عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Mar-2023

المستعمرون الأكثر سعادة*سائد كراجة

 الغد

المشهد أوضح من أي وقت مضى، إسرائيل تباشر اليوم حربا توراتية، تتسلح بمقولات دينية توراتية عن الأرض الموعودة وعن نقاء أرض اليهود وعرقهم، مقولات تبرر البطش بالفلسطيني وتطهير الأرض الموعودة منه لإقامة دولة يهودية لا حقوق فيها لغير اليهود، وهذه مسلمات عقائدية مقدسة تبرر لهذه الدولة العدوان والاحتلال والظلم وقهر الإنسان والافتئات على حقوقه بعقل بارد وقلب شغوف بالقتل والظلم!
أقول هذا وأنا أراجع مقابلة مع وزير مالية إسرائيل سموتيريتش إياه منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تسأله فيها المذيعة عن خريطة إسرائيل الكبرى، فيجيب: أنا أعيش بالتوراة، وحسب التوراة القدس يجب أن تصل إلى دمشق. ولا ينكر أبدا أنه يعتبر الأردن جزءا من إسرائيل!؟ ولكن هل سموتيريتش هذا شخص عابر وظاهرة مؤقتة؟ يمكن قول ذلك لو كان الجناح المتطرف الإسرائيلي وصل بتداول صندوق الانتخاب ولكن الصندوق يمكن أن يأتي بغيره!
الكاتب الإسرائيلي إيلان بابيه، الخبير بالدولة والمجتمع الإسرائيلي يقول ما نتيجته أن التمييز العنصري الإسرائيلي يتجلى الآن في أوضح صوره، حتى كأنه صار خاصية شعبية إسرائيلية، فمن التهجير القسري مرورا بانتهاك حقوق الفلسطينيين وجعل السلطة وغزة سجنا كبيرا وليس انتهاءً بيهودية الدولة، كل ذلك صار طبيعة ذاتية لهذا الشعب أكثر منه موقفا سياسيا عابرا، وبهذا الصدد يجمع المحللون السياسيون على أن المنافسة على الحكم في إسرائيل صارت بين متطرف وأكثر تطرفا، والانتخابات الأخيرة هي استدارة في دولة إسرائيل نحو اليمين الصهيوني الديني المتطرف، والمنافسة بين المتطرفين بالمزاودة بالتطرف أو بالاختلاف على شخصية رئيس الوزراء اليميني المتطرف.
والانتخابات الإسرائيلية الأخيرة دليل على ذلك فقد خسر اليسار والليبرال الإسرائيلي- إن وجدا- أغلب مقاعدهما لصالح أحزاب دينية متطرفة، والتي حققت تغييرا جغرافيا وسكانيا على الأرض يهدد بخطر الضم والابتلاع لما تبقى من فلسطين التاريخية، فهناك (151) مستعمرة في الضفة الغربية يسكنها(719.452) مستعمرا بما يمثل ما نسبته (22.8 %) من سكانها؜، وكذلك (26) مستعمرة في القدس يسكنها (326.523) مستعمرا بما يمثل ما نسبته (68.5 %) من سكان القدس، وأكثر من ذلك فقد أقر الكنيست مؤخرا قانونا يسمح بعودة المستعمرين إلى المستعمرات غير القانونية في الضفة الغربية، الأمر الذي يوحي بترتيب واقع جغرافي يمهد لضم الضفة بالكامل!
وللتوضيح فإن شعب إسرائيل لا يبدو منزعجا ولا خائفا ولا رافضا لهذا اليمين الإسرائيلي ولا لقتل وتشريد وسجن الفلسطينيين، ذلك أن استطلاعات الرأي الأخيرة تضع الإسرائيليين على رأس قائمة الشعوب السعيدة!
ماذا يعني كل هذا أردنيا؟! يعني أن زلزالًا سياسيا يحصل على جبهتنا الغربية وأن استدارة سياسية عسكرية حصلت في إسرائيل كشفت عن الوجه الحقيقي لموقع الأردن في مخطط ومتخيل دولة إسرائيل، مفاده باختصار أن الأردن عرضة لمخططاتهم الاستعمارية العسكرية والسياسية، ومع تكرار القول بأننا لم ولن نكون لقمة سائغة لهم إلا أن مراجعة جذرية لكامل العلاقة مع إسرائيل صارت ضرورةً حتميًة، مراجعة إستراتيجية تتطلب خطوات عملية دبلوماسية وسياسية على أرض الواقع، قد يفكر البعض بتحالفنا مع أميركا ومناصرة أميركا اقتصاديا وسياسيا لنا، وهذا مفهوم، ولكن مع كل التطورات العالمية والحرب الأوكرانية الروسية التي تبدو أنها طويلة الأمد ومع تاريخ أميركا مع حلفائها فإن أقل ما يقال عن الحلف الأميركي أنه غير موثوق!
ليس فقط الدولة والحكومة، بل أيضا على الأحزاب السياسية في الأردن أن تدرس هذه المخاطر المحدقة وأن تقدم برنامج مقاومة شعبيا مدروسا وتفصيليا يتجاوز إصدار بيان استنكار مكرور، خلينا نصحى جنابكم.