عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-Aug-2025

"جبل الجليد".. رحلة سردية تستكشف هموم الإنسان وعمق هويته

  الغد

إربد– تقف المجموعة القصصية "جبل الجليد" للأكاديمية والقاصة الدكتورة أماني داوود، عند هموم إنسانية آنية، تضيء من خلالها شخصيات حية مركبة، تنشغل في معظمها بقضية البحث عن الذات، كما تعالج مسألة الهوية بعمقها النفسي، مقدمة دعوات متكررة لقراءتها من هذا المنظور.
 
 
حفل توقيع المجموعة القصصية "جبل الجليد"، جاء بتنظيم من نادي الكتاب، بالتعاون مع وزارة الثقافة، وذلك في مقر "بيت عرار الثقافي" في إربد.
وشارك في الحفل، الذي أدارته الروائية روند الكفارنة، أول من أمس، الروائي هاشم غرايبة.
وتتألف المجموعة، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، من ثماني عشرة قصة قصيرة. وحملت لوحة الغلاف توقيع الفنان الأردني الراحل مهنا الدرة، بتصميم  الفنان يوسف الصرايرة.
وتجسد القصص حالات الاغتراب التي يعيشها أبطالها، وهم يواجهون في رحلات اغترابهم قوى وسلطات متباينة، تتوزع عبر نصوص المجموعة بين سلطة الضمير، السلطة الاجتماعية، سلطة الماضي وسلطة الموت، إضافة إلى السلطات الثقافية والسياسية.
ترتبط قصص المجموعة ارتباطا وثيقا بالواقع، وخصوصا الواقع السياسي والاجتماعي والإنساني الراهن، غير أنها تعبر عن ذلك بلغة سردية بعيدة عن المباشرة، مائلة إلى الرمز والإيحاء والدلالة الممتدة، التي تحول اللحظة الواقعية إلى تجربة أبدية متجددة.
فيما جاءت لغة المجموعة منسجمة مع موضوعاتها، مواكبة لعمقها النفسي في البحث عن الهوية، ومعبرة عن رؤية الذات من خلال الآخر، ومتناغمة مع أشكال السلطة المتعددة التي تتخلل النصوص. إنها لغة رمزية خصبة، عالية الكثافة وغنية بالدلالات، مدعومة بمعادلات موضوعية ورموز محبوكة بذكاء، مكنت الكاتبة من التعبير عما أرادت قوله بأسلوب جمالي مؤثر.
ورأى المتحدثون، أن المجموعة القصصية "جبل الجليد" تقدم رحلة سردية غنية تتأرجح بين الواقع والخيال، مستكشفة هموم الإنسان وعمق هويته النفسية والاجتماعية. عبر لغة رمزية وأسلوب سردي مبتكر، تدعو القارئة والقارئ إلى التأمل والتفاعل مع النص، لتكتشف دلالاته المتعددة المتخفية وراء الرموز والتقنيات الأدبية المتنوعة.
في مستهل الندوة، قال الروائي هاشم غرايبة "إن القاصة أماني داوود تعد قاصة من طراز رفيع"، مشيرا إلى أن القصص الطافية على سطح الكتاب لا تكشف سوى قمة صغيرة من جبل جليد هائل، إذ تجر القارئ إلى عوالم مضطربة، استطاعت الكاتبة أن تبرئ نفسها من تبعاتها.
وأضاف غرايبة أن خليط الكلمات، وموسيقا الواقع، وتهويمات الخيال، ومنحوتات اللغة، وقصقصة القص، والرسم بالكلمات، والتصوير الفني المتوهج، كلها تتجلى في ظاهرها قصصا مختلفة تعبر عن شخوص وأمكنة وأزمنة تتنوع فيها الرؤية وتتعدد أساليب السرد، لكنها في باطنها تكشف عن قاصة ماهرة وظفت تقنيات السينما وآليات الوصل والقطع، للتعبير عن العوالم النفسية والذهنية للشخصيات، بما ينسجم مع المناخات الواقعية والسلوكيات الطقسية للأحداث.
وتابع غرايبة، إذا كان القاص يحذق في إيضاح الحدث وترتيب الصور المبعثرة بين الواقع وخياله ليلضمها في خيط سبحته، فإن أماني داوود تجيد العبث بالواقع والوقائع، لتبعثر الصور وتعيد تركيبها في لوحة فسيفسائية مرصعة بالتفاصيل، ليستمتع القارئ بالمشهد البانورامي وتدهشه لوحات مؤطرة بعناوين لافتة مثل: "رجل الملاريا"، و"كأس في حفل للموتى"، و"الابن الذي زرع أباه ورشه بالماء".
