ماذا تريد واشنطن من دمشق؟*أ. د. صلاح العبادي
الراي
على مسار الانفتاح على العالم والتقارب مع المحيط الخليجي، تخطو الحكومة السوريّة بثبات لنيل ثقة المجتمع الدولي، وهو ما بدأ يؤتي ثماره سريعاً.
فبعد أيام من قرار واشنطن رفعها جزئياً للعقوبات عن دمشق وتعيين مبعوثٍ خاص إلى سوريا، تواصل سوريا الجديدة التحرك نحو سلامٍ مع إسرائيل.
إسرائيل وسوريا على اتصالٍ مباشر وأجريتا خلال الأسابيع الماضية لقاءات وجهاً لوجه، بهدف احتواء التوتر والحيلولة دون اندلاع صراعٍ في المنطقة الحدوديّة. اللقاءات ركزت على الملفات الأمنيّة وعلى تجنب المواجهة الميدانيّة، وليس التطبيع.
فما أسباب التقارب السوري الإسرائيلي الآن؟ وهل للأمر علاقة بانفتاح واشنطن على دمشق؟
كما أنّ سوريا في حسابات الإدارة الأمريكية لم تعد سوريا مجرّد ساحة صراع، بل أصبحت مفترق طرقٍ لإعادة رسم التوازنات الإقليميّة.
واشنطن تبدي انفتاحاً على دمشق، لكنّها تتحرك بهدوء، وفق خطط واضحة، أبرزها ألا تكون سوريا منصّة تهديدٍ لجيرانها، ولا ملاذاً للإرهاب، بل دولة مستقرة وآمنة.
تحقيق هذا التصور يتطلب حزمة من الشروط التي كانت قد أعلنت عنها واشنطن صراحةً، وتريد التأكد من تنفيذها.
والسؤال هل تستطيع دمشق فعلياً الاستجابة للشروط الأميركية؟ وما هي العقبات؟ وكيف ستتحقق واشنطن من استيفاء هذهِ الشروط من ساحة معقدة تشهد تداخلاً إقليمياً ودوليّاّ؟
المبعوث الأميركي الخاص الى دمشق توماس باراك قال إنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتخذ قراراً جريئاً برفع العقوبات عن سوريا.
وقال في كلمة له إنّ الولايات المتحدة تعتقد أنّ السلام بين سوريا وإسرائيل قابل للتحقيق، مقترحاً أن يبدأ السعي إلى ذلك باتفاق على عدم الاعتداء وترسيم الحدود. وذكر باراك أثناء زيارته إلى دمشق أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتزم رفع اسم سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب قريباً.
وأعرب عن اعتقاده بأنّ "مشكلة إسرائيل وسوريا قابلة للحل وتبدأ بالحوار"، مقترحا البدء بـ"اتفاق عدم اعتداء" بين الطرفين.
وأكّد أنّ الهدف الأساسي للحكومة الأمريكية هو تمكين الحكومة السوريّة.
كما أكّد أنّ واشنطن ستستمر في دعم جهود الاستقرار السياسي والأمني في سوريا وأنّها ملتزمة في الهزيمة الدائمة لداعش.
فماذا تريد الإدارة الأمريكية من سوريا؟
على رأس المطالب الأميركية فتح قناة تواصل أمني سوريّة إسرائيليّة تبدأ بضبط الحدود بين الجانبين، تمهيداً لاحتمال التفاوض والدخول في حوار ينتهي بالتوصل إلى اتفاقية سلام، كذلك تطالب واشنطن بإخراج الفصائل الأجنبية من سوريا، ودعم جهود واشنطن في مكافحة الارهاب حتى لا تكون سورياً منطلقاً لتنظيمات متشددة.
كما تشمل المطالب ابعاد التنظيمات الفلسطينيّة مثل الجبهة الشعبيّة وحماس والجهاد، كجزء من اتفاق أمني أوسع يشمل إغلاق أي مخيمات تحوي سلاح خارج سُلطة الدولة.
