منھ تم وقف دفع المخصصات الشھریة لعائلات بضع مئات من سجناء حماس والجھاد الإسلامي ومخصصات ورواتب لمن یؤیدون محمد دحلان.
في السیاق السیاسي الداخلي في فتح، عباس (بمساعدة جبریل الرجوب) حاول ایضا اقصاء سیاسیا
نادي الأسیر الفلسطیني وأن یقف على رأسھ قدورة فارس بسبب قربھ من مروان البرغوثي. في
الأعوام 2007 و2008 فارس كان من المؤیدین الرئیسیین لقبول قانون تسلم مخصصات لعائلات
السجناء الأمنیین. وشرح ذلك بالحاجة إلى أن یمنع عنھا التدھور إلى الفقر وتمكینھا من توفیر
التعلیم العالي لأبنائھا. فارس ما یزال یحظى بالشعبیة في فتح. ولكن ترقیتھ في مؤسسات الحركة تم
وقفھا بأمر من أعلى ومیزانیة نادي الأسیر الذي اعید انتخابھ لادارتھ تم تقلیصھا. كل ذلك لیس لھ
علاقة مع موقف عباس القاضي بأنھ یجب على إسرائیل عدم المس بمداخیل السلطة الفلسطینیة
والتدخل في صورة صرفھا. متحدثون من قبلھ ایضا یحرصون على الإعلان في كل شھر بأن
المخصصات لعائلات السجناء تدفع كاملة.
التسھیلات لشركات الاتصال كما حددت التقاریر الصحفیة ھي بالتأكید ذات اھمیة في مجتمع مشبع
بالھواتف المحمولة (9.4 ملیون من المواطنین في القطاع وفي الضفة امتلكوا نحو 5.4 ملیون خط
ھاتف في نھایة العام 2018 وھذا لا یشمل المسجلین في شركات الھواتف الاسرائیلیة). ایضا
الاتصال بالإنترنت یزداد في كل سنة. في نھایة العام 2018 كان عدد المتصلین بالإنترنت 316
ألفا مقابل نحو 120 ألف متصل في العام 2010.
تعلیمات سلطة النقد بالاھتمام بموظفي القطاع العام، حیث احد المقترضین قال ”ما تبقى لي في
البنك بعد دفع الأقساط ھو 200 شیكل“. بھذه الكلمات أقسم امامي معلم شاب في مدرسة حكومیة.
مبلغ الشیكات الراجعة في شھر حزیران كان 108 ملایین دولار، أكثر من الربع عن نفس الفترة
في السنة الماضي، ابلغت سلطة النقد. كان ھناك ایضا ارتفاع بـ 5.14 % في عدد الشیكات
الراجعة، 68 ألفا، ھذا لیس ظاھرة جدیدة، لكن لا یمكن عدم ربط ھذا الأمر الآن مع الضربات
المالیة التي تعرض لھا الفلسطینیون في السنة الأخیرة: تقلیص الدفعات من رام الله لغزة، الضرائب
الاضافیة التي فرضتھا سلطة حماس على السلع والتجار، انخفاض حجم الھبات للسلطة الفلسطینیة
والغاء المساعدة الأمیركیة للاونروا وللسلطة الفلسطینیة.
ھناك من تولد لدیھم الانطباع بأن الحكومة الفلسطینیة لیس لدیھا خطة احتیاط، وھي تنتظر حدوث
معجزة ربما في الانتخابات في إسرائیل. ومع ذلك، ھي تقوم بعدة خطوات التي ھي أكثر من
خطوات تظاھریة: حسب قرار الانفصال عن الاقتصاد الإسرائیلي، عادت ودعت مواطنیھا لتفضیل
الانتاج الفلسطیني على الإسرائیلي (في شھر أیار كان ارتفاع صغیر في حجم الانتاج الفلسطیني
البدیل عن الانتاج الذي یشترى من إسرائیل في مجال الغذاء والسجائر مثلا). نحو 70 طنا من
البضائع التي تم تھریبھا من إسرائیل عن طریق التھرب من الجمارك الفلسطینیة، ضبطت في
نصف السنة الاول قبل وصولھا الى الاسواق الفلسطینیة، اعلنت ھذا الاسبوع وزارة الاقتصاد
الوطني. صندوق الاستثمار الفلسطیني تقدم بخطة لتقلیص الاعتماد على الكھرباء التي تشترى من
إسرائیل عن طریق اقامة محطات للطاقة الشمسیة. إحدى ھذه المنشآت قرب اریحا بدأت العمل قبل
شھر تقریبا. ومنشأتان في طور البناء في طوباس وفي جنین.
حكومة اشتیة تبنت خطة للاستثمار مركزة في عناقید جغرافیة مقسمة حسب اقسامھا الاقتصادیة:
الزراعة (قلقیلیة وطولكرم وجنین وطوباس)، صناعة وتجارة (الخلیل ونابلس)، سیاحة (رام الله
وبیت لحم). الھدف ھو زیادة نجاعة الاستثمارات الحكومیة من جھة وتشجیع القطاع الخاص من لاجھة اخرى عن طریق تحسین التنسیق بینھما. وھناك مشاریع لتوسیع العلاقات الاقتصادیة مع الأردن وزیادة حجم الاعفاء من الضرائب على البضائع الفلسطینیة التي ستسوق في اندونیسیا.
بنفس الروحیة، رئیس اتحاد منتجي الأدویة الفلسطینیة، باسم خوري، أعلن أنھ یمكنھم زیادة حجم
الانتاج والوصول إلى 80 % تقریبا من الادویة المستھلكة في السوق المحلیة بدلا من 60 ،% من
خلال محاربة جھود الاغراق بالأدویة الإسرائیلیة.
لجنة شعبیة صغیرة جددت ھذا الأسبوع محاولتھا للدعوة إلى تقلیص إلى الحد الأدنى لشراء
المنتجات الإسرائیلیة كخطوة استباقیة، حسب قولھا، لنشاطات أكثر قوة ضد ادخال البضائع
الإسرائیلیة، بما في ذلك الفواكھ. یمكن التشكیك بقدرة الفلسطینیین على تغییر تماما انماط الاستھلاك
التي طوروھا خلال سنوات وبقدرة الاقتصاد الفلسطیني على التغلب على القیود التي تفرضھا
إسرائیل علیھم. ولكن رغم الشك العمیق تجاه السلطة الفلسطینیة ومن یقف على رأسھا، فان
الجمھور یظھر تفھمھ للاسباب التي تقف من وراء زیادة الركود الاقتصادي، السلاح الفلسطیني
غیر السري للوجود والصمود تم استلالھ مرة اخرى: القدرة على القیام بتنازلات مادیة وتضامن
اجتماعي أو مساعدة متبادلة ولو في اطار العائلة الموسعة.