عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Sep-2021

إلى أستاذي مع محبتي*د. إبراهيم صبيح

 صحفي 

كانت تلك عنوان أغنية شهيرة في بداية السبعينات من القرن العشرين , غنتها المطربة البريطانية الشهيرة لولو وقد تحولت الاغنية فيما بعد إلى فيلم سينمائي قام بتمثيله الممثل الأسمر سيدني بواتييه الحائز على جائزة الاوسكار .
تدور كلمات الأغنية حول حفلة التخرج من المدرسة حيث تخاطب طالبة أستاذها :
"لقد مضت أيام السهر وحان الوقت لإغلاق الكتب ونسيان الدراسة في اللحظات الأخيرةقبل الإمتحان. ها نحن نترك المدرسة ونترك ورائنا صديقاً علمنا أن نميز بين الصح والخطأ وبين القوي و الضعيف. علمتنا يا سيدي أشياء عظيمة لانعرف كيف نشكرك عليها إذ كيف تشكر إنساناً رفعك بالعلم من الحضيض إلى قمم الجبال. صدقني يا سيدي أنك لو طلبت مني أن أحضر لك القمر أو أن اكتب لك على الغيوم في السماء فإنني سأحاول ولكن من المؤكد أنني لن أنجح. بدلاً عن كل ذلك أستطيع أن اقدم لك قلبي وأقول : إلى استاذي مع محبتي ".
تنتهي كلمات الأغنية و أنا أقول :
أتَذْكُرُ يا سيدي عندما قمت بتوزيع عناوين للمراسلة علينا نحن طلاب الصف الأول إعدادي . كان نصيبي يومها عنوان مراسلة لفتاة من مدينة بافالو في ولاية نيويورك في الولايات المتحدةالأمريكية. كان هدفك يومها أن تعلمنا طريقة كتابة رسالة باللغة الإنجليزية لتفتح امامنا عوالم الكتابة السحرية. لا بد يقيناً أنك كنت تعلم حجم مشاعري و أنا صبي الزرقاء اليافع أكتب إلى فتاة في أميركا. دعني أقول لك أنني أحسست يومها أنني فقدت توازني و جاذبية أرضي فوق كوكب قمري وأنا أكتب و أكتب ثم أعود إليك لتصحيح ما كتبت. سرعان ما جاءني الرد من الفتاة التي حدثتني عن مدينة بافالو التي سميت كذلك من قبل الهنود الحمر عندما شاهدوا الوعول الكبيرة ترعى في سهول تلك المنطقة. أخبرتني الفتاة كذلك عن أباها الطبيب وعن أمها أمينة المكتبة وعن أخاها الصغير. وصفت لي الفتاة الغابات الكثيفة ونهر نياجرا والجزء الأمريكي من شلالات نياجرا القريبة من منزلها. كتبت لي الفتاة كذلك عن حديقة منزلها والعصافير التي تغرد عند شباك غرفتها.
أُسقط في يدي فلم أعلم ماذا أرد على تلك الفتاة في رسالتي. لجأت اليك فقلت لي : أخبرها عن أباك سائق الشاحنة وعن أمك التي تغسل ثيابكم بيديها. أخبرها عن أخواتك وأخوانك الثمانية وكيف تنامون في غرفة واحدة لا تصل العصافير إلى شباكها. اخبرها عن نهر الاردن العظيم الذي نزل ذكره في الكتاب المقدس وعن الزرقاء التي يتعانق فيها المسجد والكنيسة . آه يا سيدي كم جعلتني أحس بعظمة القليل الذي أملك وبعظمة التواصل مع أبناء العالم الذي نعيش فيه .
أتَذْكُرُ يا سيدي حصص اللغة الإنجليزية والكتب التي كنتم تطلبون منا قراءتها ومناقشتها في الصف خارج المقرر الدراسي. يا الله كم أحببت شكسبير وحلم ليلة صيف و تاجر البندقية, و روميو و جوليت.
ذهبنا يوماً في رحلة مدرسية إلى قرية السخنة القريبة من مدينة الزرقاء. لعبنا و قفزنا بين الأشجار الكثيفة فوق الخضرة اليانعة على ضفاف نهر الزرقاء المتدفق المياه. مدرسين و طلاب جلسنا لنأكل كعائلة واحدة : الزيتون و الزعتر و الجبنة و البندورة و الخيار و خبز الطابون . أذكر أنك حملتني على كتفيك لإلتقاط الصور التذكارية . لا زلت أحتفظ بتلك الصورة وعندما أنظر إليها أرى السعادة الغامرة في ملامح وجهي أما في ملامح وجهك فأرى إعتزاز وفخر والدٍ يحمل إبنه على كتفيه .
هل علمت كم زرعت في قلوبنا حب الرياضة و التنافس عندما كنت أنت و زملائك المدرسين تلعبون معنا كرة القدم و السلة و الطائرة في "الفرصة"بين الحصص الدراسية . أتذكر يا سيدي مواضيع الإنشاء و المعلقات و المتنبي و أبو القاسم الشابي و المنفلوطي و طه حسين .
لقد خلقتم منا قراءاً و نقاداً وباحثين وحافظين لقصص التاريخ وجغرافيا الوطن العربي والعالم من حوله.
لقد علمتنا أنت و زملائك أن نخاف الله لأنه يرانا و لا نراه و علمتمونا أن الله محبة و أن الدين محبة و أن الناس سواسية . أخذنا منكم إحترام الكبير و مساعدة المحتاج و تعلمنا منكم أن الفقر ليس عيباً بل العيب كل العيب في الجهل و الكسل . علمتمونا حب الوطن و الولاء للوطن و علمتمونا أن نسطع مثل نجوم السماء علماً ومعرفهً.
إلى كل أساتذتي في مدارس صلاح الدين الأيوبي و وكالة الغوث و الزرقاء الثانوية و إليك يا استاذ حسن رمضان أقول: "هذا قلبي أُقدمه لكم مع محبتي وتقديري".