تريد واشنطن أيضاً إصلاح المنظومة الأمنيّة مع الحفاظ على هيكل أمني جديد أكثر انضباطاً وتعاوناً مع المجتمع الدولي، ينهي العنف الداخلي، ولا تطالب واشنطن بقطع العلاقات السوريّة مع إيران؛ لكنّها تضغط لمنع تموضع عسكري إيراني في سوريا.
كما أن واشنطن تريد من دمشق إطلاق عمليّة سياسيّة تؤدي إلى تسويّة سياسيّة في سوريا، مع الحفاظ على حقوق الأقليات وألا تكون منطلقاً تهدد جيرانها.
الحكومة السوريّة بدأت بتنفيذ المطالب الأمريكيّة، في وقت بدأت واشنطن برفع العقوبات.
فعلياً بدأت سوريا بوضع حجر الأساس لتنفيذ مطالب واشنطن، والعلاقات السوريّة الأمريكيّة تشهد تطوراً كبيراً، ودمشق الآن في مرحلة انتقالية من الماضي الأليم في حقبة بشار الأسد وأبيه من قبله، وكانت في في تلك المرحلة بحالة اصطدام مع الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي.
الدولة السوريّة الآن دخلت في مشروع جديد ضمن معادلة صفريّة من ناحية المشاكل والخلافات مع كافة الدول العربيّة والإقليميّة والمجتمع الدولي.
كما أنّ المجتمع الدولي أصبح لديه القبول لهذا النشاط، والدول العربيّة أسهمت كثيراً في إيصال رسائل إيجابيّة عن الدولة السوريّة الجديدة وتفاصيل ما يحدث من تطورات في الأراضي السوريّة.
سوريا اليوم تشهد تسارع في الأحداث السياسيّة والأمنيّة على مستوى المحور الأمريكي؛ إذ أنّ واشنطن باشرت في رفع العقوبات، ورفع العلم الأمريكي فوق مقر إقامة مبعوث واشنطن الخاص إلى دمشق للمرة الأولى منذ إغلاق السفارة في عام 2012 خلال انتفاضة الربيع العربي في البلاد، وهو الأمر الذي أوصل رسائل إيجابيّة مفادها أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ماضية في دعمها لسوريا ومشاريع إعادة الإعمار، ودعم الاستقرار ووحدة الأراضي السوريّة ودعم الأراضي السوريّة.
وما شهدته سوريا قبل أيام من توقيع اتفاق ومذكرة تفاهم في مجال الطاقة مع ائتلاف من أربع شركات دوليّة بقيمة سبعة مليارات دولار، في حفل حضره الرئيس أحمد الشرع والمبعوث الأميركي، يؤكد مضي واشنطن في دعم دمشق وتمكينها من إعادة بناء الدولة من جديد، خصوصاً وأنّ شركات أمريكية كانت جزءاً من هذهِ الاتفاقيات.
الشروط التي وضعت من قبل الإدارة الأمريكية وبدأت الحكومة السوريّة بتنفيذها تؤكد تحسين هذهِ العلاقات، وبأنّ سوريا ماضية في مسار سياسي واضح.
كما أنّ الحكومة السوريّة ماضية في مواجهة الملف الأمني، لتجنب مواجهة العراقيل، والسيطرة على كافة الفصائل حتى لا تكون جيوب مقاومة للأفق السياسي الذي ترسمه الحكومة السوريّة، واجتثاث تنظيم داعش؛ حتى لا تكون سوريا أمام ارهاصات تهدد أمنها واستقرارها.
المشهد الذي ظهر قبل أيام أثناء زيارة فريق من قوات التحالف إلى معتقلات داعش ومخيم الهول بمرافقة أمنيّة سوريّة يؤكد ثقة واشنطن بالدولة السوريّة في إدارة المشهد الأمني، وهو ما يؤكد أهمية التنسيق الأمني بحرص شديد.