من جانبها، قالت الروائية روند الكفارنة "إن عنوان المجموعة القصصية "جبل الجليد"، هو عنوان يمثل عتبة للمجموعة وإشارة خفية لما سيواجهه القارئ داخل النصوص قريبا. كأن الكاتبة تحذرك وهي تفتح لك باب عالمها، وتهمس في أذنك: ما تراه ليس كل الحقيقة، بل جزء منها، وعليك أن تكون شريكا في فهم المجموعة، دون الركون إلى الكسل. فلن يصلك المعنى مقشرا، إذ تشبه المجموعة "الصبر الصيفي"؛ عليك أن ترتدي قفازاتك الفكرية واللغوية لتقشر أشواك المعاني التي قد ترهب القارئ".
وأضافت الكفارنة لتستمتع بحلاوة الوصول إلى الفكرة في "جبل الجليد"، يجب أن تطرح الأسئلة وتجيب عنها بنفسك، فالمجموعة لا تعد بإجابات جاهزة، بل تقدم مواقف وحكايات صغيرة متناثرة، كلعبة قطع البازل. وعليك أن تستخدم مرآتك الخاصة ورؤيتك الخاصة لترتب كل قطعة في مكانها، كتأكيد لمقولة "موت الكاتب وإحياء النص".
كما يشير العنوان، "جبل الجليد"، المخفي أكثر من 80 % منه غير مرئي، ويتطلب منك بذل جهد إضافي لتكتشف ما يختبئ فيه. لا تتوقع أن توفر لك الكاتبة صورة كاملة لأفكارها، فكيف للمرايا المنثورة في نصوصها أن تعكس صورة أماني بينما أنت من ينظر؟
وأضافت الكفارنة أن الراوي لم يعد محايدا، وكذلك المؤلف لم يعد يتظاهر بأنه خارج عالمه السردي. ولكنك في الوقت نفسه، تقابل شخصيات في القصص تعرفها من واقعك، من الموظفة المتسلقة إلى المراهقين المتربصين، أو حتى الرجل الذي ينقاد للخوف، وصولا إلى الشخصيات المحررة التي تغوص في صور الجثث، لتلاحق الأخبار المروعة. تتجلى في النصوص إسقاطات متعددة وتجسيد لاغتراب الفرد، وتأملات مختلفة في الحرب والقلق والهوية. هذه هي أماني.
وخلصت الكفارنة، إلى أن هذه المجموعة التي تتألف من عشرين قصة، تبدأ بعتبة تعبر عن قلق الكاتب وبحثه عن الهوية، وتنتهي بقفل يقول: "كل القصص إذا امتدت فسوف تنتهي بالموت، ومن يخفي هذه الحقيقة فهو راوٍ مزيف". ربما الهدف من القص هو سرد الأحداث والتوقف قبل الموت بقليل، إذ تكمن مهمة القاص في تفكيك الحياة وترتيبها، لا الحكم عليها.
فيما تحدثت القاصة أماني داوود عن مجموعتها القصصية "جبل الجليد"، وعن فِعل الكتابة القصصية، مشيرةً إلى أن فعل القص ليس أمرا سهلا، بل يتطلب الكثير من الوعي والدقة. فالقصة القصيرة – وهي نوع سردي ذكي وصعب – تكتب بالمحو، ويحتاج نصها اللغوي السردي إلى الكثير من التشذيب والتهذيب والتثقيف، حتى يغدو خاليا من الزوائد والنتوءات في عناصره المختلفة كالزمان والمكان والشخصيات والأحداث، لتكون الحبكة أكثر تماسكا.
وأكدت داوود أن القصة القصيرة لا ينتظر منها أن تقول كل شيء، بل أن تكتفي بالإيماء والإشارة إلى ما يقود القارئ نحو ما هو مضمر وغائب فيها، لافتة إلى أن على القارئ أن يملأ الفراغات بمخيلاته وثقافته الذاتية، بما يمكنه من الوصول إلى تأويله الخاص للنص القصصي.
وأوضحت داوود أنها في كل مجموعة قصصية تعمل على تجريب الإمكانيات التي تتيحها لها لغتها وثقافتها المتزامنة مع التجربة الكتابية، مؤكدة سعيها الدائم لاكتشاف طاقات النوع القصصي وقدرته على استيعاب التجريب وتحمل التقنيات المتنوعة، بما يتيح إيصال الرؤية الفنية والجمالية والفكرية. وأضافت أن ذلك يبدو لها أشبه بلعبة جميلة تستمتع بممارستها.
وأجابت عن أسئلة الحضور التي تنوّعت بين شخصيات القصص ورموزها، وتحديات الكتابة القصصية، وجدلية الحضور والغياب في النص، وآليات إثارة فضول القارئ، وغيرها من القضايا المرتبطة بفن القصة القصيرة.