عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Jan-2019

العمل المتغير والتعليم المستمر*إبراهيم غرايبة

 الغد

ليس التعليم في أثناء العمل فكرة جديدة في تاريخ بناء رأس المال البشري، وقد كان للجيش العربي الأردني دور كبير في تعليم المنتسبين إليه وأبنائهم والمجتمع المحيط المبادئ الأولية في التعليم وبناء المدارس وكذلك التدريب والتطوير المهني، والذي امتد في تأثيره إضافة إلى المؤسسات العسكرية إلى الأسواق والمؤسسات العامة أيضا، وكان للمواطنين اتجاهات ودوافع نابعة من تطوير الذات والرغبة في التعلم في تطوير مهاراتهم المعرفية سواء التعلم الذاتي أو مواصلة الدراسة المنتظمة في الجامعات أو المشاركة في الدورات التدريبية، كما كان للمؤسسات العامة وبخاصة وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة مساهمات كبرى في التعليم المستمر للعاملين بالتدريب والابتعاث.
تتشكل اليوم حالة من القلق والانتقالية في التعليم المستمر، بسبب التغيرات في طبيعة الأعمال والمهارات والأسواق، وتبدو سوق التعليم المستمر في أثناء العمل وبعد التخرج من الجامعات تسير في اتجاهات وأفكار تعكس الارتباك في فهم التغير في طبيعة الاعمال والمهارات المطلوبة، ويمكن ملاحظة اتجاهات تدريبية كثيرة، بعضها استثمارية، وبعضها تموله مؤسسات أجنبية مانحة من خلال منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، ولا يمكن القطع بأهمية هذه المهارات والأفكار التي يجري التدريب عليها على نطاق واسع، وبعضها يبدو بالفعل بعيدا عن المعرفة والمهارات الحقيقية اللازمة، والحال أننا في مواجهة تحد أساسي في القدرة على تحديد المهارات والاحتياجات التدريبية والمعرفية، وربما يكون من الضروري جدا لجميع مؤسسات القطاع العام والخاص كما المواطنين الأفراد أن يقوموا بعمليات مراجعة وتفكير عميق في الاحتياجات المعرفية والشخصية الجديدة التي يجب اكتسابها لأجل القدرة على مواصلة تطوير الذات والاستجابة الصحيحة لمتطلبات الأعمال والأسواق، ولا بأس بتكرار القول إن كثيرا مما يغمر سوق التدريب اليوم مما يسمى تنمية بشرية وبرمجة لغوية وفراسة ومهارات إبداعية وريادة؛ لا يتجاوز الوهم أو عدم الحاجة إليه، كما تمتلئ المكتبات بعناوين مغرية عن النجاح والتفوق والتأثير والإبداع تجعلنا إذا أخذناها على محمل الجد نستغني عن الجامعات، بل إن بعض الكتب غامرت باختيار عنوان لها ” ما يغنيك عن هارفارد” وبالطبع فإن الجامعات بما فيها العريقة والمتقدمة في حاجة إلى مراجعة عميقة واستراتيجية لبرامجها ومناهجها التعليمية ورسالتها في العمل والحياة. 
يمثل عدد القادرين على العمل (15 – 64 سنة) حوالي 58 في المائة من السكان، أي حوالي أربعة ملايين مواطن، وبقدر ما يمثل ذلك فرصة كبرى للتنمية وتحسين الانتاج فإنه يمثل أيضا تحديا كبيرا لأجل التعليم المستمر والتهيئة لأسواق عمل تزداد تغيرا وصعوبة، وفي كثير من دول العالم التي تعاني نسبة كبيرة من مواطنيها من العجز عن القراءة والكتابة فإننا في الأردن قد أنجزنا مستوى جيدا في القراءة والكتابة والتعليم كما الخدمات الصحية؛ ما يعني أننا نمتلك قاعدة أساسية ومهمة تساعدنا على تطوير الكفاءات والمهارات الأكثر تعقيدا وملاءمة للتكنولوجيا الجديدة والأعمال الناشئة والتي تحتاج إلى مهارات غير تقليدية. مثل اللغات والحوسبة في التعليم والأعمال والحياة والخدمات والعمل مع المجتمعات وحل المشكلات وإدارة الأزمات والمخاطر والإحاطة المستمرة والجارية بالأعمال والمتطلبات في التكنولوجيا والأسواق والسياسات.
لقد توقف تقريبا الطلب على الأعمال ذات المهارات المحدودة وصارت جميع الأعمال حتى تلك التي تبدو متواضعة وبسيطة في حاجة إلى مهارات معرفية وشخصية أكثر تقدما، كما أن الأجهزة الجديدة والتطورات التي أدخلت في السيارات والمكائن والأجهزة والأعمال والمؤسسات والإدارات تحتاج إلى مهارات جديدة ومختلفة، وبعض هذه الأعمال والحرف التي لم تكن تحتاج إلى معرفة معقدة صارت لا يمكن مواصلة العمل فيها إلا بمعرفة ودراسات متقدمة، وبعضها ليس متاحا بعد في المدارس والمعاهد، وهذا يجعل كثيرا من الأعمال والمؤسسات التدريبية هدرا أو مجرد لعب في الوقت الضائع!